أخبار

شباب سوريا نحو الانقراض

ريان محمد – خاص “أنا قصة إنسان” 

عام خامس يمر على بدء الحراك الشعبي في سوريا، متثاقلا مشبعا برائحة الموت العشوائي وضياع صورة الوطن، التي حلم به الشباب السوري، يوم نزل على الساحات يهتف له، فلم يبقي لهم العنف الأرعن فسحة من السكينة يلجئون إليها، فطاردهم شبح الموت فإما قاتلا أو مقتولا، وإما معتقلا أو مخطوفا، مسكونين بلامستقبل، ليلفظهم وطنهم المنهك في البحر علهم يجدون من يرعاهم ويقدم لهم املا فقدوه.

Untitled-2ومن يزور حي باب توما اليوم يستطيع أن يتلمس في حواريه ومقاهيه وهج الحياة المفقود، والتي طالما أنارت مواقد حي العاشقين، ذلك الحي الذي احتضن الحب والفرح في دمشق لعقود وعقود، قالت جمانة، طالبة جامعية، في عشرينيات العمر، كل شيء تغير في البلد، اليوم في مقاهي باب توما ذات الطاولات صغيرة الحجم  والإنارة الخافته ترافقهم أغاني فيروز، ستجد كل ثلاث أو أربع فتيات يجلسا شاب يحلم بالهجرة، يحدثهم في معظم الاحيان عن السفر وأساليبه، هي ذاتها هذه المقاهي صاحبة الطاولات الثنائية لكنها دون أحلام مرتاديها”.

وتضيف “معظم الشباب الذي أعرفهم، وقد نجو من الموت، هم إما قد غادروا البلاد أو يستعدون لذلك، هربا من الحرب إلى المجهول وحتى دون أن يفكروا بما ينتظرهم”، معربة عن اعتقادها بأن “من خرج من سوريا خلال هذه الازمة لن يعود إليها إلا ضيفا إن عاد اليها الاستقرار”.

من جانبها قالت أمل، خريجة جامعية، تقترب من ثلاثينيات العمر، من ريف طرطوس، فيما مضى كانت ساحة الضيعة لا تخلو من الشباب، ينتظرون خروج الفتيات للتنزه عصر كل يوم، لقد كانت هذه الساحة شاهدة على الكثير من قصص الغرام والزواج، أما اليوم فقد خلت من شبابها حتى الفتياة لم تعد تخرج للتنزه”.

وتضيف “حتى ، تلك الحافلات التي كانت تضج بالشباب المتوجهين إلى المدينة أو المحافظات الأخرى، تطغوا عليها الوجود الانثوية، وإن كان معظمهم متشحين بالسواد لفقدانهم أحد ذويهم، إضافة إلى قلة من العسكريين الملتحقين بجبهات القتال لا أحد يعلم إن كنا سنراهم ثانية”.

وأوضحت ابنت الساحل السوري، أن “عدد كبير من الشباب التحقوا بالقتال خلال سنوات الأزمة، منهم خوفا من الأخر ومنهم من أجل الحصول على راتب يكفيه العوز، ولكي تعلم كم خسرنا من شبابنا يكفي أن تجري جولة في قرى ومدن الساحل، لترى الشوارع تغص بصور الشباب الذين قضوا في المواجهات الدائرة على طول البلاد وعرضها”، لافتة إلى أنه “في العام الماضي زاد توجه الشباب في الساحل للهجرة وخاصة المتعلمين منهم، بعدما يئسوا من الحرب”.

ومن جهته، قال مصطفى، الحاصل على الشهادة الثانوية مؤخرا، “كثير من أصدقائي توجهوا إلى أوروبا بعد أن حصلوا على الشهادة الثانوية، عن طريق تركيا بشكل غير نظامي، وأنا احضر نفسي كي التحق بهم”، معربا عن اعتقادهم “بعدم وجود مستقبل لهو في البلد، إضافة إلى الأخطار العديدة التي قد يتعرضون لها خلال تنقلهم، حتى داخل الكليات الجامعية، وقد سجل مقتل العديد من الطلاب داخل الجامعات بسبب تعرضها للقذائف الهاون”.

ويتابع “حتى لو أكملت دراستي هنا، ماذا سأعمل، ومن أين ستؤمن عائلتي مصاريف دراستي، حتى انهم منعوا تسليم الشهادات الجامعية إلا عن طريق شعب التجنيد العسكرية، لكي يجبروا الشباب على الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية، التي لم يعد من المعروف متى تنتهي او لماذا هي لم تنتهي بعد”.

وان كان يفكر بالعودة إلى سوريا عقب انهاء دراسته، قال “لا اعتقد أني سأعود إلا لزيارة عائلتي ليس أكثر، فأنا اريد أن أعيش وأبني مستقبلي، لا أريد الموت بلا فائدة”.

يشار إلى أن السوريين شهدوا خلال سنوات الأزمة أكبر موجة لجوء ونزوح منذ الحرب العالمية الثانية، حيث هناك أكثر من خمسة ملايين سوري لجئوا إلى مختلف دول العالم، في حين نزح نحو تسعة ملايين آخرين من مناطق سكنهم جراء العمليات العسكرية، في وقت قتل أكثر من 300 الف شخص، في حين يتم الحديث عن مئات ألاف الإعاقات الجسدية، التي تحتاج على إعادة تأهيلهم للانخراط بالمجتمع، لكن تبقى الأزمة الكبرى خسارة معظم شريحة الشباب والمتعلمين، الذين يعتبرون اساس إعادة بناء سوريا في حال توقف الاعمال العسكرية.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *