أخبار

أتاوى ورشاوى لعبور حواجز الفصائل المسلحة في عفرين

هدى الحمصي – عفرين – خاص أنا إنسان

بعد التهجير الذي تعرضنا له في الغوطة الشرقية من قبل الجيش السوري توجهنا إلى مدينة  عفرين من أجل الاستقرار فيها، وخلال توجهنا إلى المدينة استوقفنا حاجز للجيش الحر التابع لفصيل السلطان مراد على مدخل المدينة الجنوبي، ولم يسمح لنا بالدخول أنا وعائلتي المؤلفة من ستة أفراد وبعد نقاش طويل مع عناصر الحاجز لأكثر من ساعة ورفضهم السماح لنا بالدخول أخذني أحد العناصر جانباً، وقال لي: إن أردت الدخول عليك (تزبيط وضع الشباب أي دفع مبلغ مالي للعناصر) فدفعتُ لهم مبلغاً وقدره ألف ليرة سورية ولكنهم رفضوا وطلبوا ٢٠ ألف ليرة مقابل السماح لنا بالدخول فما كان مني إلا النزول عند رغبتهم ودفع المبلغ المطلوب حيث كنا مرهقين من عناء السفر ولم نعد نستطيع تحمل فكرة العودة ناهيك عن أجور المواصلات المرتفعة.

هذه القصة رواها أبو محمد ( اسم مستعار ) طلب عدم ذكر اسمه بشكل صريح خوفاً من ردة فعل الفصيل ” على حد قوله” وطبعاً لم تكن قصته مع حواجز الفصائل فريدة من نوعها حيث حدثنا الشاب عبيدة عن تعرضه لنفس الموقف، وهو شاب مهجر من ريف دمشق إذ استوقفه حاجز تابع لفصائل الجيش الحر ( تحفظ عن ذكر اسم الفصيل )  وطلب منه ألف ليرة مقابل السماح له بالدخول رغم امتلاكه ورقة تسمح له بالدخول إلا أن العنصر قال له: أنت تسلك الطريق كل يوم (فما بيطلعنا ألف ليرة) وقد قام بدفعها كما صرح لنا.

مدينة عفرين والتي سيطرت عليها فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من الحكومة التركية تعيش حالة عدم استقرار انعكست على أهالي عفرين من الأكراد والمهجرين من الغوطة الشرقية وحمص وغيرها من المناطق السورية على حد سواء، فالمفترض أن تفرض فصائل المعارضة الاستقرار على المدينة لكنها ساهمت في الفلتان الأمني والانتهاكات والاعتداءات اليومية التي تطال أهالي المدينة ليتطور الأمر إلى فرض بعض هذه الفصائل أتاوى مقابل دخول وخروج المدينة وهذا الدخول أو الخروج يحتاج إلى موافقة خطية مختومة من المجالس المحلية بالنسبة للمدنيين حيث يتم السماح لحاملها بالدخول والخروج ولكن الفصائل تستغل عدم امتلاك أغلب المدنيين لهذه الموافقة وبالتالي ابتزاز المارين مقابل إدخالهم وفرض أتاوى تترواح بين 1000 – 50 الف ليرة سورية.

هذه الأتاوى أو الرشاوى تطال أيضاً سيارات النقل العامة فقد ذكر لنا عدة سائقين على خط (عزاز-عفرين) أنه  يتم فرض مبلغ وقدره 200 ليرة سورية على كل راكب يود الدخول إلى عفرين حتى لو كان معه تصريح دخول من قبل المجالس المحلية.

صورة من مدينة عفرين ( خاص أنا إنسان )

قصة السوريين مع الحواجز قديمة جداً تعود الى أيام السبعينات من القرن الماضي ثم اختفت مع نهاية الثمانينات لتعود مجدداً مع بداية الحراك السلمي بداية عام 2011، والمقصود هنا الحواجز التابعة للسلطة السورية التي كانت ومازالت تسبب رعباً حقيقياً للسوريين، حيث اختفى أثناء عبور هذه الحواجز آلاف الأشخاص وانتهى بهم المطاف في الأفرع الأمنية ومنهم من لقي حتفه، وقد كانت ومازالت اغلب هذه الحواجز تفرض أتاوى مالية، وتمارس أنواعاً مختلفة من الإذلال بحق الموطنين قبل أن تسمح لهم بالعبور، وحين انطلق العمل المسلح انتهى كابوس هذه الحواجز في المناطق التي خرج منها الجيش السوري، وبدأت الناس تتنفس الصعداء لكن أغلب فصائل المعارضة وللأسف مارست نفس السلوك من اعتقال أشخاص معارضين لفصائل معينة أو فرض أتاوى كما يحدث في عفرين من قبل أغلب فصائل المعارضة هناك.

الابتزاز من قبل حواجز فصائل المعارضة لم يتوقف على السوريين المهجرين المتجهين إلى عفرين، بل امتدّ إلى سكان المدينة الأصليين من الأكراد، حيث يحدثنا ” أبو ماجد ” وهو كردي اضطر للخروج من المدينة مع بداية تعرضها للقصف من الجيش التركي خوفاً على حياة عائلته وحين أراد العودة إلى قريته ومنزله لم يسمح له أحد الحواجز بالدخول إلا بعد دفع 200 ألف ليرة سورية مقابل العودة إلى المدينة.

مسعود ” اسم مستعار ” وهو كردي من أبناء المدينة عانى هو الآخر مع هذه الفصائل، حيث حدثنا عن تعرضه للاعتقال من قبل أحد الفصائل داخل المدينة ( طلب عدم الكشف عن اسم الفصيل خوفاً من الانتقام ) حيث  تعرض للتحقيق بتهمة الانتماء للوحدات الكردية التي كانت تسيطر على المدينة قبل انسحابها، وقد تعرض للشتم والضرب والتعذيب بأساليب شبهها ( على حد قوله ) بأساليب الفروع الأمنية التابعة للسلطة السورية وقد بقي معتقلاً شهراً كاملاً ثم أطلقوا سراحه بعد تأكدهم من برائته لكنه تعرض لخلع في الكتف وإصابات في الرأس وبقيت يده اليمنى شبه عاجزة عن الحركة فترة طويلة نتيجة التعذيب الذي تعرض له.

أغلب من تمت مقابلتهم في المدينة كانت شكوتهم من تصرفات الفصائل والحواجز التابعة لها، بالمقابل تراهم يشعرون بالارتياح عندما يتواجد عناصر من الجيش التركي بشكل مشترك في عدد من الحواجز حيث تختفي هذه الانتهاكات لعدم قدرة عناصر هذه الفصائل على ممارستها أمامهم، حيث أكد لنا الغالبية أن هذه التجاوزات لا تمارس أمام أعين الأتراك لكونها مرفوضة من قبلهم.

أكثر ما لفت انتباهنا عند إعداد هذه المادة أن جميع من قابلناهم رفضوا التصريح عن اسمائهم الحقيقية حتى أن الصحفية التي أعدت المادة نزلت تحت اسم مستعار بناءً على طلبها وقد استطعنا الحصول على الصور بصعوبة بالغة والسبب هو الخوف من الانتقام أو الاعتقال بتهم مختلفة، وهذا يتشابه كثيراً مع أسلوب عمل الكثير من الصحفيين في المناطق التابعة للسلطة السورية نتيجة الخوف من ردة فعل الأجهزة الأمنية، حيث أنه من الطبيعي أن تكون منطقة عفرين منطقة خارجة عن سيطرة القمع والاعتقال التعسفي لكون فصائل المعارضة التي تسيطر عليها حاربت طويلاً للتخلص من القمع وليس من المنطق أن تعيد ممارسته هي بنفس الطريقة.

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *