أخبار

“رغيف الخبز” حلم كثير من العائلات في ضواحي دمشق

 

نهى سمعان

 

»منذ أشهر طويلة لم تعد وجبة العشاء ضمن برنامج العائلة اليومي. ليس هذا فحسب إنما نعجز أحياناً عن تأمين وجبة الفطور، وبالكاد نؤمن وجبة الغداء». بهذه الكلمات افتتح أبو كريم المهجر من مدينة حمص ويعيش في أحد ضواحي العاصمة دمشق حديثه عن المعاناة اليومية. أبو كريم طلب عدم ذكر اسمه الصريح خوفاً من أي ملاحقة أمنية، ويعيش في منزل مشترك مع عائلة نازحة من ديرالزور، وتشترك العائلتان في دفع إيجار المنزل، ورغم هذا تعجز العائلتان عن تأمين الإيجار في بعض الشهور.

اضطر أبو كريم مع عائلته إلى النزوح من مدينة حمص مجبراً نتيجة القصف والأعمال الانتقامية التي تمت ممارستها بحق المدنيين، ولجأ إلى دمشق، وتحول من تاجر إلى عامل في أحد المحلات، براتب بالكاد يكفي لدفع الإيجار المرتفع لمنزل في أحد ضواحي العاصمة دمشق، ويضيف: «لست أبالغ إن قلت لك أنه في معظم الأيام تحول ثمن ربطة الخبز إلى حلم، فنحن عائلة متوسطة ولدينا أربعة أطفال، وأنا وزوجتي نعمل بدخل محدود جداً وهذا ليس كافياً ولا منطقياً في ظل الغلاء الفاحش».

عبد الكريم هو جار أبي كريم في المنزل، ويعيش مع زوجته وأولاده الستة في غرفة واحدة، وتشغل الغرفة الاخرى عائلة أبو كريم، فيما تم تخصيص غرفة ثالثة مشتركة للأولاد من أجل متابعة دراستهم. يعمل عبد الكريم في ورشات البناء ودخله الشهري بالكاد يكفي لتغطية حصته من إيجار المنزل، وتعاني زوجته من أمراض عديدة منها إصابة في أسفل ظهرها نتيجة قصف منزلهم، ولا يزال حتى اليوم غير قادر على تأمين العلاج لها، وفي كثير من الأحيان الطعام لعائلته حيث يقول: «في بعض الأحيان أكره العودة إلى المنزل، وخاصة عندما يكون المطبخ خالياً من الطعام، ولا أملك ثمن وجبة لأولادي، ولولا خوفي من الله عز وجل لكنت انتحرت من زمن طويل، وتحديداً منذ اللحظة التي أجبرت فيها على النزوح من الدير الزور، فبعدما كنت مالكاً لأراض كثيرة صرت في حال يرثى لها».

آلاف العائلات النازحة تسكن ضواحي دمشق، ويعيش معظمهم تحت خط الفقر، فيما يعيش كثيرون في منازل غير صالحة للسكن، وبعضها فقد المعيل، وتعمل النساء على سد الحاجة المالية بالعمل الطويل فيما تتعرض الكثيرات للاستغلال، فيما انهارت بعض العائلات تحت وطأة الحرب وتوزع أفرادها عل دول اللجوء.

أم مازن -طلبت عدم الكشف عن اسمها- تعرضت عائلتها لكارثة كبيرة على حد قولها: «أجبرنا على النزوح إلى دمشق، وتوفي زوجي خلال المعارك التي جرت بين المعارضة وقوات النظام. وصلت ومعي أربعة فتيات وصبي صغير، وسكنت في إحدى العمارات قيد الانشاء، لكن ابنتي الكبرى سلوى (22 سنة) رفضت البقاء معي، وذهبت دون أن أعرف مصيرها، تاركة ورقة كتبت فيها «أنا مسافرة. لا أستطيع العيش بهذا الفقر». بعد فترة علمت أنها تعمل في لبنان مع صديقاتها في أحد المقاهي الليلية، وبعد أشهر قليلة اختفت أختها الصغرى كريمة بنفس الطريقة، وأخشى أن تكون قد سلكت طريق أختها الكبرى». أم مازن لم تجد عملاً سوى تنظيف البيوت، فيما تعمل معها ابنتها البالغة من العمر (16 سنة)، وهي في حالة خوف دائم من ان تختفي الابنة أيضاً، خصوصاً أن «العمل في خدمة البيوت مليء بالذل»، حسب تعبيرها.

قد تكون هذه مجرد قصص عابرة، لكنها في الحقيقة تتحدث عن شريحة واسعة من السوريين في المناطق التابعة للنظام السوري. شريحة مزقتها الحرب وزاد الفقر والتشرد من تمزيقها اجتماعياً ونفسياً، وأصبحت تنعكس سلباً على جيل ينشأ ضمن مقومات لا تصلح للحياة في ظل تراجع قدرة الدولة على تقديم حلول نتيجة لظروف الحرب، وتغلغل الفساد الذي يمنع تقديم أي حلول تخفف من هول الفجيعة.

 

 

 

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *