الى رجل بلا حنجرة
غرام حسين *
من سريري الأبيض أكتب هذا النص
الساعة الآن لا أعرف، ربما الكثير من الوقت بما أني أخذت حبوباً مهدئة. أكتب بشكل عشوائي، أرسل لصديقتي، أفرغ كل شيءٍ، أخلع ما يعتريني لعلي أصبح أخف، لعلي أنام.
لطالما تساءلت عن دخول الجنة كيف يكون!، لطالما خيل لي لحظة دخول الجنة بحضور ملائكةٍ بيضاء و عالم بلا سقفٍ و سماء، برائحة صباحٍ ندي، ثمةأفواجٌ وأفواج، وترانيم موسيقى النصر.
تعمقت الصورة بعد قتله، كنت بمنتهى السذاجة.. الآن أرى.. الآن أرى ملائكةً يُحِضرون له حنجرته التي سرقوها نادمين، حنجرته اللعينة التي لم تكن معه في آخر يومٍ، ولو كانت لصرخ.
يسألهم عن قدمه:
أعدتم لي حنجرتي! أين قدمي؟ وبأي حق أُخِذت؟
يأخذونه الى قسم مفقودات الحرب، حيث تؤخذ الأشياء بلا حق و بلا ذنب. خذ قدمك، نعم خسرت المعركة لكنك ربحت الحرب، ولك ترانيم موسيقى النصر. أفكر بصورة أبي العاري مفتوح اليدين رافع الرأس كمسيح،نعم كمسيحٍ غسّله الشيوخ فيما العيون المبتلة تنظر ولا ترى.بدا جثمانه العاري أجمل بكثيرٍ من معلقات الكنائس، جديراً بالخشوع.
غُسل الجثمان وعُطّر ورمي أرضاً وطُمر بالتراب.
طقوس تطهير الجسد بالتربة اللعينة، وليمةٌ للديدان.
لا أعرف طقوس رحيل الروح ولا أثق بها، لكنك أخبرتني أن هناك عبورًا بسبع سمواتٍ وأن كل سماءٍ ملونةٌ بلونٍ من ألوانِ قوسِ قُزَح.
والدي، هل مررت بهم أم كانت كذبة طفولة؟ أتسمعني يا ابي؟
تباً لك يا “أمفيتامين”، بحثت في “غوغل” عن مخترع المهدئات، ماذا حدث له حتى كان هذا ناتجه؟ كل النتائج كانت كيف أعالج نفسي منها.
أنا أتحدث من سريري الأبيض الآن، الساعة مفرغةٌ من الوقت، تشبه ساعة سلفادور دالي الذائبة، والوقت يتدحرج على الأرض.
لا أريد الشاي الأخضر، تباً للشاي الأخضر، طعمه كماءٍ ساخن، وأنا أذكر أنك كنت تفضل العرق يا والدي، تملك قنينةً تكفينا لآخر العمر، أحضرها وتعال نشرب كأساً من أجل هذه الحياة البائسة.
أريد أن أقرع كأسك برأسي، أن أموت إلى جانبك بطريقةٍ سلميةٍ محببةٍ للثورات والمتملقين والمتثقفين والمتصوفين.
أعتقد أن جميعهم يحب العرق، تعال، أتسمعني يا أبي!؟ ليلى على ذلك الطريق الموحش والمرسوم لها قدراً, بفستانها الأحمر المشدود على نهديها الناميين حديثاً، ليلى نضجت وصارت أحلى، ثمة عتمةٌ رماديةٌ قد بدأت بالزحف على الغابة وذلك الطريق الذي بدا لها بلا نهاية، قطيعٌ من الذئاب يقف أمامها، الأفواه الطويلة مرفوعةٌ إلى الأعلى كبنادق جوقة شرفٍ تطلق عواءً متناسقاً من أجل تلك الصبية التي يتنافسون عليها الآن. وذئبي نزح قتيلاً، حبيبي أنا نزح قتيلاً.
لماذا مت أنت وتركت باقي الذئاب؟ آه منهم، لماذا قتلوك؟ ما حصل وافتراقنا لعشر سنين سأقول أني السبب، لكنك لو كنت هنا لرحلت عنك مجدداً لأنك عشوائيٌ ولا تحب الصحبة.
أشبهك أنا، ولكن لو عدت سأختارك، لو عدت لن أختار غيرك، وسأجعلك تموت حسرةً لأني اخترتك سأسود عيشتك أتسمع؟ دعك من عصبيتك وإن تأخرت عن البيت لا يعني أنني كنت ألهو مع ابن الجيران على الأغلب، أنني كنت أضرب الكوكب ببيضٍ نيء.
من سريري الأبيض اهذي بك، نعم أعصابي تنهار، أرفض الطعام أرفض “السيرون”، أسمع كلامهم من خلف النافذة، أنتظرك كمنزلٍ وحيدٍ لا ساعات فيه، إذا ما رجعت لتقابلني وتسكنني، وحتى ذلك الحين ستبقى نوافذي تؤلمني.
أريدك أن تعود، أنا لست مستعدة للوداع الآن، أفضل أن تصفع وجهي ألف مرةٍ قبل ذلك. تباً للربيع العربي وتباً للثوارات، كيف سأزور قبرك الآن ؟! تبا لدمشق التي ابتلعتنا كلنا وبصقت بعضاً منا أشلاء.
أريد أن أزرع بعض الورود التي لا أطيقها، أن ألقي عليك السلام وأفر منك راكضةً كضفدعٍ يلتقط فراشة، أريد أن أنام في سريري الأبيض، أريد أن أهرب من سريري الأبيض، أنا لا أستطيع أن أنام، أنا علبة أعواد كبريتٍ خشبيةٍ اعتدت أن أحرقها عوداً عوداً لأستضئ بها وسرعان ما انطفأت ولم يتبق لي إلا القليل، لم أحسب حساب قوة هذه الظلمة، لم أحسب حساب هذا الفراغ، ادركت الجوع الحقيقي لك عندما رحلت لآخر مرة، أما لذلك الذي أثقلُ منهُ السكين فأنه لا يستحق ان يُذكر أخو الشرموطة.
*كاتبة سورية
🙁
عودي للرب تعود لك الروح التي سلبت منه