أخبار

هل نجح السوريون بالاندماج في فرنسا وتحقيق أحلامهم؟

قبل أن تلامس أقدامهم الأراضي الفرنسية ، لم يكن يخطر في بال عشرات الآلاف من طالبي اللجوء أنّ خطوط تفاصيل الحياة الجديدة لا تتقاطع تماماً مع مخيّلاتهم وما رسموه عنها ، فحتّى يتسنّى لك أن تشرب قهوتك تحت برج إيفل لا بدّ أن تصطدم بما أسماه البعض جحيم الأوراق وسوق العمل واللغة والروتين والزيارات المكوكية للمحاكم والمكاتب التي تقرر منحك اللجوء أو حق الحماية والعمل.

مئتا ألف طالب لجوء، جعلوا من فرنسا الدولة الثانية بعد ألمانيا في استقبال اللاجئين ، لدرجة أنّها بلغت “مستوى تاريخي”، وفقاً لما نقلت اللوموند عن المدير العام للمكتب الفرنسي (لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية)OFPRA “باسكال بريس”.

وعلى سبيل المقارنة ، تلقت فرنسا ما لا يقل عن عشرين ألف طلب لجوء في 1981، وهو أول سنة يكشف فيها المكتب عن تلك البيانات.

وستحرك هذه الأرقام الجديدة حتما الجدل الحاد حول سياسة الهجرة في فرنسا.

 

 

 

 

وحسب أرقام OFPRA، فقد وصل عدد السوريين الذين تقدموا بطلبات اللجوء في فرنسا، خلال العام ، 3249 شخصاَ، وحصلت نسبة 95% منهم على حق الحماية وهم الذين يصلون في غالب الأحيان من خلال برامج إعادة التوطين.

هل استطاع السوريون تخطي معوقات سوق العمل؟

“طبعا اللغة هي مفتاح سوق العمل والحصول على الحقوق، نحن نراهن على الوقت في تخطي تلك الصعوبة، عن طريق الانخراط في فعاليات الجمعيات الفرنسية العربية، التي تحوي متطوعين من العرب والفرنسيين لتعليم اللغة، كما لا يوجد قيود لا يمكن تخطيها من خلال التسجيل في الجامعات الفرنسية .. رهان وسباق مع الزمن سنكسبه كما كسبه الكثير من المحامين والمهندسين والأطباء السوريين الذين أكملو دراستهم ونجحوا في فرنسا”.

وأضاء المهندس المدني “ظافر” القادم من تركيا مع أسرته على نقطة هامة: “الرهان الذي نعتقد اننا كسبناه سلفا “أطفالنا” ، الذين استطاعوا تعلم اللغة بسرعة والاندماج في المجتمع الفرنسي”.

ولايوجد في فرنسا قانون ناظم لتعديل الشهادات السورية والاعتراف بها، فالأمر يعتمد على قانون منفصل لكل جامعة يحدده لجان تربوية من الجامعة نفسها، أو مدير المؤسسة ..

ومع الانتقال من مرحلة لأخرى تختلف الأولويات فمن الأوراق، ومعاملات اللجوء الطويلة ، للبحث عن سكن ملائم، لتأتي المرحلة الأصعب وهي العمل ، والاستقرار والتفكير في الخيارات المناسبة .

إذ تعتبر فرنسا إحدى الدول الأوروبية الأكثر بطئاً وبيروقراطية في إنجاز المعاملات الإدارية.

وقد عانى اللاجئون السوريون من مرور الوقت الطويل الذي كان يستغرق من سنة إلى سنتين للحصول على قرار اللجوء وبطاقة الإقامة .

في المقابل، لعبت العديد من الجمعيات الفرنسية دوراً كبيراً في مساعدة اللاجئين السوريين على مختلف الأصعدة ومنها إقامة دورات تعليم اللغة الفرنسية، وتأمين السكن لبعض اللاجئين ومساعدتهم في الأوراق الإدارية.

( على قناة FRANCE 24 Arabic حكاية علاء حسام الدين وهو طالب سوري إستطاع تحقيق تفوق في البكالوريا الفرنسية)

وتعد اللغة الفرنسية إحدى أهم الصعوبات التي واجهت اللاجئ السوري خلال مسيرة لجوئه ، فهي من ناحية تعد لغة صعبة وخصوصاً على صعيد المحادثة وذلك مقارنة باللغة الانكليزية ، ومن ناحية أخرى عدم توفير الدولة الفرنسية لساعات كافية للاجئين من أجل تعلم اللغة ، وذهاب أغلب اللاجئين للجمعيات والمنظمات الفرنسية التي تقدم دورات مجانية لكنها دورات تعاني من ضعف المستوى في أغلب الأحيان.

بالرغم من أن فرنسا تعتبر ثالث قوة اقتصادية عالمية بالإتحاد الأوروبي ، بعد ألمانيا وبريطانيا ، إلا أن مجموعة تحديات تواجه هذا الاقتصاد القوي الذي تأثر بشيخوخة المجتمع الفرنسي ، مما يطرح مشكلة اليد العاملة التي ربما يستطيع السوريون التخفيف منها .

وحسب الاحصائيات الأخيرة التي تناولتها الصحف الفرنسية فإن نسبة البطالة في المجتمع الفرنسي شكلت تراجعاً بنسبة 8% مقارنةً بنسبة 10% قبل عام 2014 ، حيث ساهم كثير من السوريين في تراجع تلك النسبة.

مهن متوسطة وصغيرة وخيار البقاء على المساعدات

استطاع الكثير ممن وصل التراب الفرنسي الاندماج والتأقلم ، في مقابل الكثير ممن لم يجد فرصة تناسبه وتنسجم مع عمله السابق وطموحه ، فمنهم من اختار المهن المتوسطة في المطاعم والمقاهي وتوزيع الجرائد وربما المخازن الكبيرة كحمالين ومرتبي بضائع على الرفوف.

ومنهم من اتجه لبيع المنتجات الغذائية السورية والسجائر، التي يتم تهريبها من بلجيكا وألمانيا ، والغائبة عن الأسواق الفرنسية ، كدبس الرمان والزعتر والخبز السوري والملوخية ….. الخ .

ويعفى اللاجئ السوري من الضرائب مادام معتمداً على المساعدات الإجتماعية RSA والتي تحصل العائلة منها على دخل يتجاوز الـ 1300 أورو بالإضافة لنسبة 70% من أجرة السكن.

( ريبورتاج على تلفزيون أورينت يتحدث عن الصعوبات التي تواجه اللاجئين السوريين في فرنسا) 

ويفضل بعض الأشخاص عدم العمل بعقود العمل الفرنسية تهرباً من اقتطاع نسبة 25% من RSA  لأن سقف العقد المبدئي لايتجاوز الـ 1300 أورو ، وهوً يقترب من مبلغ المساعدة الإجتماعية الممنوحة “كبدل بطالة”.

ويجازف البعض بالعمل في بعض المهن الخطرة ، كالبناء والدهان والحدادة والنجارة ، والتي لن يغطي إصاباتها التأمين الصحي.

فئة قليلة جداً هي من استطاعت إرساء دعائم قوية كأصحاب مطاعم سورية ومخازن صغيرة لبيع منتجات يهتم بها المغاربة والجزائريون والأفارقة ، يوفرون من خلالها كل ما افتقدته تلك الجاليات في فرنسا.

واستطاعت تلك الفئة المتعلمة كأطباء ومهندسين ومحامين ، كسر البيروقراطية الفرنسية بممارسة بعض الاستثناءات التي لايقبل الطبيب والمهندس والمحامي الفرنسي كسرها بسبب الخشونة والمماطلة التي تستغرقها بعض الأوراق.

 

 

 

 

ويحاول هؤلاء مساعدة اللاجئ السوري، كطبيب الأسنان السوري أيمن كالو، الذي أوضح أنّ التأمين الصحي المجاني للاجئ لا يغطي بعض العمليات كتلبيس الأسنان أو بعض العمليات التجميلية للفك، لذا “نحاول مساعدة اللاجئ السوري قدر الإمكان من خلال زيادة عدد الجلسات لتحميل الكلفة على التأمين ، فمعظمهم بلا عمل ويعيشون على المساعدة المقدمة من الدولة الفرنسية”.

حتى التوزع الجغرافي يتحكم بفرص العمل :

يلاحق مكتب العمل Pole emploi اللاجئ بشكل عام ليدفعه إلى سوق العمل عبر اقتراح الكثير من فرص تعلم اللغة عبر”الفرموسيونات” و “الستاجات” وهي دورات صغيرة للمهنة التي اختارها طالب اللجوء.

وتلعب الجغرافيا دوراً كبيراً في العثور على فرصة العمل المناسبة ، فالمدن الكبيرة كباريس وليون ومرسيليا مليئة بالفرص ، أما المدن الصغيرة والنواحي والأرياف ، لا يستطيع اللاجئ البحث فيها عن دورات أو حتى العثور على مهنة متدنية أو متوسطة .

وتلجأ بعض الأسر القادمة من الريف السوري في تلك المناطق لامتهان الزراعة ، كاكتفاء وليست كتجارة .

وحسب أرقام فإن نسبة البطالة في المدن لا تتعدى الـ 8% بينما تصل في الأرياف والضواحي لـ 24% .

ويبقى جحيم الغربة بنظر الجميع نعيماً لايقارن بممارسات الأسد ومليشياته ، ومن تبقى من السوريين في الأقبية وتحت البراميل .

مرهف مينو – أنا إنسان

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *