أخبار

هل نسي المشرّع السوري القوانين العثمانية على قيد الحياة؟

لماذا تعج المحاكم السورية حتى اللحظة بمئات القضايا المعلقة والمتعلقة خصوصاً بالعقارات والأراضي على وجه التحديد؟. الجواب لأن كثيراً منها لا يمكن حلها إلا في ضوء قوانين عثمانية أكل عليها الدهر وشرب. فما القصة؟.

في كثير من دول العالم، يعتبر أي مواطن نفسه وعائلته محظوظين في حال قررت الدولة استملاك قطعة أرض خاصة به، أو منزلاً شاءت الظروف أن يكون موقعه معيقاً لسكة حديدية أو طريق، فينال أضعاف حقه، وربما لا يوافق عل مخطط الدولة، إلا في سوريا الحديثة، حيث تقوم البلديات باقتطاع أي جزء من أملاك المواطن السوري لتنفيذ طريق، فتأخذ الربع النظامي من هذا العقار مجاناً، في سرقة مشروعة أقرها القانون، وهو قانون متوارث عن القانون العثماني، وإذا كانت القطعة صغيرة يمكن بكل بساطة أن تأخذها كلها من أجل هذا الطريق مجاناً وعنوة عن صاحبها.

حازم ساري المحمود مواطن يعتبرها أخذ الأرض «اغتصاب شرعي، حيث يتم بعد ذلك حساب ما تبقى من مساحة الطريق لتعوض المواطن عن خسارة أرضه، ولكن بالتقسيط الممل، وبعد سنوات طويلة يتم حساب الثمن بالسعر الذي تقرره اللجان التي يتم تعيينها من دائرة العقارات، وليس حسب السعر الدارج، فيكون التسعير هذا العام مثلاً، والسداد بعد أكثر من عشر سنوات، ولذلك يكون الفرق بين ما يتقاضاه واهب الأرض من تعويض وبين السعر الحالي للأراضي المجاورة يفوق العشرة أضعاف».

لم تنته القصة هنا، فالحكومات التي تبحث في كل يوم عن ضرائب جديدة لسد عجز الميزانية والفساد والنهب المتنقل تحت اسم «شرفية الطريق»، حيث يتورط صاحب الأرض المسلوبة بدفع قيمة التعبيد والتزفيت كاملاً، مع وضع أرباح للجهة المنفذة من ضمن الفاتورة، وهذا كله ضمن القانون المحلي المتّبع، ويُلزم القانون المواطن المنكوب بالدفع الفوري، وإلا يتعرض للغرامة والعقوبة، في حين أنه وحسب القانون المطبق لا يمكن اقتطاع قسم من هذه التكاليف باقتطاعها من التعويضات التي سيقبضها صاحب العقار بعد عمر طويل، أي أن الدفع للدولة فوري، ودفع التعويضات للمواطن من قبل الدولة مؤجل لسنوات دون أن تتعرض الأخيرة لأي شيء.

قانونيا ًيقول المحامي رائف البحري: «في حال لجأ المواطن للقضاء كي ينصفه عن الخسائر التي حلت به، وإلزام البلدية بدفع تعويض عن كامل عقاره المقتطع، فتلجأ البلدية بفرض ضريبة إضافية عليه تسمى (تحسين وتجميل)، تفوق قيمتها قيمة التعبيد والتزفيت، وإذا كان قريباً من حديقة، فإنه سيخضع لضريبة تسمى «التمتع بالنظر» حتى ولو كان أعمى، ولو كانت أرض الحديقة مقتطعة من أرضه».

ولدى البحث عن أصول هذه الضرائب الباهظة التي تفرض على المواطن السوري بدون وجه حق، تبين أنها من بقايا القوانين العثمانية التي كانت مطبقة عندنا أيام الحكم التركي، والغريب أن تركيا الحديثة نفسها استغنت عنها، فالقانون التركي الحديث يعطي امتيازات للمقاولين باستثمار طريق ما، وذلك بالسماح له باستملاك مساحة هذا الشارع وتنفيذه حسب المواصفات التي تفرضها وتشرف عليها الحكومة، ثم تسمح له بوضع بوابة عند بداية الشارع، وبوابة عند نهايته، واستيفاء ما تكلفه على إنشاء هذا الشارع بفرض رسم مرور على السيارات التي تعبر هذه البوابات.

الموظف المتقاعد عثمان حمزة يقترح على الحكومة -بما أنها معجبة بالأتراك إلى حد الحفاظ على تراثهم بهذه القوانين العفنة- فإنه من المفروض أن تقوم بتحديثها كما فعلوا حيث يقول: «بما أن أي طريق تنفذه البلديات السورية مقتطع من أرض المواطنين، والمواطن صاحب الأرض المقتطع منها الشارع ملزم بدفع تكاليف التعبيد والتزفيت، فلماذا لا يسترد هذه الأموال من مستخدمي الطريق كما يفعل الأتراك، فهو قد قدم خدمة للمصلحة العامة، وليس من حق الدولة استيفاء هذه التكاليف».

القاضي نمر الفريحات قال عن هذه القضية: «إن بقاء اقتطاع الربع المجاني من العقار، ودفع التعويض بعد خمس سنوات من وضع اليد أو صدور مرسوم الاستملاك، وإلى زمن غير محدد لقاء فائدة ست بالمئة أو ثمانية بالمئة يخالف أحكام الدستور الذي أوجب أن يكون التعويض عادلاً، ووفق الأسعار الرائجة، وهو ما يفيد أن الدفع فوري».

وكتبت الأديبة سلمى عبيد على مواقع التواصل الاجتماعي، «غوغل فضح المرتشين والمتلاعبين من مساحي البلدية، فطريق قنوات (أشهر طرق مدينة السويداء، وأغلاه) أخذ نصف أرضنا، لم نعترض كونه للمنفعة العامة، ولكن ما يؤلم كيف انحرف الطريق ليأخذ من أرض حمد بلان، وحسن علم الدين، وسلامة عبيد، ليبتعد عن الممتلكات الأخرى؟ علماً بأنه لم يكن هناك بناء يستلزم الهدم، والآن عندما أردنا إقامة بناء لم توافق البلدية إلا بعد أن تنازلنا عن ثلث الأرض الباقية. خاتمة حديثها بالسؤال عن المحكمة الدستورية العليا».

وتذكر الكتب المؤرخة عن الحكم العثماني الذي استمر ما يقارب 400 عام، أن العثمانيين كانوا يفرضون على كل بيت أمامه طريق، كدفع القمح ضريبة سنوية أطلق عليها «الدابية»، لم يتغير اليوم سوى الاسم الذي أصبح «الشرفية».

 

الأراضي الأميرية العائدة للسلطان

تقول إحصائيات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، إن هناك ما يقارب 38.48% من المساحات القابلة للزراعة في محافظة حماه، في حين يوجد أكثر من 8.48 % من المساحات القابلة للزراعة في محافظة حمص، و 7.8% من الأراضي الأميرية في محافظة دمشق وريفها، وجزء آخر من أراضي الساحل يطلق عليه تصنيف الأراضي الأميرية، وهي أراض مسجلة للسلطان العثماني الأشهر عبد الحميد الثاني الذي استولى عليها، وباتت من أملاكه.

وقد هدد حفيد عبد الحميد في أكثر من مناسبة أن يلجأ إلى المحاكم الدولية لإرجاع ما ورثه عن جده، دون أن تحرك الحكومات السورية المتعاقبة ساكناً، أو تغير الأنظمة والقوانين لكي تثبت هذه الأراضي باسم فلاحيها، وتعديل القانون الخاص بالتجميل وإزالة الشيوع، الذي يهدف إلى فرز الأراضي الزراعية الشائعة بين مالكيها، وإعطاء كل مالك للأراضي الواقعة خارج حدود المخططات التنظيمية المصدقة والمجزأة تجزئة مفرطة قطعة أرض واحدة أو أكثر لتسهيل استثمارها واستصلاحها بالشكل الأمثل، وهو ما يلغي حتماً ملكية السلطان عبد الحميد الثاني، وورثته لأي عقار في سوريا.

وحين سقط حكم عبد الحميد الثاني قامت الدولة باستملاك الأراضي، ومن ثم بيعها للفلاحين بأسعار رخيصة على شكل أقساط شهرية دون إفراغ الأرض لصالح المشتري، وهو ما جعل أروقة قصر العدل تعج بالكثير من القضايا من هذا النوع، ومن المتعارف عليه في القانون السوري سقوط الدعوى بالتقادم كما أكد المحامي محمد علي الغارق في مثل هذه القضايا، ومن الطبيعي أن تلغى هذه الإشارة التي توضع على الأراضي.

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *