اللاجئون السوريون في فرنسا … ورحلة البحث الشاقة عن عمل
مها ياسين – باريس – خاص أنا إنسان
تزدحم القصص والحكايات المثقلة بالهموم والمواجع.. والتي تكاد تتشابه في اطارها العام مع اختلاف التفاصيل أحياناً.. وأعني هنا قصص اللاجئين في بلدان الاغتراب والتي تبدأ عادة بالحصول على الأوراق الرسمية والمعاملات القانونية والثبوتيات.. مروراً بصعوبة تعلّم اللغة الأجنبية.. الى ان تنتهي بهم في مواجهة الصعوبات والمشاق التي يعانون منها في سوق العمل.
من بين هذه القصص والحكايات الكثيرة سأحاول أن أتوقف هنا على نقل معاناة بعض المغتربين الذين دفعتهم أوضاع وطنهم القاسية للهجرة بعيداً عنه وعن الظلم والقسوة ووحشية الحروب التي لاترحم أحداً.
يوسف شاب في العشرينيات من عمره، قدم الى فرنسا منذ حوالي أربع سنوات..
بعد ان انتهى من أوراق اللجوء والحصول على الإقامة في العاصمة) باريس (، بدأ بتعلم اللغة الفرنسية في محاولة منه لمتابعة تحصيله العلمي.. لكن ثمة التزامات كثيرة تترتب عليه – كغيره من اللاجئين – كدفع اجار المنزل – تسديد الفواتير – تأمين لقمة العيش …. الخ، والتي لا تستطيع مساعدة الدولة تغطيتها نظراً لغلاء المعيشة في باريس العاصمة.. مما دفعه لترك دراسته والبحث عن عمل..
لم تكن امام يوسف خيارات كثيرة وعلى الأخص أنه لم يتقن الفرنسية بشكل جيّد.. ولا يحمل شهادة جامعية.. علماً أنه كان يدرس الهندسة المعلوماتية حينما تم اعتقاله في وطنه سوريا.. ليسافر فور خروجه من المعتقل الى تركيا ومنها الى فرنسا.
بعد شهور من البحث المتواصل عن عمل اضطر يوسف بدافع الحاجة للقبول بالعمل في مطعم عربي وبأجر زهيد، متواضع.
يقول يوسف لموقع )أنا انسان (: أشعر يومياً بالمهانة والاستغلال.. وعلى الأخص أن صديقي الأجنبي الذي يعمل معي في نفس المطعم يتقاضى أجراً أعلى من اجري بكثير.. فضلاً عن عنصرية بعض الزبائن الذين يطلبون مني مسح طاولاتهم بلغة متعالية.. وعندما أعجز عن الرد على أسئلتهم بطريقة صحيحة يضحكون مني بأصوات عالية، ساخرة، أشعر معها وكان سكاكين تنزرع في مسامات جلدي.
ثمة قصة أخرى مشابهة يرويها لنا محمد الذي يعمل في احدى ورشات البناء.. وهو عمله الأصلي في موطنه الام )سوريا (.. ومحمد متزوج وأب لثلاثة أطفال أكبرهم في التاسعة من عمره.
أعمل ما يقارب اثنتي عشر ساعة يومياً – يقول محمد – فانا رب أسرة ومعيل لأطفال ثلاثة نادراً ما أراهم أو التقي بهم بسبب ظروف عملي المتواصل.. فأنا أعمل حتى في أيام العطل الرسمية وعطلة نهاية الأسبوع.
يطفئ محمد سيجارته ويشعل واحدة غيرها: ‘لولا الدخان – يقول – ربما مت قهراً منذ زمن بعيد ‘ويضيف بألم: في سوريا كنت معلم بناء والآن أعمل تحت رحمة شخص آخر وعدني بالعمل بعقد دائم بعد مرور ستة أشهر.. وحينما فاتحته بالموضوع أجابني ببساطة ‘اذا لم يعجبك العمل عندي اذهب وابحث عن ورشة ثانية عند غيري ‘، وهو يعلم تماماً أنني لا أستطيع ترك العمل بسبب ظروفي العائلية، ‘إيييه … لعنة الله على كل من كان السبب بتشريدنا من ديارنا.. وربنا ينتقم من كل ظالم ‘!!
أما أيمن والذي يكاد يتقن الفرنسية بشكل جيّد ويعمل في احدى الشركات العربية في باريس.. وبالرغم من أنه يعتبر نفسه محظوظاً بعمله هذا قياساً الى ما يعانيه غيره، الا أنه عند السؤال: هل تشعر بأي نوع من أنواع الاستغلال أو التمييز في العمل؟ يجيب بدون تردد: نعم! فالتعامل معي يختلف تماماً هنا عن التعامل مع أي موظف فرنسي آخر.. فأنا لاجئ عربي، وهم يعلمون تماماً أني أقبل بالحد الأدنى للمرتبات بسبب حاجتي الماسة للعمل وليس من السهل أبداً أن أجد عملاً آخر بالشكل الذي أطمح اليه.. ثم أن أصدقاء كثيرين ممن يحملون شهادات جامعية يعملون في مهن أخرى شاقة، وبأجور زهيدة ومتدنية.. لذلك فأنا أعمل وأتالم بصمت كمن ينزف تحت الجلد تماماً.
هذه الحكايات الثلاث هي غيض من فيض، لكنها تصور لنا كغيرها من قصص وحكايات كثيرة لا تحصى ما يعانيه اللاجئون العرب في منافيهم البعيدة عن اوطانهم.. والتي تذكرنا بفول الشاعر التركي العظيم ناظم حكمت: ‘المنفى حرفة شاقة’.