تعليم الأطفال في سورية حلم يتحقق بشروط صعبة
نور ابراهيم
تنهي سيدرا (10 أعوام) كتابة واجباتها وتتأكّد من برنامجها الدراسي، تضع كتبها في الحقيبة استعدادا للذهاب إلى المدرسة في اليوم التالي.
تقول سيدرا بأنّها سعيدة جدا بالذهاب إلى المدرسة هذه سنتها الدراسية الأولى، فطوال سنوات الحصار أثناء وجودها مع عائلتها في الغوطة الشرقيّة لم يكن الذهاب إلى المدرسة أمرا يحبّذه والداها، الذين آثروا بقائها دون تعليم على أن تذهب إلى المدرسة تحت نيران القصف.
واليوم بعد نزوحهم إلى دمشق وانتهاء المعارك الدائرة، أصبح حصولها على التعليم أمرا مهمّا يحرص والداها عليه لتعويض ما فاتها من سنوات.
سيدرا من بين نحو 4.9 مليون طفل سوري تمكّنوا من مواصلة تعليمهم رغم الحرب والعنف والنزوح المستمر في البلاد منذ العام 2011 بحسب منظمة “UNICEF”، إلا أنّ أكثر من 2.8 مليون طفل سوري حُرموا من التعليم منذ العام 2011.
ينظر زيد إلى الأطفال الذين يغادرون المدرسة القريبة من الورشة التي يعمل بها بحرقة، “ماذا يحدث لو كنت بينهم؟” يقول زيد الذي اضطر إلى ترك المدرسة قبل عامين تقريبا ليعمل في ورشة تصليح سيارات لإعالة اسرته بعد فقدانه لوالده إثر قصف صاروخي استهدف محله التجاري في مدينة حلب قبل ثلاثة أعوام ونزوحهم إلى دمشق.
وعلى الرّغم من جهود المنظمات الإنسانية العاملة في سوريا بالتعاون مع الحكومة السورية لتحسين عملية التعليم إلا أنّ عدد المدارس التي تستقبل الطلاب والمدارس التي تمّ ترميمها لا يكفي للعدد الكبير من الطلاب وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “UNICEF” فإن مدرسة من بين كلّ ثلاث مدارس تقريباً خارج الخدمة، إمّا لتعرّضها للتخريب أو الأضرار، أو تحوّلها إلى ثكنة عسكرية أو مركز إيواء للأسر النازحة.
وتضمّ معظم المدارس الحكومية العاملة في دمشق ومختلف أنحاء سوريا أعدادا كبيرة جدا من الطلاب، التي تصل في بعض الأحيان إلى ثلاثة آلاف طالب وطالبة، وتعمل العديد منها بدوامين الأول من السابعة والنصف صباحا حتى الحادية عشر ونصف، والدوام الثاني من الثانية عشر إلا ربع حتى الثالثة والنصف.
هذه الأعداد الكبيرة أدّت إلى اكتظاظ الطلاب في الصّفوف ما يشكل صعوبات كبيرة في فهم المواد التعليمية لجميع الطلّاب، ففي كلّ صفّ من الصفوف قرابة 50 طالب وطالبة، وفي بعض المدارس قد يصل العدد إلى سبعين طالبا في الصفّ الواحد، الأعداد الكبيرة للطلاب شكّلت ضغطا على الكادر التدريسي الذي يبدو أقلّ من المطلوب بعد أن تَرك نحو 180 ألف مدرس مؤهل أيضاً المنظومة التعليميّة، يقول أحد المدرسين في واحدة من المدارس الحكومية أنّ التعامل مع خمسين طفل في صف واحد لستّ ساعات في النهار ليس أمرا سهلا، وبأنّه يضطر أحيانا للصّراخ ليتمكّن من السّيطرة على الوضع داخل الصّف إضافة إلى صعوبة القدرة على إيصال المعلومة إلى هذا العدد الكبير.
لا يبدو صهيب (12 عاما) سعيدا بالعودة إلى المدرسة، خاصّة بعد حرمانه لأكثر من ثلاث سنوات منها، فهو يشعر بالحرج قليلا لأنّه يدرس وفق “منهاج الفئة ب “، فهو يعتقد بأنّه مخصّص للطّلاب الضعفاء أو الكسالى على حدّ وصفه، وهذا ما لا ينطبق عليه فقد كان طالبا مجتهدا في مدرسته القديمة في دير الزور.
وعلى الرّغم من الحملة الإعلامية التي أطلقتها اليونيسيف بالتّعاون مع وزارة التربية السورية عام 2015 للتعريف بـ “منهاج الفئة ب ” إلا أنّ هذه الحملة لم يصل صداها لمعظم الأطفال والأهالي كما صهيب وعائلته، ما أدّى إلى فهم خاطئ لأهداف هذا المنهاج وآليّة تطبيقه.
فمنهاج الفئة ب الذي أطلقته منظمة اليونيسيف بالتعاون مع وزارة التربية منذ العام الدراسي 2015-2016 وحتى الآن، يستهدف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 – 15 سنة ولم يسبق لهم الالتحاق بالمدرسة أو الأطفال الذين يعادون إلى المدارس بعد التسرّب لمدّة عام على الأقل.
ويعتمد المنهاج على تكثيف منهاج سنة دراسيّة كاملة بفصل دراسي واحد، وذلك باختيار المعلومات الأساسية التي يجب على التلميذ تعلّمها ليتمكّن من متابعة دراسته، ويضم 28 كتاباً ضمن أربعة مستويات تُعوّض مدة التسرّب المدرسي عامين بعام، وهي: المستوى الأول (للصفين الأول والثاني)، الثاني (للصفين الثالث والرابع)، المستوى الثالث (للصفين الخامس والسادس)، والمستوى الأخير (للسابع والثامن).
ويحتوي على المواد الدراسية ذاتها في المدرسة النظامية، لكنها مُكثّفة ومضغوطة كالرياضيات والعربي والإنكليزي والعلوم، إضافة إلى المواد الترفيهية، وجلسات دعم نفسي وعلاجي.
يتطّلع صهيب كالآلاف من الأطفال لتعويض السنوات التي ضاعت عليه بعد انقطاعه عن المدرسة هذه السّنوات، ويحلم أن يصبح محاميا ليدافع عن المظلومين.