أخبار

الوصاية .. فصل من عذابات السوريات التي لا تنتهي

تتوجه ناديا إلى قصر العدل في دمشق للحصول على وصاية مؤقتة لابنتها سلمى البالغة أربعة أعوام، حتى تسافر إلى لبنان للقاء زوجها الذي يعمل هناك، ستنتظر ناديا وقتا طويلا أمام باب غرفة القاضي الشرعي الأول محمود معراوي فعشرات السيدات يقفن بانتظار دورهن للدخول إليه للحصول على موافقات على سفر أولادهن أو استخراج جواز سفر أو التصرف بأموال أطفالهن بعد أخذهن الإذن بالوصاية الشرعية المؤقتة.

وبعد انتظار طويل والكثير من المعاملات حصلت ناديا على الموافقة لمدة ثلاثة أشهر فقط من القاضي الشرعي الأول، بعد أن قدمت الإثباتات اللازمة لتؤكد للقاضي أن عم الفتاة مسافر أيضا وجدها متوفي أي أنه لا يوجد وصي ذكر على الفتاة على اعتبار أن الأولوية للذكور على الأم.

ومن هنا لا يمكن لناديا السفر بابنتها إلا بإذن الزوج، وفقا للمادة 148 من قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 59 لعام 1953 التي تقول “ليس للأم أن تسافر بولدها أثناء الزوجية إلا بإذن أبيه”، أو بموافقة القاضي الشرعي الذي يحتاج لإثباتات كثيرة تؤكّد عدم وجود عم أو جد ليكون وليا على ابنتها.

على الباب ذاته تقف مريم بانتظار موافقة القاضي لاستلام إيجار المحل الذي كان يمتلكه زوجها قبل وفاته بقذيفة هاون سقطت على حي باب توما أثناء عودته من عمله عام 2016 ووفقا للمادة 170 من قانون الأحوال الشخصية السوري، رقم 59 لعام 1953 : “للأب ثم للجد العصبي ولاية على نفس القاصر ومالُه وهما ملتزمان القيام بها”.

واستنادا إلى ذلك لا تستطيع مريم 42 عاما التصرف بإيجار المحل إذ لا يحق لها التصرف في أموال أولادها بعد غياب الزوج إلا في حال غياب الجد العصبي وموافقة القاضي الشرعي على ذلك.

بل عليها ان تحصل على موافقة القاضي الشرعي لاستلام إيجار المحل وعليها تقديم حساب سنوي مؤيد بالمستندات حول صرفها لإيجار المحل.

تقول مريم: “لدي ثلاثة أطفال أكبرهم يبلغ العاشرة هل يعقل أنني بحاجة إلى موافقة لأتمكن من تربيتهم وتعليمهم”.

في الولاية والوصاية لا يحق للمرأة أن تكون ولية على أولادها الا في حال عدم وجود ذكور في العائلة كأب أو جد أو عم وذلك لأن الأولوية للذكور وهذا ينطبق على الوصاية والقوامة، وطبعاً هذا لا ينطبق على الأب، فله الصلاحية الكاملة باستخدام أموال ابنه القاصر دون الرجوع إلى أية محكمة، كما يمكنه السفر به دون موافقة أحد.

فالوصاية الدائمة هي للرجل الأب، أما الأم فيمكن بعد تقديم الإثباتات أن تعطى لها الوصاية المؤقتة فقط، ولمدة محددة ولفعل محدد.

للمى التي تعيش في غازي عينتاب قصة مختلفة فقد غادرت سوريا عام 2015 مع ابنها هادي بعد اختفاء زوجها وتلقيها معلومات تفيد بمقتله ليسكنها الخوف على مصير طفلها وآخر من تبقى لها في حياتها، تحاول لمى إصدار جواز سفر لإبنها هادي البالغ من العمر 16 عاما علهما يتمكنان من الهجرة إلى كندا.

لجأت لمى إلى السفارة السورية للحصول على وصاية شرعية لابنها لمنحه جواز سفر، لكنها فوجئت بأن الوصاية الشرعية للأم تحتاج إلى إجراءات معقدة ومنها أن تكون حاضرة أثناء الحصول على الوصاية إلى جانب حضور أحد أولياء الأولاد وفي حالة لمى يبدو هذا ضربا من ضروب المستحيل.

إضافة إلى أن المحكمة الشرعية في سوريا لا تمنح وصاية شرعية للنساء المغتربات إلا عبر كتاب رسمي من السفارة الموجودة في الدولة القاطنة فيها.

وذلك يعني أن عليها القيام بكثير من الاجراءات المعقدة والانتظار لوقت طويل جدا قبل أن تمنحها المحكمة الشرعية وصاية على ابنها القاصر.

تقول لمى: “ربما من الأفضل أن أنتظر ليبلغ هادي 18 عاما ليتمكن من إصدار جواز سفره بنفسه، أيعقل ألا تستطيع الأم فعل أي شيء دون وصاية شرعية على طفلها؟!”

رغم ما عانته السوريات جراء الحرب في السنوات الثمانية الماضية تأتي القوانين التمييزية كقانون الوصاية ل “تزيد الطين بلة” وتضيف للمرأة عذابات فوق عذاباتها، وإن كانت البنى التحتية بحاجة لإعادة إعمار للنهوض بالبلد من جديد فإن هذا النهوض لن يؤتي ثمره ما لم تتغير القوانين المجحفة كقانون الأحوال الشخصية، بما يضمن مشاركة ومساواة بين المرأة والرجل.

نور ابراهيم

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *