نظام الأسد للصرافين: لا عمل دون دفع 50 مليون ليرة
قيّد نظام الأسد حركة الصرافة في السوق السورية وحصرها بالبنك المركزي، وجرّم مرسومان صدرا عن رأس النظام بشار الأسد كل من يتعامل بالدولار أو ينشر عن سعره عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالسجن والغرامات المالية الباهظة.
وأعقب المرسومين الرئيسين، إغلاق العشرات من شركات الحوالات والصرافة بمختلف المحافظات السورية؛ بذريعة الاتجار بالعملات الأجنبية والتلاعب بسعر صرف الدولار؛ وذلك من أجل إحكام قبضة البنك المركزي على العملة الأجنبية وتجفيف أي متنفس أمام السكان؛ لتصريف مقتناياتهم من العملات الأجنبية بموجب سعر صرف حقيقي لليرة.
الأسد يُغلق عشرات شركات “الصرافة”
وبلغ عدد مكاتب وشركات الصرافة التي أغلقتها سلطات النظام نحو خمسين شركة ومكتبا، ولعلّ أبرز الشركات المتضررة من الملاحقة هي “شركة الحافظ” إضافة إلى شركة “إرسال”، في وقت حدد فيه البنك المركزي سعر صرف الدولار مقابل الليرة بنحو 700 ليرة فقط، فيما بقي سعره في السوق السوداء فوق الألف ليرة للدولار الواحد، وهو ما دفع السكان للإحجام عن بيع العملة والتجار لعدم التصريف؛ خشية الملاحقة.
حاكم البنك المركزي للصرافين: أجمعو الدولار بأي طريقة
وتقول مصادر في شركات الصرافة إنّ “حاكم المصرف طلب من شركات الصرافة جمع (الدولار) بغض النظر عن الوسائل، وغض الطرف عنهم”، وأنّ “الحاكم قام فيما بعد ذلك بطلب (داتا) عمليات التحويل، وزجّ الرافضين في السجون مع إغلاق مكاتبهم وشركاتهم، مشترطًا دفع مبلغ 50 مليون لكل من سيستمر في العمل”.
وتشير المصادر إلى أنّ “الشركة الوحيدة التي تقوم بصرف وشراء الدولار في السوق هي (الهرم)، وذلك بحسب نشرة البنك المركزي والبالغة 700 ليرة مقابل الدولار الواحد”، وأنّ “البنك المركزي يؤمن (الدولار) للمستوردين بسعر 900 ليرة (أي بزيادة مئتين عن تعرفته الرسمية)، وهو ما سيزيد من قيمة أسعار المواد في السوق سواءً الاستهلاكية أو الحياتية”.
شاهد بالفيديو :تدهور سعر الليرة السورية يثقل كاهل السوريين
إجراءات النظام ستتسبب في زيادة انكماش السوق
ويرى الباحث في مركز عمران للدراسات وعضو فريق دراسات ما بعد الحرب في الجامعة الأوروبية الدكتور سنان حتاحت أنّ “القرارات الأخيرة لن تسمح باستقرار الليرة أو الوضع الاقتصادي في البلاد، إذ إنّ معظم المنتجات تعتمد على مواد مستوردة من الخارج، وبالتالي تثبيت سعر الليرة، وصرفها في السوق الداخلية سيؤدي إلى توقف التجار والصناعيين عن الإنتاج نتيجة العجز؛ وهو ماسيتسبب بانكماش كبير في السوق”.
ولا يعتقد “حتاحت” خلال حديثه لتلفزيون سوريا أنّ تلك الإجراءات ستمنع “تداول الليرة بسعرها الحقيقي في السوق السوداء بمخاطر أكبر؛ وهو ما سيؤثر سلبًا على سعرها ويؤدي إلى انخفاضها بشكلٍّ أسرع”، مشيرًا إلى أنّ “المتحكمين بسوق الصرف والمقربين من النظام سيجنون مكاسب أكبر وبالتالي التأثير سيكون سلبيا للغاية وسط اقتصاد منهك إذ إن القطاع الصناعي شبه معطّل والتجاري يعتاش على الحوالات الخارجية من قبل المغتربين لأهاليهم وأيضًا على مساعدات الأمم المتحدة”.
ويلخص الباحث “حتاحت” قراءته للوضع الاقتصادي في البلاد، وإجراءات نظام الأسد المتلاحقة؛ تحت ذريعة ضبط السوق، بالقول: إنّ “الوضع مستقبلًا سيكون أكثّر ترهلًا، وأكثر قابلية للتدخل الخارجي”.
تقييم “حتاحت” لقرارات نظام الأسد الأخيرة بشأن “الليرة” يتوافق بعض الشيء مع رأي الباحثة اللبنانية في الشأن الاقتصادي “فيوليت غزال بلعة” التي تعتبر أن الخطوة الأخيرة قد تفضي إلى ضبط بعض التفلت في سعر الصرف مقابل الدولار، مع ميل نحو الاستقرار على السعر الحالي، وليس التراجع إن بقيت المسببات من دون معالجة.
شاهد بالفيديو :تواصل انهيار الليرة السورية يثير ذعر السوريين من انعكاسه على واقعهم المعيشي
القررات الجديدة ستسهم في زيادة التضخم
وتقول “بلعة” لتلفزيون سوريا إنّ تلك الإجراءات تهدف إلى “تخفيف حجم الخسائر بمعالجة النتائج وليس مسببات الأزمة، فهي تدرك أن نتائج هبوط الليرة ستظهر في الأسواق المحلية من خلال ارتفاع معدل التضخم (أسعار الاستهلاك للسلع المحلية والمستوردة)، بما سينعكس على نسبة التضخم الإجمالية التي ستعلن خلال وقت لاحق من الشهر المقبل”.
وتذكر “بلعة” أنّ “الاقتصاد السوري يواجه رزمة ضغوط تتمثل في ارتفاع الدين العام، وتجميد أرصدة مصرف سوريا المركزي، وانهيار كافة المؤشرات الاقتصادية، وانخفاض الناتج المحلي، فضلاً عن هروب معظم الثروات من البلد نتيجة تعطل دورة الإنتاج، إضافة الى سلسلة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على النظام وعلى بعض كبار رموزه، وهو ما انعكس على حركة التبادل التجاري وجعل سوريا كما إيران، في حالة حصار اقتصادي”.
وتشير “بلعة” إلى أنّ هناك أحاديث تتردد من قبل بعض المتابعين عن أنّ “التجار السوريين عاجزون عن سحب أرصدتهم من المصارف اللبنانية منذ ثورة 17 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والتي تقدّر بنحو 30 مليار دولار”.
وأجبرت إجراءات النظام التي وصفت من قبل “الصيارفة” بـ”القاتلة” الراغبين من المغتربين بتحويل أموال إلى ذويهم في الداخل السوري إلى البحث عن بدائل والتي من بينها اللجوء إلى السوق اللبناني الذي يعاني من أزمة “دولارية خانقة في الوقت الحالي.
القرارات ستنعش سوق الصرافة اللبناني
وهي خطوة تنظر إليها “بلعة” -إن حصلت- بأنها ستكون “منفذًا مؤقتًا لتحويل الدولارات إلى داخل سوريا”، مشيرة إلى أنّ “حاكم مصرف لبنان أصدر قبل أيام قراراً أتاح بموجبه قبض الحوالات بالعملة المحوّلة منها بدل تحويلها إلى الليرة اللبنانية، وخصوصا في ظل فتح المعابر الحدودية بين البلدين”.
لكن “بلعة” لا تجد أن لتلك الخطوة تأثير كبير على إنعاش السوق اللبناني، معللة ذلك بقولها: إنّ “لبنان سيكون بلد ترانزيت للدولارات السورية، وهذا دور كان يلعبه في السابق، وسيقوم به اليوم، مع الاستفادة من (العمولات) التي قد تنعش سوق الحوالات الصيرفية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تلك الأموال لن تدخل إلى النظام المصرفي اللبناني، حيث يستحيل سحب الأموال المرغوب في تحويلها دفعة واحدة؛ بسبب (الكابيتول كونترول) غير المعلن الذي تطبقه مصارف لبنان منذ أكثر من شهر على كل السحوبات بالليرة كما بالدولار، والذي يتفاوت من بنك لآخر مابين 400 دولار إلى ألف وتحكمه أيضًا العلاقة مع مديري المصارف ورؤساء الفروع المصرفية”.
تلفزيون سوريا