من يقف خلف انتحار الشباب في السويداء ..
سامر النجم أبو شبلي
شهدت محافظة السويداء خلال السنتين الأخيرتين أطول سلسلة من عمليات الانتحار طوال تاريخها الحديث، مخلفة وراءها أكثر من ثلاثين ضحية، جلهم من الشبان الذين قضوا لأسباب متفرقة، أهمها اللعب بالنار والإفلاس والحب واليتم.
وفتح العدد الأكبر من هؤلاء المنتحرين النار على أنفسهم من فوهة سلاحهم الذي اقتنوه للدفاع عن النفس نتيجة الأخطار المحدقة التي تعرضت لها المحافظة، فكان هذا السلاح قاتلهم قبل أن يتعرفوا على أعدائهم.
غير أن أكثر تلك الحالات التي أثارت حفيظة الناس وقلقهم، حادثة الشاب راغد سيف الذي انتحر بسبب عدم قدرته على الزواج نتيجة الفقر والحاجة، فالشاب العاشق لم يستطع تحمل تبعات هذا الحب والفقر؛ فقرر فتح قنبلة بنفسه، واختصر الوجع.
وعلى الرغم من القصص المؤثرة التي تغلف غالبية حياة هؤلاء الضحايا، إلا أن أكثر الحوادث تفجعاً تلك التي جرت قبل أيام، وأبطالها يافعين اثنين في 18 و17 من العمر، حيث قررا بعد ليلة عامرة من الوداع، إنهاء حياتهما بواسطة القنابل في حديقة الفيحاء بعد أن تركا فيديو مصور لرفاقهما يطلبان منهما السماح، ويعلنان رحيلهما الأبدي إلى الأعلى.
فالشاب الأول “وائل نضال أيوب” الذي ينحدر من بلدة قنوات فقد والده قبل أربعة سنوات بحادثة بشعة جداً، حيث كان الضحية يقود سيارته عندما حاولت عصابة خطف إرغامه على التوقف، غير أنه قرر عدم الانصياع لهم، وقاد السيارة بطريقة عجيبة أدت إلى تدهورها، وقيام العصابة بطعنه حتى الموت عندما وجدوا أنه ما زال حياً. تغيرت حياة وائل بصورة كبيرة، حيث ترك غياب والده الذي عرف عنه القوة والصدق والشكيمة، تأثيرها الكبير على تصرفاته، وبدأ البحث عن عمل وترك الدراسة، وأخيراً ترك الحياة برفقة صديقه الآخر “محمود كمال أبو حسون” الذي كان نزيلاً في دار الرعاية الاجتماعية مع شقيقته، لأسباب متعددة منها ترك والدته لهما، ما جعل أي ظرف بالنسبة له حالة عادية، حيث قرر الرحيل باتجاه بلدة قنوات، ليقطن بجوار صديقه “وائل”.
يقول أحد أقارب أيوب أن الشاب الصغير فقد متعة الحياة وبهجتها، ويبدو أن رفاق السوء قد وصلوا إليه، لكن تلك الهالة الجديدة قد أكلت روحه، وقرر الانتحار بصحبة صديقه.
ومرت محافظة السويداء بأسوأ أيامها عندما تحولت إلى ساحة مفتوحة لكل أشكال الخطأ بصورة متعمدة ومدروسة، فكان انتشار المخدرات والترويج له، والوصول إلى عصابات متخصصة بكل أنواع الموبقات هدفاً رئيسياً لتفكيك المجتمع، وضياع البوصلة. بعيداً عن العادات والتقاليد التي سادت طوال قرون، وانتشر التهريب، وظهرت زعامات جديدة على وقع المال الحرام، وأحيطوا بأتباع جدد بعد أن أغواهم المال، وانكفأ المثقفين وأصحاب الرأي بعيداً على أمل انتهاء الحرب وتبعياتها، ما جعل الحلول الوسط تغيب، وهو ما جعل فئة كثيرة تنال نصيبها من الفقر لأنها لم تدخل اللعبة، وفئة تحولت إلى أشخاص باحثين عن المال السريع، وبالتالي ظهرت الهوة بين الفريقين، ما جعل فكرة الانتحار واردة لأي شخص، كما جرى مع أحد الموظفين قبل أيام أيضاً عندما اختار أسهل الطرق للراحة الأبدية بواسطة الشنق، فكلمات مثل الأمين والصادق والموظف النظيف لا تمنحه بيتاً، ولا عائلة.
الدكتور “محمد سعد الدين” المختص بعلم النفس، يعرف الانتحار بأنه الإيذاء الجسدي للنفس والجسد الذي يؤدي إلى الموت ونهاية الحياة الكامل. أما عن الدوافع التي تكون السبب في الأقدام على سلوك الايذاء القاسي الهادف إلى إنهاء المنتحر لحياته فتكمن في الاحباطات المتكررة في تحقيق أي من الأهداف التي يطمح إليها، وانسداد الآفاق بشكل كامل، والشعور بعدمية أي إمكانية لتحقيق أي شيء، ولكن هذه قد يتعرض لها جميع البشر، وهي واحدة من القوانين الحياتية، ولكن تختلف ردود الأفعال بين إنسان وآخر، وهو ما يقودنا إلى الحديث عن الاستعداد والقابلية للسلوك الانتحاري، ويمكن أن نعدد بعضاً منها: مثل البيئة الأسرية المفككة، وتعاطي المسكرات والمخدرات والمهلوسات، والاستعداد الوراثي وهو ما يسمى “الشيزوفرينا” المصنف من الأمراض الفصامية، والصدمات الكبرى التي يتعرض لها الفئة العليا في المجتمع (رجال المال والأعمال والسياسيين والشاغلين لمواقع القرار والنفوذ، والذين يعزلون فجأة).
ويضيف عن تداعيات الحرب في سوريا وزيادة نسبة الانتحار، بالقول: أعتقد أن العنف الممنهج الذي تمت دراسته والتخطيط له في مراكز علمية مخابراتية كبرى اشتملت على ركائز علم الاجتماع وعلم النفس لا يقدر بحجم، واشتمل على أقسى وأخبث أساليب تدمير الجماعات البشرية، ولم تحدد ميزانيات وإنما كانت مفتوحة. ومن المظاهر التي طفت وبانت في جنبات المجتمع السوري بشكل كبير هو الاستخدام الخبيث للفكرة الدينية بالموت في ساحات الرباط والجهاد للصعود إلى عالم السعادة الجنسية، والتمتع بالحوريات في الجنة. أما الناجين من الخطف والتعذيب فهؤلاء من المنطق العلمي أن يحاولوا الانتحار نتيجة لما مورس عليهم من أهوال التعذيب والتشفي وهم علمياً يصنفون بـ (المصابين باضطراب الشدة ما بعد الصدمة) وهو من أشد الاضطرابات صعوبة في التعافي والتماثل للشفاء.
وتبقى قصة تجارة المخدرات التي وصلت إلى أيدي اليافعين والشباب الصغار العامل الحاسم في قضاء عدد منهم انتحاراً، حيث حلل أحد المختصين بالبرمجة اللغوية والعصبية طريقة انتحار الشابين “أيوب وأبو حسون” بأن حبوب الهلوسة المخدرة تجعل الدماغ يصور لصاحبها السعادة المطلقة، وأنه يطير إلى الحبيب الأعلى، وهو ما يفسر كل الحركات التي رافقت الفيديو المصور، حيث ذهبوا إلى موتهم وهم بكامل النشوة.
لكن قصة من روج وأدخل ووزع وأغرى فهي قصة أخرى هدفها القضاء على أجيال من الشبان بشكل ممنهج، والحديث يطول عنهم وعن مموليهم ومن يقف وراءهم.