أخبار

بعد 28 سنة موظف يسأل الحكومة .. لقد كتبتم عليّ ألا أرى أبنائي إلا نيام؟

أمين محمد شاهين

لم تعد تنفع الكتابة والشكوى والمطالبات؛ وحتى السباب الذي أتقنه السوريون جيداً للتنفيس عن أرواحهم المعذبة؛ حتى بعد علمهم أن قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية يحاسبهم عليها، لكن حديث وزراء الأمر الواقع عن الدعم الحكومي للخبز والمحروقات والصحة، فتحت الجراح الملتهبة، والأفواه المقفلة، ولا شيء يمكن إسكاتها بعد اليوم؟.

يقول الموظف في إحدى القطاعات العامة إبراهيم مريم لموقع أنا إنسان: إن قصة الراتب الغريب في سورية العجيبة يكشف الأسرار، ولكن لا يمكن لأي معهد متخصص في العالم، أو أي محلل اقتصادي إذا لم يكن من أصحاب الرواتب السورية؛ معرفة خباياه، وكيف يمكن لمواطن سوري بقي في وطنه وما زال على قيد الحياة؟. فبعد 28 سنة وظيفة في القطاع العام وصل راتبي المقطوع إلى 34000 ل س، (أي أقل من سبعين دولاراً) يذهب منه قسط قرض 11200، وأسطوانة غاز 3000 إن توفرت، ثمن مياه للشرب 9000، ثمن خبز 3000، فاتورة كهرباء 1000، فاتورة مياه مع أن المياه الحكومية غير متوفرة منذ سنين 500 ليرة، فاتورة هاتف 4500 مع أن قيمة المكالمات 250 ل.س؟.  أجرة تنقل بين البيت والوظيفة 9000 ل.س. يعني بالمختصر أدفع فوق راتبي المقطوع حوالي خمسة آلاف ليرة لكي أسدد واجباتي الأساسية.

ويتابع إبراهيم سرد قصة راتبه بالقول: لكي يكون مسؤولي البلد على بينة طالما أنهم لا يعرفون ذلك كما أفترض، فإنني أعلمكم أيها السادة أني لم اشتري شيئاً لأسرتي كي يأكلوه من راتبكم الذي تمننونا به، ولم أستطع شراء ما يلبسونه في الشتاء، ولم أعلاج أو أدفع ثمن أدوية، ولم أشتر لعبة مهما كانت لطفلي الصغير، ولم أشتر كتباً وقرطاسية، ولن أخبركم كيف يمر الشتاء علينا لأن الشكوى لكم مذلة ومهانة، ولا عن جشع التجار واستغلالهم .. ولن أتحدث عن بعض المسؤولين الذين يتفاخرون بالخصم من الرواتب أو الترفيع التي يستحقها كل من يبقى على رأس عمله في هذه الظروف.. ولا عن الفساد والمحسوبيات والعقود المشبوهة وعن وعن ..فقط أريد أن أقول لكم: أيتها الحكومة الموقرة هل يوجد اضطهاد واستغلال في هذا الكون متل الاستغلال الذي يتعرض له المواطن السوري. وأستحلفكم بكل الشرائع والأنبياء، هل من الجائز أن أرى أبنائي كل يوم وهم نيام فقط لأني أشتغل سائقاً على سيارة عمومية على الربع؟. كل ذلك من أجل ألا أسرق أو أخطف أو أعمل بالتهريب، أو أكون من زعماء المجتمع السوري الجديد.

الموظف الحكومي المتقاعد “عصام الحوشي”، التساءل بعد أن تجاوز الخامسة والستين، كيف جرى إفقارنا ؟. وقال: كان لدي دخل بقيمة ما يستطيع أن يسد حاجياتي الأساسية فقط، ولا يبقى منه أي مبلغ للادخار، وفجأة أجد أن هذا الدخل لم يعد يسد إلا نسبة ٥٠٪ من حاجياتي الأساسية. وبعد فترة قصيرة تتدنى هذه النسبة إلى الربع. بعدها تسارعت تلك النسبة هبوطاً لتقتصر على ثمن الخبز وضروريات البقاء، وتستمر بالتناقص كلما قلّت الثقة بالعملة الوطنية، وهي حالة يسمونها بفعل التضخم النقدي الذي يمثله هنا “غلاء الأسعار”، وهي حالة أفرزتها الأوضاع الأمنية والسياسات الاقتصادية غير الكفوءة بشكل أساسي.

فالأسعار تضاعفت أكثر من عشر مرات، بينما لم يتضاعف العرض النقدي خلال نفس الفترة أكثر من مرتين أو أكثر بقليل، ومع ذلك حدث التضخم وارتفاع الأسعار الجنوني، مما أدى إلى هبوط يقترب من الكارثي للعملة، ليجد صاحب الدخل المحدود أن ما يحصل عليه من نقود قد تلاشت نسبة كبيرة منه في السوق.

وهكذا يتم سلب المواطن وإفقاره دون أن تمتد يد السارق إلى جيبه، لكن يد لعبة النقد تمتد لتسحب اللقمة من فمه وتعري أطفاله وتعرقل سير عملية إنتاجه.

بينما قال زميله في التقاعد سعود العاصي، إن طموحنا الحالي يقتصر على الذهاب إلى التعزية والأخذ بالخاطر بانتظار ملك الموت، فلا خطط لكي نرى أبنائنا الذين تركوا البلد ولا يفكرون بالعودة.. كنت أطمح أن أفرح بتزويجهم قبل أن أموت، لكن ما جرى ويجري يبعد المسافات، والأكثر إيلاماً أنني أشجعهم على عدم العودة لكي يكونوا بخير.

في سوريا الحديثة؛ لم يعد النبش في حاويات القمامة مقتصراً على فئة معينة كانت تجمع قطع البلاستيك لمعامل إعادة التدوير، وبطريقها كانت تأخذ الخبز اليابس وكل ما يمكن أن ينفع، وما عليك إلا أن تخرج بعد منتصف الليل لكي تجد الفقر قابع في تلك المستطيلات الخضراء يبحث عن عوامل الصمود، ووسائل التدفئة المبتكرة، وبكل تلك البساطة عليك الابتسام فأنت سوري!!.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *