ماذا يحدث للمنشقين عن «النظام» وما وراء خدعة التسويات
في ظل التهم الجاهزة للعائدين إلى مؤسسة النظام العسكرية بعد عمليات التسوية والمصالحات والعفو الأخير، اختفى عدد لا حصر له من المنشقين العائدين الذي ملأوا سجن القابون، وتم تحويلهم إلى صيدنايا، لتنتهي قصتهم في مقابر جماعية، أو في زنازين منسية، لا يعلم مكانها أحد.
وبات المئات ممن سلّموا أنفسهم يقبعون في سجن القابون العسكري بالعاصمة دمشق؛ بعدما تم تجهيز تهم خاصة ببعضهم بعد عملية الانشقاق، ومنها: نهب مستودعات القطع العسكرية التي كانوا مجندين وضبّاط في مرتّباتها، وفي صدد هذه التهمة تحديداً تكمن الكثير من التفاصيل التي تُظهر تورط الضباط المنتمين لنظام الأسد -على وجه الخصوص- بأعمال السرقة والمتاجرة بالأسلحة، وذلك بحسب عضو مجلس بلدة سعسع أبو حسّان الذي اُعتُقِل أحد أقربائه قبل عدة أسابيع بالتهمة ذاتها، وقال: «من لا يمتلك الواسطة أو المال يتم تحويله إلى مسلخ صيدنايا، وهذا ما حدث مع ابن أخي محمد؛ وقد وُضعت هذه التهمة ضمن ملفّه الأمني بعد اكتشافنا لسرقة ضابط قطعته العسكرية للراتب الشهري طيلة سنوات الانشقاق، وعدم رفع مذكرة فرار وبطاقة بحث حتى لا ينقطع الراتب المخصص عنه، ولم يكن هو الوحيد الذي شملته هذه الأحداث والكثير على هذا الحال».
ولم يكن حال خالد طعماني أفضل حالاً، وهو الذي انشق عن إدارة شرطة القنيطرة في عام 2012، واحتفظ بسلاحه الشخصي مسدس عيار 10.5، والدراجة النارية التي كانت باستلامه لما بعد التسوية الأخيرة نهاية عام 2018؛ بعد سيطرة نظام الأسد على كامل الجنوب السوري.
التحق فهد من بلدة كناكر في ريف دمشق بوظيفته في مركز الشرطة بعد تطمينات عديدة من الضابط المسؤول عنه، وبعدما عرف أيضاً أن ملفه الأمني خالٍ من أية مشاكل، وفهم لاحقاً عدم صدور مذكرة فرار بحقه، وأن الضابط المسؤول كان يتقاضى راتبه طيلة سنوات انشقاقه، ولم تمضِ عليه الأسابيع الأربعة حتى تم اعتقاله للتحقيق معه، ومن ثم تحول إلى سجن عدرا المركزي، حيث مضى على اعتقاله حتى الآن ستة أشهر، وذلك بحسب مصدر مطلع رفض الكشف عن اسمه خشية اعتقاله.
وأفاد المصدر الذي يعتبر أحد مرافقي عرابي المصالحات في ريف دمشق قائلاً: «بعد اجتماع مسؤول المصالحة مع الجنرال الروسي، وبعض معاونيه بخصوص ضمان سلامة المنشقين الذين يريدون الالتحاق بقطعهم العسكرية؛ قال الجنرال الروسي إن «روسيا» هي الضامن، وسنقوم بنقلهم بسيارات عسكرية روسية إلى قطعهم العسكرية، وفي حال أي تجاوز بحق المنشقين سوف نقوم بإجراءات قاسية بحق الضابط المخالف للاتفاق».
ويتابع المصدر في حديثه لموقع أنا إنسان: «لقد تفاجأت بقول ذات الجنرال بعد مراجعتنا له؛ ورفع شكوى تفيد باعتقال عدد كبير من المنشقين المنضوين تحت ضمانة الروس، ليقول الجنرال حرفياً: أنا جننت من تصرفات الأسد، أنا لا أستوعب ماذا يفعلون، كل يوم نحضر لهم عساكر فارين؛ ونسلمهم أحياء، وبعد أيام نسأل عنهم فيقولون لنا أنهم غير موجودين؟! أين هم؟ لقد اختفوا تماماً»!!.
وفي سياق متصل أفاد ناشطون محليون عن وصول تبليغات كثيرة للسوق الاحتياطي لخدمة العلم، وهذا ما أجبر أصحاب الأسر على التوقف عن أعمالهم البعيدة عن مكان إقامتهم، والتي تفرض عليهم المرور على حواجز النظام، وذلك خشية اعتقالهم.
يُذكر أن قائمة الأسماء الأخيرة التي وردت إلى بلدات ريف دمشق، والتي تطالب بالالتحاق بالخدمة الاحتياطية للجيش وُضع فيها عشرات الأشخاص من مواليد 1974، أي تبلغ أعمارهم فوق الأربعين سنة، وهذا الأمر لم يحدث سابقاً حتى في الحرب المصطنعة ضد إسرائيل، وهذا الأمر أحد أهم أسباب الضائقة المعيشية والأزمة المالية التي يمر بها أرباب الأسر في دمشق وأريافها؛ إذ باتت لقمة العيش تحتاج المخاطرة بالنفس والقبول بالسوق العسكري الذي يترتب عليه المشاركة في القتال أو الموت في سبيل الأسد؛ بسبب تقصد النظام زج الملتحقين الجدد في خطوط الجبهات الأولى في إدلب وأرياف حلب ودير الزور ضمن مرتبات الفيلق الخامس الذي تديره روسيا.
محمد عدنان الشيخ سليمان من أبناء بلدة كناكر في ريف دمشق التحق بالجيش قبل نهاية مهلة العفو الرئاسي الذي صدر في عام 2018 حول الفارين من خدمة العلم، اختفى محمد فور ذهابه ولم يعد يظهر له أثر، سار أهله في رحلة البحث كما حال ملايين السوريين الباحثين عن أبنائهم المفقودين، استمرت هذه المدة حتى تاريخ 8 مايو 2019 حين وصل إلى والده خبر يقول إن ابنه تم تحويله إلى مشفى تشرين العسكري قادماً من فرع 220 العسكري في سعسع وسجن الشرطة العسكرية في القابون، فذهب أباه مسرعاً ليرى إبنه المفقود فوجده ميّتاً التعذيب، يذكر أن محمد خضع لعمليتي تسوية أحدها في نهاية 2018 والأخرى في 2016.
أمير القاسم