همام ابن 9سنوات …عبر الحدود السورية التركية وحده.
مالك أبو خير
” لو بدي موت ما رح إتحرك من هون حتى يرجع ابني , أنا متأكدة إنو عايش وبدي إبقى قاعدة عالحدود وحرام إذا بشرب نقطة ماء وحدة قبل ما يرجع لحضني “.
هذه الجملة قالتها والدة همام, وبالفعل بقيت جالسة طوال يوم كامل على الحدود السورية بانتظار عودة ولدها ,لم يستطع حتى أبنائها إقناعها بشرب الماء رغم طمأنتهم لها أنهم يبحثون عن أخيهم الذي قطع الحدود التركة ولم يعرف عنه شيء.
كانت بداية القصة ,عندما قررت العائلة المكونة من أب وأم وثلاثة أبناء الخروج من مدينة الرقة والتوجه نحو الحدود التركية, من ثم مواصلة سيرهم كباقي السوريين نحو أوروبا, وتم الاتفاق مع مهرّب تكفل بنقلهم من الحدود السورية عبر نقطة خربة الجوز وإيصالهم نحو الأراضي التركية, وعند خربة الجوز افترقت العائلة عن همام من جراء إطلاق نار وحدوث حالة من الفوضى بين كل السوريين الذين كانوا يعبرون , فمنهم من عاد إلى الحدود السورية ومنهم من تابع الطريق, فيما تم إلقاء القبض على عائلة همام من قبل الأمن التركي باللحظة التي ظن بها همام أن عائلتة عبرت نحو الأراضي التركية, إلا أن كثافة الأمن التركي أجبره على الاختباء والزحف رويداً حتى استطاع الوصول إلى الجانب الآخر, وخلال زحفه كان يشاهد السوريين الهاربين تسللاً نحو الجانب الآخر ,وقد حاول التمسك بأحد الشباب العابرين طلباً للمساعدة إلا أنه رفض ذلك وطلب منه العودة إلى الجانب السوري ,تاركاً همام وحده يصارع الخوف طوال ليلة كاملة , حتى أنه شعر بعطش شديد وكاد أن يفقد وعيه, وقد رفع يديه لله طالباً منه ولو نقطة ماء واحدة ,وكانت الاستجابة بعد لحظات حين وجد خلال زحفة علبة مياه قد رماها أحد العابرين وقد كانت السبب في بقاءه حياً.
كان يسمع أصوات الرصاص وقد شاهد كيف تتدافع الناس هرباً , لكنه لم يستطع فعل أي شيء , وبقي يزحف حتى طلعت الشمس التي كانت كفيلة بأن تكشفه بسهولة أمام الحرس التركي, فما كان منهم إلا أن تقدموا نحوه, فتظاهر بالموت أمامهم ,وبقي متمدداً دون حراك .
اقترب أحد العناصر واضعاً يده على عنق همام ,فتوقع أنه سوف يخنقه إلا أن العنصر كما بدى كان يريد التأكد من أنه ما زال حياً, وبعد لحظات دار حوار بين الجندي التركي وزميل له فما كان من الآخر سوى أن أطلق الرصاص من فوق رأس همام كنوع من التخويف ,فبدرت منه حركة خوف لا إرادية أظهرت أنه لازال حياً.
على إثر هذه الحركة قام الأمن التركي باحتجازه ,وكانت لحظات مرعبة لهمام الذي حاول إفهامهم بأنه قد أضاع أهله عند بداية المعبر, وطلب البقاء للبحث عنهم ظناً منه أنهم قد عبروا, لكن كلامه لم يجد نفعاً حيث أجبره الأمن التركي على العودة من حيث أتى وقام أحد العناصر بإيصاله نحو الجانب السوري .
في الجانب السوري كانت والدته بانتظاره, إذ كان قلبها دليلاً لها من أنه سيعود لحضنها , وكانت على يقين من أنها لن تغادر المكان إلا ومعها همام, وبالفعل حدث ما أخبرها قلبها به.
همام محمود الخلف من مدينة الرقة السورية, الذي عاد إلى أمه وأخوته, هو مجرد قصة عابرة استطعنا توثيقها من بين مئات القصص المشابهة لدى السوريين , ولكن منهم من لم تزل أمهاتهم بانتظار عودتهم حتى اليوم.