من مؤيد شرس لنظام الاسد … الى شهيد بين صفوف الجيش الحر
خلود حدق – خاص ” أنا قصة إنسان”
كان ابني في السابعة عشر ربيعاً من عمره وكان من أشد المؤيدين للأسد حتى أن هاتفه المحمول مليء بصور بشار الأسد والعلم السوري.
إلى أن أتى يوم غاب به محمد عن المنزل في معرة النعمان يومين كاملين وعندما عاد وجدناه مدمى نتيجة ضرب وتعذيب عنيفين، الأمر الذي استغربه الجميع والذي حول محمد إلى حاقد على جيش الأسد حيث أنه توقف عند أحد الحواجز فأطلقوا النار نحوه وأخذوه دون سبب وضربوه وعذبوه وكبلوه واحتجزوه وفي اليوم التالي أطلقوا سراحه.
انقلب حب محمد ودفاعه عن نظام الأسد إلى كره وحقد لأنه ذاق طعم الظلم على أيدي من كان يتغنى بهم يؤمن بأنهم حماة سوريا والشعب السوري.
لم يعد محمد يلمني على كرهي لنظام الأسد، وأنا التي شاهدت أثار التعذيب الوحشي على جسد والدي الذي خرج من سجون الأسد وأنا ابنة عشرة أعوام في الثمانيات بتهمة انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين.
ماهي إلاّ أشهر، وأصبح محمد في عمر الثامنة عشر، كان يحلم باليوم الذي سيدخل فيه الجامعة لدراسة الطب لكن لسوء الحظ وضع النظام حاجز بجانب منزلنا لسَوق الشباب إلى خدمة العلم.
لن أنسَ تلك الليلة التي جمع محمد فيها أغراضه متجهاً نحوي والدمع يترقرق في عينيه طالباً رضاي وأخبرني أنه سوف ينضم إلى الجيش الحر لأنه لن يحتمل أن يذهب لقتل الأبرياء عنوة مع جيش النظام.
ضممته إلى صدري وعانقته بشدة ناظرةً في عينية نظرة فخر، وقلت له أنه فخري وعزي وأنه يكفيني أن يكون ابني ضد الظلم لأقف مرفوعة الرأس.
غادر المنزل وبدأ التدرب على حمل السلاح، وبعد أن أصبح جاهزاً شارك بمعارك تحرير ريف معرة النعمان وأصيب الإصابة الأولى في ركبته، لكنه سرعان ما تعافى إذ لم تكن إصابته خطيرة، وعاد للساحات فأصيب مرة أخرى في مجزرة معرة النعمان حيث كان يسعف الجرحى في أحد الجوامع.
بقي محمد يستعمل العكازتين للمشي والحركة، فالإصابة كانت في قدميه الاثنتين لكن إرادته في الشفاء كانت كبيرة سرعان ما تعافى وعاد للقتال على الرغم من تحذير الأطباء له من المشي وضرورة إجراء عملية لقدمه، لكن إيمانه بالنصر جعل منه جباراً على جسده، وكان يؤجل في العملية إلى أن يرى النصر بعينيه على الظلم الذي حل فوق رؤوس السوريين.
اشتدت المعارك في مدينة حلب، فذهب محمد مع فريق مؤازرة لمدة شهر ونصف، ولم نسمع عنه أي خبر إلى أن أتت معركة تحرير المعرة فعاد محمد ليشارك بتحرير مدينته، أنهى مهمته وعاد إلى المنزل. لم تعد الأرض تسعني من المفاجأة بعودته والخوف عليه بآن معا، فرح ممزوج بغصة رافقتني مذ أن ذهب للقتال وأخذ قلبي معه، وعندما عاد ردت روحي إلي، عانقني عناق الأبطال ويديه ووجهه وثيابه ملطخة بالبارود لكن عيناه كانتا فرحتين تشعان فخرا وعنفوان قال لي يومها: (افرحي يا أم محمد … المعرة حرة).
لم تطل فرحتي… فما لبث محمد إلا أن حمل أغراضه ثانية ًمتجهاً إلى حلب، هممت بمنعه خشيةً عليه، لكنه ابتسم وطلب مني أن أطمئن وأنه لا يستطيع البقاء لأن حلب بحاجته أيضا كما المعرة، ووعدني أن يأتي في العيد.
ذهب محمد وذهب العيد ولم يأت محمد… في هذه الأثناء نزحنا إلى حماة، فقد أصاب صاروخ الحي الذي كنا نسكنه.
اتصل محمد بي ليطمئن علينا، وأعلمني باستشهاد أحد رفاقه فغصت الدمعة في حنجرتي لكنه بادرني بالقول: (لا تبكي يا أمي أنا كمان رايح من الدنيا قريبا) … وفعلاً لم يخطئ قلبه خط سيره، استشهد محمد في ميلسون في اشتباكات بين الجيش الحر والجيش النظامي بسبب إصابته برصاصة توجهت إلى قلبه مباشرة. سقط محمد صريعا هامساً في إذن رفاقه وصيته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة فقال (قولوا لأمي أن تسامحني واقبروني بمقبرة الشهداء بالمعرة).
في الساعة العاشرة صباحا بتاريخ 2-12-2012 فارقت روحه الحياة للأبد…
لم يمنع القصف العنيف رفاق محمد الأبطال من المغامرة بتنفيذ وصية الشهيد الأخيرة، فذهبوا به إلى المعرة وقبروه هناك وزفّوه شهيداً.
أمّا أنا… فلم أعرف من أين مُلئ قلبي صبراً وقوةً وتسليماً بقضاء الله، فلا تستغربوا أني توضأت وتوجهت إلى الله شكراً على استشهاد ابني، فقد طلبها ونالها… لكن الغصة التي حفرت الجرح في قلبي هي أني لم أره لأودع عينيه الحالمتين بالحرية، ولم أستطيع ضمّه إلى صدري واشتمام رائحة دمه الزكية.
بعد ثمانية أشهر سافرت إلى المعرة وزرت قبره وتحدثت إليه عن جرح بات في قلبي وسيظل حتى يتوقف فيه النبض.
صحيح أن الفراق صعب والولد غالي كما يقال، لكن سورية تستحق… ولو أن جميع الأمهات السوريات منعن أولادهن من المضي قدماً في ركب الثورة لرفع الظلم عن سوريا، لما استمرت الثورة بل كانت قد خمدت وضاعت.
أنا أم الشهيد وأفتخر…
أنا ريما الجاجي… أم الشهيد محمد الشريفي.
I like this site very much, Its a rattling nice office to read and find info.Money from blog