ويكيليس تكشف تخزين حزب الله الأمونيوم منذ عشرة أعوام
عقب الانفجار الدموي الأخير الذي ضرب مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت، باتت ميليشيا “حزب الله” التي تتحكم في لبنان تحت المجهر، حيث تشير كل أصابع الاتهام لوقوفها وراء الانفجار الذي أودى بحياة العشرات وأدى لإصابة الآلاف، وسط تحميلها كامل المسؤولية حول ما يحصل.
ونتج الانفجار الضخم حينها عن مادة نترات الأمونيوم والتي كانت مخزنة في المرفأ، وبعد حدوثها بدأت التقارير الإعلامية والتحقيقات تؤكد أن “حزب الله” المسؤول عن تخزين هذه المادة في المرفأ.
وفي آخر تقرير إعلامي كشفت عدة مواقع عن تخزين “حزب الله” لهذه المادة منذ منتصف كانون الأول العام 2010، وذلك الاستناد على وثائق ويكيليس المسربة بذلك التاريخ.
وبالعودة إلى وثائق ويكيلس المسربة في ذلك التاريخ، فلقد صدر عن وكالة ستراتفور، إحدى المؤسسات الخاصة بجمع المعلومات الاستخباراتية، المتعاونة مع وكالات الأمن الأميركية الرسمية، رسالة إلكترونية (إيميل) عنوانها “نظرة على مصادر حزب الله للحصول على المواد المتفجرة”.
وكان مضمونها يشير إلى تخزين حزب الله لمادة نيترات الأمونيوم كبديل عن المواد المتفجرة الاعتيادية المستخدمة في الأعمال العسكرية مثل سي فور” و”آر دي إكس”. وأنه نتيجة تضييق اليونيفيل للخناق على السواحل اللبنانية، وضغوط السلطة السورية قبل انطلاق الثورة السورية، لجأ الحزب إلى تخزين هذه المواد من باب الأسمدة الزراعة، لذا تمسّك بحقيبة الزراعة في الحكومات المتعاقبة.
جاء في الرسالة الصادرة عن ستراتفور، والتي كشفها ويكيليكس في هذا الشأن نقلها موقع المدن، أفاد مصدر لستراتفور في لبنان أنّ حزب الله يعاني من صعوبات في الحصول على متفجرات عسكرية مثل سي 4 وآر دي إكس، لذا بدأ الاعتماد على شحنات من مادة الأمونيوم (الموجودة في السماد الزراعي) بهدف المحافظة على مخزون المتفجرات. ويقول المصدر نفسه إنّ الحزب أيضا يعاني صعوبة في استلام المتفجرات نتيجة إغلاق قوات اليونيفيل الساحل اللبناني مانعة دخول الشحنات، كما أنّ النظام السوري قام بمضاعفة تقييد إمدادات الحزب على هذا الصعيد في محاولة لضبط المنظمة ونشاطها.
القدرة على التكيّف
ويزعم أنّ حزب الله يدفع ضعف القيمة السوقية لشراء منتجات السماد السوري، وقد حصل على 15 ألف طن من الأسمدة من المنشأة البتروكيماوية الرئيسية في مدينة حمص. ويتكل النظام السوري بعدها على جني الأرباح ويستورد الأسمدة بأسعار أرخص من دول أوروبا الشرقية لتلبية حاجة السوق المحلية.
ويشير المصدر إلى أنّ هذه الوقائع تفسّر إصرار حزب الله على تمثّله بوزارة الزراعة خلال تشكيل رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري لمجلس الوزراء عام 2009. ويزعم أنّ وزير الزراعة اللبناني الحالي، حسين الحاج حسن، يشتري شحنات الأسمدة من سوريا لصالح عملاء حزب الله ليتم تحويلهم إلى مستودعات الحزب في لبنان.
تطوّر أداء حزب الله بشكل جيّد وأثبت قدرته على استغلال الانقسامات السياسية المحلية لتعزيز أوضاعه. وتوضح قدرته وعمله على تعويض توّقف إمداداته العسكرية واستبدالها بالأسمدة من أكثر من عام، يوضح مدى تطوّره وحذاقته التنظيمية. إلا أنّ هذا الأمر يشير أيضاً إلى قدرة الحزب على التكيّف والتحوّل، إذ أنه أظهر صرامة في ضبط النفس خلال السنوات الماضية وعدم لجوئه إلى تنفيذ الهجمات الإرهابية التي اشتهر بها في الثمانينات. ومع ذلك تعتمد المنظمة على جناحها العسكري لممارسة الضغط على لبنان وبالطبع على إسرائيل.
أوجه الاستعمال
تخزين حزب الله لهذه الأسمدة القابلة للتفجير لا ينذر، بالضرورة، بتأزم الأوضاع في لبنان. فإنّ الوضع متأزم في لبنان أساساً بفعل المحكمة الدولية الخاصة للتحقيق في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، لكن ثمة العديد من العوامل التي قد تدفع الحزب باتجاه عدم زعزعة الاستقرار في لبنان بينما سيواجه أعضاء منه لوائح اتهامية صادرة عن المحكمة. وبينما يستمرّ عمل المحكمة، يواصل حزب الله لجوئه إلى وسائل أكثر هدوءاً لضرب سمعة التحقيق وتشويه صورته. وشراء النترات المتفجّرة موجّه في إطار مواجهة عسكرية أخرى مع إسرائيل. واستعدادات حزب الله لهذه المواجهة مستمرة منذ سنوات، إذ تمكّن الحزب من التحايل على وحدات اليونيفيل في جنوب لبنان لإعادة بناء قواعده وشبكات الأنفاق التي أثبتت أنها من عوامل الحسم لمقاتلي الحزب الذين تمكّنوا من المحافظة على خطوط الإمداد والاتصالات الخاصة بهم والاحتماء من الغارات الجوية الإسرائيلية في حرب 2006.
ويوضح مصدر سترانفور أنّ استخدام هذه المواد، الأسمدة القابلة للتفجّر، يشمل أيضاً لبناء الأنفاق في المناطق الجبلية إضافة لاستخدامها ضد الدبابات الإسرائيلية إن دعت الحاجة. بكل الأحوال، إلى الآن، لا تزال هذه الاستعدادات جزءاً من خطط الطوارئ، فلا حزب الله ولا إسرائيل يرغبان في إشعال نزاع في هذه المرحلة.
تحويل النترات عسكريا
صناعة العبوات الناسفة من أسمدة النترات تشكل تحديات إضافية. إذ تتطلب هذه المواد، أولاً، مزيجاً متناسباً من الوقود (كالمازوت) ليصبح عبوة ناسفة ناجحة وقاتلة. لذا لا يمكن استخدام الأسمدة بشكل مباشر، ويكون على الخبراء العسكريين بعناية مطلقة، إيجاد التوازن بين المادتين، النترات والوقود. كما أنّ هذا النوع من العبوات، يستوجب شحنة أولية تطلق عملية التفجير، أي صواعق. وعادة يتم استخدام رباعي نترات خماسي ايريثريتول للتسبب بالاشتعال والتفجير الأولى. كما أنه يمكن اللجوء إلى لصواعق العسكرية، ولو أنّ هذا يعيدنا إلى السؤال الأساسي حول قدرة حزب الله على استقدام التعزيزات العسكرية.
يوضح كل ما سبق أنّ الأسمدة ليست بديلاً قائماً بحدّ ذاته عن المتفجرات. لكن كما أشرنا، لحزب الله تنظيم وإدارة وقيادة أثبتوا قدرتهم في التغلب على التحديات. وعدا المقاتلين الذين اكتسبوا الخبرة في العراق، ثمة في الشرق الأوسط أعداد من المقاتلين الذين أتقنوا مهارة صناعة القنابل من نترات الأسمدة. وللحزب معرفة جيدة بهذه الأمور في صفوفه، ولن يحتاج إلى خبرات قاتلت في العراق، إذ أنّ مقاتليه تعاملوا مع المتفجرات من قبل. كما أنه بحوزة الحزب قذائف مدفعية، وصواريخ مضادة للمدرعات والدبابات، وأخرى متوسطة المدى تعزّز ترسانته.
وفي ذات الشأن ومع الخلافات بين الجهات السياسة في لبنان بعد الانفجار الذي حصل حيث يحاول كل طرف تبرئة نفسه، وصل الأمر إلى القضاء وبزر منذ أيام حديث للقيادي في التيار الوطني الحر المحامي وديع عقل يتهم فيه النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بالاهمال والتقصير في معالجة قضية نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت بعد وصول الملف إليه.
وطرح ذلك علامات استفهام حول كيفية حصوله على هذه المعلومات وعلى الإحالات التي أقدم عليها عويدات. إلا أن الأنظار اتجهت إلى النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون بأنه قد تكون هي وراء تسريب هذه المعطيات لوديع عقل، ما أدّى إلى سلسلة فضائح أبرزها وصول معلومات من الملف القضائي إلى الإعلامية ديما صادق عن وقوف الوزير جبران باسيل يوم كان وزيراً للطاقة وراء وصول باخرة نيترات الأمونيوم إلى المرفأ عام 2013.
ومن ثم مبادرة كل من المواطنين شادي فؤاد دياب ومحمد فاروق بياسة إلى تقديم إخبار بواسطة محاميهما إلى النيابة العامة التمييزية ضدّ القاضية غادة عون والمحامي وديع عقل وكلّ من يظهره التحقيق، وذلك بجرائم تحقير النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات والسلطة القضائية في لبنان، وإفشاء سرية تحقيقات، وصرف نفوذ للابتزاز وخدمة خطّ سياسي وتعريض السلم الأهلي للخطر والتسبّب بأعمال شغب وحجز حريّة وهدر مال عام. وقد ردّت القاضية غادة عون عبر الـ LBCI على تقديم إخبار بحقها، ونفت حصول أي شيء.
بدوره استجوب المحقق العدلي القاضي فادي صوان ثلاثة موظفين في المرفأ هم: مصطفى فرشوخ، ميشال نحول ووجدي قرقفي، وأصدر مذكّرات توقيف وجاهية بحقهم، ليصبح عدد الموقوفين بمذكرات قضائية 12 شخصا.
ولا يزال انفجار بيروت يشغل الشارع اللبناني والجهات المعنية وسط مطالبات بمحاسبة المسؤولين الذين يقفون وراء تخزين المواد المتفجرة في المرفأ، وتشكيل محكمة دولية لمتابعة هذه الأمر.