تعليم الأطفال على السلاح.. والتفاخر يذهب بالمجتمع نحو الكارثة
سامر النجم أبو شبلي
كانت المشاهد التي بثها عدد من المواطنين في “السويداء” لفتيات قاصرات، وأطفال وهم يتدربون على السلاح، تجد صدى كبيراً بين الناس، دون أي تفكير بتبعيات الحالة، وتأثيرها المباشر على عقلية ونفسية هؤلاء الذين لم يروا من الحياة شيئاً، مبررين ذلك بالهجمات الأخيرة التي شنها “داعش” على الآمنين، وراح ضحيتها 265 مواطناً كان من بينهم أطفال ونساء.
التعاطف الآني لهذه الظاهرة الخطيرة، لم تمنع صوت العقل من البروز، على الرغم من الخجل الذي يعتري الناس بشكل طبيعي كون الأخطار ما زالت محدقة بالجبل وأهله الذين يعتبرون أقلية في وطن تجتاحه الحروب الطائفية والقتل والخطر الداعشي الذي ما زالت آثاره عميقة، ولا يمكن محوها بسهولة.
وأكد الناشط المدني “سلام سلام الحمد” وجهة نظره فيما يتعلق بتدريب الأطفال على حمل السلاح: أن الآباء في “السويداء”، وخاصة عناصر الفصائل المحلية بمختلف انتماءاتها ممن خاضوا المعركة الأخيرة في الريف الشرقي ضد “داعش” الإرهابي، وكتب لهم النجاة من الموت، يعتبرون أن تعليم أبنائهم من كلا الجنسين حمل السلاح والتدرب على استخدامه هو أحد أهم المهارات التي ينبغي تزويدهم بها في المرحلة الراهنة، ويبررون ذلك تحت عدد من الذرائع، حيث يبقى بالدرجة الأولى هاجس ما حصل، وما صاحبه من أهوال فضيعة يندى لها جبين الإنسانية، إضافة إلى القلق من المستقبل والخوف من المجهول الذي يدفعهم إلى تشجيع أطفالهم على التدرب على استخدام السلاح وحمله بثقة وعدم الخوف منه.
وأوضح “الحمد” أن إقناع الآباء بأخطار ما يقومون به أمر شبه مستحيل، فليس القلق من المستقبل والأوضاع غير المستقرة والخوف من خطر “داعش” هي وحدها العوامل التي تدفعهم إلى تعليم أولادهم حمل السلاح واستخدامه، بل هناك أمر مهم، وهو استغلال الأطفال للتعبير عن مواقف معيّنة، فنراهم يحملون السلاح ويطلقون الرصاص في مواكب تشييع “الضحايا”، ويرددون عبارات معينة، وغالباً ما تكون هادفة للتفاخر بالدين أو الطائفة أو العائلة أو الانتماء الحزبي والأيديولوجي.
إن نشر الفيدوهات يشعر الآباء بالفخر وإثبات الوجود، فهم يعتبرون أن الطفل ابن بيئته ومنخرط فيها، فيحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم وإذا كانوا يستخدمون السلاح لإظهار ما يشعرون به، فلا ضير أن يتعلم الأطفال أيضاً بعمر صغير كيفية مشاركة أهاليهم ذلك، متجاهلين التأثيرات السلبية التي يمكن أن تحدث، والأخبار التي ترد عن مشكلات تسبب بها السلاح المكشوف في المنزل.
التحذير من تنامي هذه الظاهرة وصلت إلى الأمهات اللواتي يعرفن جيداً تصرفات وأفعال أطفالهن، ففي قرية دوما الواقعة في الريف الشرقي للمحافظة، وإحدى ضحايا محزرة 25 تموز الأسود، لم يستطع الطفل رأفت ذو الحادية عشر ربيعاً النوم إلا مع بندقية والده الذي استشهد غدراً في ذلك اليوم، حيث لجأت والدته إلى المختصين بعلم النفس والإرشاد النفسي الذين وجدوا صعوبة بالغة في إقناعه بالتخلي عن البندقية، وأن الخطر قد زال، ويجب أن يمارس حياته الطبيعية، ويلتحق بزملائه في المدرسة.
تقول المرشدة الاجتماعية غالية حاصباني أن الطفل الذي شاهد دم والده ومن ثم موته لاحقاً، أو استفاق على جنازة أحد أفراد عائلته مقتولاً؛ ليس من السهولة نسيان ذلك، وقد يدفعه ذلك لاعتاد سلوك العنف والعدوان مع المحيطين من حوله، وقد يشكل يوماً ما خطراً على المجتمع، ويصبح بدوره فاعلاً في نشر ثقافة حمل السلاح. لكن الأمر يزداد خطورة حين يترافق السلاح مع النعرات العنصرية والطائفية وخطاب الكراهية، لأن الطفل لا يمكن أن يحلل في عمر صغير كل ما يقال أمامه ليكوّن رأيه الخاص، بل يُقلّد الكبار ويعتمد أفكارهم وسلوكياتهم مهما كانت.
فيما أكد الناشط الإعلامي” “ريان محمد” أنه ضد هذه الظاهرة، ولكن لها أسبابها الموجبة في “السويداء” خلال هذه المرحلة، وأضاف: «في ظروف الحرب يفرض على المواطنين تعليم أبنائهم على استعمال السلاح، ولكن الذي جرى في “السويداء” أظهر بشكل واضح حاجة المواطنين للأمان والابتعاد عن الخطر الذي طال الأطفال والنساء معاً لأول مرة بهذا الشكل العنيف. والإحساس بعدم وجود حماية هو أكبر دافع لتدريب الأطفال والنساء على حمل السلاح، فهؤلاء تعرضوا لانتهاكات عديدة في هجوم “داعش” من قتل وحرق وخطف وتعذيب، وبالتالي التدريب على السلاح بالنسبة لبقية أفراد المجتمع بات ضرورة. لكن من حيث المبدأ أنا ضده، فالسلاح يحتاج لوعي، واستخدامه يحمل أبعاداً خطيرة، خاصة عندما يوجه لأمور أخرى تضر بأمن واستقرار المجتمع».
وكان اليافع “دانيال مقلد” ابن 13 عاماً قد أنقذ والدته وأخوته الصغار من براثن “داعش” في 25 تموز الماضي، عندما تصدى ببندقية والده لهجومهم الكبير على منزله في قرية “رامي”، وانتهى به المطاف ليفارق الحياة عندما قام الإرهابيين بحرق المنزل وهو فيه انتقاماً منه بعد أن قضى على ثلاثة مسلحين، وتحول إلى أيقونة في “الجبل”، ما جعل الآباء يحرصون على تعليم أبنائهم الصغار استعمال السلاح.