رغم الالم … لن اتراجع عن نشر ثقافة حقوق الانسان
لافا خالد
على صوت فيروز والكتب وحوار أخي المحامي عبد العزيز مع أصدقائه، تكونت اللبنة الاساسية لدي في الشغف في قراءة الكتب، وأتذكر أول كتاب اشتريته من المكتبة الروسية تحت عنوان “السيل الحديدي”.
بعد قراءات كثيرة نمت لدي ميول التفكير الإنساني وصراع الأسئلة التي بدأت ب “لماذا ولماذا”… ولحين اللحظة لم تنته الأسئلة التي لا تجد لها إجابات…فروقات بين البشر وصراع طبقي… لماذا الغني والفقير ، الظلم والتفاوت الطبقي والتهميش …وطن مسلوب الإرادة من قبل عائلة واحدة حولت سوريا لمزرعة يفلحون فيها كما يشاؤون، كل ذلك وضعني أمام تحدي العمل على غرس ثقافة حقوق الإنسان مهما كانت التضحيات.
قصتي أنا الناشط في مجال حقوق الإنسان (حسان أيو)…
بدأت أبحث عن المجموعات التي تهتم بالإنسان وصراعاته، وكان التفكير اليساري يدعي بأنه مع الإنسان والمساواة والأخلاق ،فانتسبت إلى اتحاد الشباب الديموقراطي التابع للحزب الشيوعي السوري لكنني تفاجأت بأن الحالة السياسية طغت عندهم على الحالة الإنسانية، وكان الفكر القومي موجوداً أيضاً، وكوني كردي حاولت الدفاع عن قضايا شعبي من خلال التيار اليساري لكنني صدمت بالطوباويات الموجودة والآلات، فكانت ردة الفعل الطبيعية بأن أتوجه للفكر القومي، وانتسبت الى إحدى الأحزاب الكردية وشاركت في نشاطات متعددة ، وللأسف صدمت مرة اخرى في الشرخ الموجود في الحركة الكردية والتفاوت بينها حيث لم تعد وقتها تلبي رغبتي في العطاء فقررت التوجه الى منظمات حقوق الإنسان، ففي عام ٢٠٠٠قررت الانتساب إلى لجان الدفاع عن الحريات الديموقراطية وحقوق الإنسان في سوريا فرع محافظة الحسكة ، ومن هنا كانت مسيرتي في نشر ثقافة حقوق الإنسان ، خضعت لدورات وورشات متعددة ومكثفة عن مواضيع شتى في مجال حقوق الإنسان وتوثيق حقوق الطفل والمرأة، وخضعت لورشات تدريب مدربين وحصلت على شهادة مدرب ، ومن هنا بدأت مسيرتي التدريبة في نشر ثقافة حقوق الإنسان.
لم يكن الأمر في العلن، كل ذلك كان يتم بسرية و في غرف مغلقة، وكان المتدربون من كافة شرائح المجتمع الاشوريون والكرد والعرب… وعلى إثر هذا الجهد ونتيجة للملاحقات الأمنية دخلت في قائمة الممنوعين من السفر لمدة ثلاث سنوات وعلى الرغم نت مراجعتي للأفرع الامنية والاستجواب المستمر ومضايقتي في عملي وعدم الترفيعات، بقي إصراري مستمراً ورسالتي لبناء الإنسان الذي حاول نظام البعث هدم فكره بكل الطرق والوسائل، وحضرت ومثلت اللجان بأكثر من محفل دولي لحقوق الانسان في مجموعة الجندرة ، وفي بداية الثورة كنت في قمة نشاطي في للعطاء وإرشاد الشباب على كيفية إقناع الآخرين بالتغيير وكيفية نشر الثقافة من خلال الحملات، وتعرضت لمضايقات امنية ورسائل تهديد.
بتاريخ 14\12\2012 خرجنا من منزلنا في مدينة رأس العين الواقعة على الحدود التركية، وكان سبب خروجنا هو قصف النظام للمدينة بالطيران وانتشار المليشيات العسكرية فيها، حيث كان النزوح جماعيا إلى تركيا، وتخلل دخولنا عبر الحدود التركية مخاطر كبيرة، ولكن لم يكن هنالك بديلاً.
بعد دخولنا… سجلنا كلاجئين، وكانت الحياة صعبة وقاسية جداً حيث عملت في البداية كعامل لحمل مواد البناء حتى وجدت عملاً في مجال اختصاصي وهو التدريب في مجال حقوق الانسان، فعملت في منظمة “كريتف” التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية بصفة مدرب أساسي في المشروع، حيث قمت بتدريب خمسة آلاف شخص للمجالس المحلية في سوريا عن الإدارة والقيادة.
بدأت رحلة الألم مع اللجوء ومن ثم تتالت المصائب لتكون الفاجعة الأولى حين اكتشف الأطباء بعد فحوصات عدة إصابة ابني زردشت بمرض السكري ،وتعرضت ابنتي سوزدار لمرض الزكام، فقمنا بأخذها إلى المشفى الموجود في المنطقة التي أعيش فيها لكنهم نصحونا بأخذها إلى مشفى أكبر لشكهم بأنها تعاني من مرض الزائدة، وبالفعل قمت بأخذها إلى مشفى الأطفال بأورفا والتابع للدراسات الجامعية حيث شخصوا المرض على أنه زائدة دودية وأنها بحاجة لعملية فورية و ووافقت مباشرة على إجرائها…بعدها قالوا لي نجحت العملية و أثناء تجهيزي لإخراجها من المشفى وجدت مجموعة أطباء يقومون بفحص ابنتي حيث لأتفاجأ بهم يقولون لي:” ابنتك تعاني من تضخم بالقلب” علماً بأن ابنتي لم تشتكِ قط من أوجاع في القلب من قبل، و بعد الفحوصات الطويلة قرروا أنها بحاجة لعملية نقل قلب عاجلة، و الأكثر إيلاما” أن القانون التركي يمنع بنقل الأعضاء لغير الأتراك، و هنا لم أعد أعرف ماذا أفعل ، ناشدت المنظمات الإنسانية و منظمات حقوق الإنسان الدولية ، ولم استطع الحصول على نتيجة، لكن الامر الوحيد الذي استطعت الحصول عليه و الذي أعطاني الأمل هو أن أجري لها عملية داعمة للقلب و هي عبارة عن جهاز بحقيبة مزود ببطاريات يدعم عملية تنظيم القلب حيث اكد الأطباء بضرورة سفرها خلال ستة اشهر كون الجهاز يفقد تاثيره بعد هذه المدة ،و خلال هذه الفترة استطعت التسجيل في منظمة الأمم المتحدة في أنقرة حيث قبلوا ملفي و بهذا التسجيل و القبول أعيد الأمل لأسرتي و بعدها جاءنا قبول من بريطانيا لإعادة التوطين في دولة الاستيطان ، و خلال هذه الفترة تحسن وضع ابنتي بوجود الجهاز المذكور أعلاه على أمل السفر خلال فترة ستة أشهر لإجراء العملية في بلد يحترم حقوق الإنسان، لتقوم بعدها بتطوير آلة الغيتار التي كانت تعزف عليها حيث كان حلمها جمع الشرق مع الغرب عبر آلة الغيتار… لكن للأسف الامم المتحدة و الحكومة التركية تعاملوا معنا كمجرد أرقام، حيث انتهت فترة الستة أشهر و عندها بدأت حالة ابنتي تسوء ،فناشدت من جديد المنظمات و راجعت الأمم المتحدة وكانوا يعطونا فقط الوعود تلو الوعود إلى أن توقف قلب ابنتي عن النبض بعد معاناة و صراع مع الموت في المشفى فانتقلت الى رحمة الله بتاريخ 4\12\2012 و قبل أن تموت بومين تواصلت السفارة البريطانية مع المشفى و قالت أنه إذا كان بمقدار ابنتي السفر أنهم جاهزون لذلك و لكنهم تأخروا بهذا القرار و كذلك السفارة الامريكية. رحلت ابنتي تاركة الدنيا…تاركة احلامها و جراحها لنا ونحن في حالة ذهول وصدمة قوية لا نعرف ماذا نفعل إلى ان اتصلت بنا الأمم المتحدة لمقابلتنا بهدف انهاء ملفنا حيث قالوا في البداية بأن ملفنا أغلق باعتباره باسم ابنتي و هذه كانت هديتهم بعد فقدانها، و قالوا لنا بان بريطانيا لم تعد تقبلكم و بذلك تم تحويل ملفنا للسفارة الأمريكية لمحاولة قبول الملف من جديد و بالفعل اجرينا كافة المقابلات مع منظمة تابعة للسفارة الامريكية و أثناء تلك الأحداث كانت زوجتي تخضع لفحوصات حيث كان الأطباء الاتراك يعرفون بأنها تعاني من مرض السرطان و مع ذلك لم يقوموا بعلاجها و لا بأخبارنا بمرضها حيث بدأت حالتها تتدهور من جراء الحزن و المرض و في هذه الأثناء تلقيت مكالمة من الأمم المتحدة لمقابلتنا و فذهبنا اليهم حيث كان الشخص الذي يريد مقابلتنا هو من طرف الحكومة البريطانية وكان اللقاء بخصوص اختيار الدولة التي نريد السفر إليها بريطانيا أو أمريكيا و هنا كان اختيارنا بريطانيا و عندها قدمنا اوراقنا و التي تأخرت شهرين و نصف حتى تاريخ 11\02\2015 و في هذا التاريخ كان سفرنا إلى بريطانيا.
قصتي مليئة بالمصاعب وتناقضات الحياة و المآسي… والآن نحن في بريطانيا في رحلة جديدة مصممون فيها على الحياة وإتمام كل المشاريع التي كنّا ولازلنا نسعى اليها لبناء سوريا جديدة ونشر ثقافة حقوق الإنسان في عموم الوطن.