تشابه الأسماء … كابوس السوريين القاتل
أواخر الشهر الفائت، اعتقل الأمن العام اللبناني في مطار بيروت رجلاً سورياً في الستين من عمره كان عائداً إلى إستانبول بحجة تشابه اسمه مع اسم شخص مطلوب لديهم، مستغربين كيف تمكن من الدخول إلى لبنان، أُفرج عن الرجل بعد تحقيق تجاوز الساعتين مع تنبيهه لمراجعتهم في حال عودته.
يبدو أن الأشقاء اللبنانيين قد التقطوا خبرة نظرائهم في سوريا، في تركيا أيضاً، اعتقل الأمن التركي رجلاً سورياً في منطقة عينتاب قبل أسابيع لنفس السبب، فالقضية التي كانت ـ وما تزال “سوريةً” بحتة ـ بدأت بالانتشار لدى الجيران، اليوم يمتلأ الفضاء الافتراضي والواقعي بعشرات القصص المشابهة، إلا أن الجديد في سوريا انتقال قصص التشابه الشهيرة إلى قطاعات جديدة تصب في الغاية الأمنية العتيقة ـ الجديدة.
قطاع النقل … المالية … الداخلية أيضاً:
أغلب تجار السيارات ومالكيها السيارات في سوريا، أصبحوا يعانون من موضوع “الحجز الوزاري”، فحين تذهب إلى المواصلات أو أي مديرية نقل في أي محافظة لإفراغ سيارة باسمك (نقلها إلى اسمك) يكون الرد أن عليك “تشابه أسماء”، ويمنع عليك القيام بالعملية لأن اسمك يشبه اسم شخص آخر حتى لو كان اسم الأب أو الأم أو الخانة أو المواليد أو المحافظة مختلفاً، حيث يتعامل نظام الحجز الوزاري بالاسم الثنائي فقط، مثله مثل النظام الأمني.
أحد الأشخاص في مدينة اللاذقية حين بدأ عملية نقل ملكية سيارة اشتراها من مكتب سيارات، ظهر عليه أحد عشر حجزاً (11 حجز للتأكيد) تعود لشخص من الحسكة، ولآخر من الرقة، ولثالث من حمص، ولدى التدقيق في هذا (الشخص) ـ وهم ثلاثة متشابهي الأسماء الثنائيةـ تبين أيضاً أن هذه الحجوزات الموضوعة عليه ليست له، بل لشخص أكبر منه عمراً.
أمام الواقعين في فخ وزارة النقل أحدُ حلين، أولهما: إرسال بريد رسمي إلى الوزارة للتدقيق في الأمر يستغرق شهرين على الأقل دون نتيجة غالباً، بالطبع الوزارة ومنظومتها مرتبطين بمنظومات أمنية تساهم هي الأخرى في “دفش” المواطن إلى الفرع الأمني الفلاني لمراجعته أيضاً لهذا السبب أو ذاك.
الحل الثاني الأكثر انتشاراً، أن يلجأ السوريون إلى حل بديل، هو دفع الرشاوى المرقومة ليصار إلى نقل السيارة أو دفع الضرائب أو إكمال معاملة نقل أو بيع السيارة، وهذه تكلفتها ترتفع حسب عدد الحجوزات على الشخص المعني، كأن يكون عليه حجز من وزارة الداخلية لتأمين السيارة، وحجز مالية لوجود ضريبة البيع وحجز ضرية بيئة … الغريب في الموضوع أنه رغم الدفع ورفع الحجز فإنه يمكن مع إعادة طلب “كشف اطلاع” جديد أن يكون عليك تشابه في محافظة أخرى.
حيل كثيرة يلجأ إليها موظفو هذه المؤسسات لتمرير هذه المعاملات، فتمرير المعاملة لا يعني ان المشكلة قد حُلت، بل إنها ما تزال باقية في انتظار العام التالي حين الاضطرار مثلاُ إلى تجديد الميكانيك، أو حين حدوث عملية بيع جديدة للسيارة أو الشاحنة، فيقع على الزبون الجديد مغبة الأضرار القديمة والجديدة.
في وزارة المالية أيضاً نفس المسألة، فقد يحدث أن تكون مكلفاً بدفع ضريبة مالية صغيرة وتتفاجأ بأن عيك حجزاً مالياً يبلغ عدة ملايين من الليرات السورية بسبب تشابه اسمك الثنائي مع شخص في محافظة أخرى، أحدُ الأطباء في محافظة اللاذقية تفاجئ أن عليه ديناً تجاوز 300 مليون ليرة سورية بسبب تشابه اسمه مع اسم أحد المتعهدين، الأغرب أن هذا المتعهد متوفى منذ أكثر من عشرين عاماً! إلى الآن لا يعرف الطبيب كيف يتصرف مع هذا الأمر.
في وزارة الداخلية يمتد موضوع تشابه الأسماء إلى المخالفات المرورية، فقد يحدث أن تذهب لدفع مخالفة مرورية في محافظة ما لتتفاجأ أن هناك عليك مخالفة في محافظة لم تدخلها بحياتك، هنا أيضاً يلجأ السوريون إلى حلول الفساد، حيث يدفعون أموالهم لقاء أخطاء برمجية مقصودة إلى حد كبير.
في القطاع الأمني … حديث لا ينتهي!
أبو عبود، رجل سوري في الستين من عمره من مدينة منبج شمال سوريا، لديه ولدين يخدم أحدهما في الجيش، والأخر مع إحدى جماعات المعارضة المسلحة، غادر مدينة طرطوس باتجاه بلدته بعد زيارة لعائلته المهجرة إليها. أُبلغ على أحد الحواجز بضرورة مراجعة فرع الأمن السياسي لتشابه اسمه مع اسم مطلوب، حاول الرجل الاستيضاح عن الاسم المشابه لاسمه فتبين أنه لشاب يبلغ من العمر 19 عاماً ومقيم في محافظة إدلب ولا توجد أية تطابقات معه سوى الاسم الثنائي، إلا أن الحاجز أصر عليه بالمراجعة، وعد الرجل بالمراجعة وأكمل طريقه إلى منبج حيث يقيم الآن دون أن يغادرها بأي شكل كان.
جزء من أسماء السوريين (الثنائي) متشابه نظراً لانتشار نفس اسم العائلات في محافظات أخرى، مثل عوائل “سليمان، محمد، إبراهيم، عمر، علي، حسن، خالد، مهنا”، ولا يقف الأمر عند هذا، فكثير من الأسماء الأولى هو أيضاً متشابه وكثير الانتشار، وبالتأكيد ليس من الصعب إغلاق هذا الباب في ظل انتشار التقنية وحتى بدون تقنية، فنسبة تطابق الأسماء الثلاثية (اسم الأب والعائلة) أقل من الثنائية، وبوجود الرقم الوطني يصبح حجم المشكلة صفراً، ولكن هذا يقتضي إغلاق باب الفساد وهذا حتى الأن غير مطلوب ولا مرغوب.
ليست هذه الحكاية بوحيدة ولا جديدة على السوريين الذين يروون عشرات ومئات القصص المشابهة وكلها تنتهي نهايات حزينة في الغالب، قبل شهر فأكثر تسلمت إحدى العائلات في القلمون وثيقة وفاة ابنها في فرع الأمن العسكري بدمشق، كان الشاب ضحية تشابه اسمه مع اسم شخص آخر متوار عن الأنظار في تركيا.
في غياب منظومات قانونية واضحة (بما فيها محاسبة الأجهزة الأمنية عن أفعالها) ومعايير مؤسساتية حقيقية تبقى استباحة الحقوق هي العنوان الأبرز لتعامل الأجهزة الأمنية ـ وغير الأمنية ـ مع السوريين، وقد بات من الواضح أن سنوات الحرب التي أكلت الحجر والبشر لم تنفع في تغيير عقلية النظام السياس نحو قنونة واحترام البشر على امتداد الأرض السورية.
حيدر محمد