المجتمع المدني الذي خذل السوريين
مروان اسماعيل
مع تدهور الأوضاع في سوريا ودخولها في دائرة العنف نشطت منظمات المجتمع المدني والتي رأى فيها العديد من السوريون فرصة لبناء السلام والانتقال بسوريا إلى واقع افضل تسوده الحرية والكرامة والمساواة، وبالرغم من وجود المئات من المنظمات المدنية والتي تعمل في مختلف مجالاته الإغاثية والتوعوية إلا أن أثر المجتمع المدني مازال خجولاً إن لم نقل معدوماً، موقع ”أنا إنسان“ إلتقى مع عدد من النشطاء والفاعلين في المجتمع المدني حالياً وسابقاً واستمع منهم للأسباب التي جعلت دوره قاصراً.
الممول في وادٍ وحاجات المجتمع في وادٍ آخر
اعتمدت الكثير من منظمات العمل المدني في تمويلها على المال الأجنبي حيث كانت تقدم مشاريعها لجهات خارجية وتحصل على التمويل اللازم لتنفيذ هذه المشاريع لكن سرعان ما أصبح الممول يفرض شروطه ومشاريعه التي لا تلبي حاجات المجتمع المحلي على المنظمات التي كانت بعظمها يهمها استمرارية العمل على حساب نوعيته وأهميته، وأغلب هذه الشروط التي كان يقوم الممول بفرضها كانت تأتي نتيجة فهم خاطئ للواقع السوري أو بهدف تحقيق غاية سياسية من خلال المجتمع المدني، تقول “لارا” لموقع “أنا إنسان” وهي ناشطة في إحدى المنظمات في دمشق وريفها: «في عامي 2016-2017 كانت أغلب المشاريع التي نقوم بها هي عبارة عن ورشات عمل ولقاءات مع نساء للتوعية بأهمية الجندرة أو تدعيم دور المرأة وكنا كمتطوعين/ات نخجل صراحةً من الحديث مع نساء عن أهمية دورهن في المجتمع في الوقت الذي يكون همهن الحقيقي هو إيجاد عمل لأنفسهن لإطعام عائلاتهن، وعندما قمنا بالإحتجاج لدى إدارة المنظمة طالبين منهم تغيير برنامج اللقاءات والورشات ليناسب حاجات هؤلاء النسوة أتى الجواب بالحرف: التمويل الذي حصلنا عليه أتى بناءً على رغبة الممول ولا يمكن لنا أن نغير لأنه سيقوم بسحب دعمه المالي لنا».
اتهامات بالعمالة والتخوين بين “النشطاء”
أهم مايميز عمل المنظمات المدنية والتي تعمل في مجالات متعددة في المجتمع المدني أن العمل فيما بينها يقوم على التكامل بغية تحقيق أهداف مشتركة يهدف إليها المجتمع المدني لكن هذا العمل في سوريا قام على التنافس وتبادل الاتهامات والتخوين بغية الوصول لمصالح شخصية، يوضح “عمر” وهو أحد النشطاء المدنيين السابقين في حلب الصورة لموقع أنا إنسان قائلاً:«أكثر من أساء للمجتمع المدني وشوه صورته في سوريا هم العاملين في المنظمات المدنية ونشطاء المجتمع المدني أنفسهم، فكل منظمة بنظر الأخرى هي عميلة لإحدى الجهات المخابراتية أو شبيحة أو داعشية وإلا فهي فاسدة لامحالة تقوم بالسرقة على حساب الشعب السوري، تراشق الاتهامات بين المنظمات والنشطاء أدى إلى ضعف ثقة المجتمع المحلي بالمجتمع المدني واهتزاز صورته أمام الرأي العام» ويضيف ”عمر“ قائلاً:«بصراحة يؤسفني بعد 4 سنوات قضيتها في العمل المدني أن الصفة الأساسية التي يمكن أن نصف بها عمل معظم المنظمات والنشطاء المدنيين هي “الولدنة”».
المجتمع المدني.. وظيفة الأحلام!؟
«تخيل أن بعض الأشخاص كانوا يتصلون بي ليطلبوا بإلحاح أن أقوم بتوظيفهم في المنظمة التي أعمل بها، وعند سؤالهم عن سبب رغبتهم في العمل بالمنظمة كان الجواب دائماً يصدمني: رواتب عالية، بتقبضوا بالدولار استاذنا، مافي أحلا منها وظيفة لا شغلة ولا عملة ورواتب خيالية، ولا يمكن أيضاً أن تتخيل حجم صدمتهم عندما كنت أجيبهم أن العمل في المنظمة تطوعي وأن لا أحد عندنا يقبض ليرة واحدة، وطبعاً كان بعضهم يتهمني بالكذب وبأنني أريد احتكار الفائدة لحاشيتي وأصدقائي». بهذه الكلمات يوضح الأستاذ “معن” وهو مدير إحدى المنظمات المدنية النظرة الرائجة للمنظمات المدنية، وطبعاً فإن هذه النظرة لم تأتِ من فراغ فنتيجة للتمويل الكبير لبعض المنظمات والذي كان يأتي لمشاريع صغيرة ومن دون رقابة من الممول جعل من العمل المدني قطاعاً للعمل وباباً للرزق مثله كمثل أي صنعة أو حرفة فالعديد من الأشخاص العاملين في هذه المنظمات كان ينظر لعمله الذي يجب أن يحمل مبادئ المجتمع المدني والتي أهمها اللاعنف والعدالة والمساواة والتسامح بأنها مجرد وظيفة اعتيادية فارغة من أي بعد أنساني، يعلق الأستاذ ”معن“ على الأمر قائلاً:« أعرف أشخاصاً كانوا يعملون في منظمات مدنية عندما توقف تمويل مشاريعها تركوا العمل بها وتوجهوا للقتال مع الفصائل المسلحة، ناشط مدني سابقاً مقاتل حالياً هل يوجد ماهو أشنع من هذا الواقع!؟».
الرقيب على السلطة.. تحت رقابة السلطة ومضايقتها!!
تعتبر مهمة الرقابة على السلطة ومحاسبتها إحدى أهم مهام المجتمع المدني لكن في سوريا لم يستطع المجتمع المدني التحرر من قبضة السلطة حتى يصل لدرجة الرقابة عليها أو محاسبتها، فقد استمر التضييق على عمل المنظمات بل وفي معظم الحالات كان العمل يتم بناءً على توجيهات سلطة الأمر الواقع التي تتحكم في منطقة عمل المنظمة سواءً من خلال عرقلة العمل بتأخير منح الرخص والموافقات اللازمة لتنفيذ الأنشطة أو طلب النشطاء المدنيين للتحقيق وصولاً في بعض الحالات لمداهمة مقرات المنظمات وتفتيشها الأمر الذي أدى إلى خوف العديد من العاملين بهذا المجال وابتعادهم عن العمل المدني أو تقديم تنازلات وانصياعهم لرغبات السلطات وتوجيهاتها يتحدث ”بسام“ الذي كان منسقاً لمشروع بناء سلام في حمص عن تجربته المريرية قائلاً:«تم استدعائي للتحقيق بسبب هذا المشروع أكثر من 5 مرات خلال فترة لا تتعدى الثلاثة أشهر، إضافةً لتأخير منح موافقات الأنشطة والتي كانت تهدف إلى جمع أناس من أحياء مختلفة من حمص بغية هدم الفجوة التي أحدثتها الحرب فيما بينهم، في النهاية ونتيجة للضغوط المتواصلة وخوف العديد من المتطوعين قمت بتوقيع تعهد بعدم القيام بهذه الأنشطة والتي كانت تشكل غاية هذا المشروع».
حاجة ماسة للتقييم التجربة
في النهاية لا شك أن هناك العديد من الأسباب الأخرى التي لم تذكر في هذه المادة والتي ساهمت أيضاً في غياب أثر واضح وحقيقي للمجتمع المدني في سوريا خلال سنوات الحرب، إلا أن الصورة العامة تؤكد أن المجتمع المدني في سوريا قد نشأ في ظروف غير صحية وهي التي أدت به إلى أن يصبح هو الآخر مريضاً وغير محقق للفائدة المرجوة منه، وهنا السؤال المطروح..هل يستطيع نشطاء المجتمع المدني اليوم التفكير قليلاً في المرحلة السابقة ومعرفة نقاط ضعفهم وترميمها بغية الإرتقاء بواقع العمل المدني مما يجعله قادراً على تلبية حاجات المجتمع السوري الموجعة والكثيرة؟
Very interesting topic, thanks for posting.Leadership