وثق الجرائم بكاميرته … وحين تعرض للإصابة تخلى الجميع عنه
هدى زغلول
من منا لا يعرف كيف بدأ الحراك الثوري داخل سوريا وكيف بدأ نشر صور وفيديوهات المظاهرات في الداخل عن طريق العديد من الأعلاميين والمصورين الذين قرروا ان تكون الكاميرا هي سلاحهم .. ومع مرور الأيام وبعد ثمان سنوات من اندلاع الثورة تزايد عدد المصورين بشكل هائل فأصبحنا نسمع ونرى الكثير من قصصهم التي كانت في غالب الوقت تكتب مع دمائهم .. فكم من المصورين الذين لاقوا مصير الموت بسبب حبهم لأظهار حقيقة ما يجري داخل سوريا .. و المعاناة الأكبر للمصورين الذين أصيبوا أصابات خطيرة التي كانت أن تودي بهم .. ولكن ماذا حدث بعد الأصابة ؟
محمد أحمد شاب من محافظة اللاذقية يروي لنا قصته مع التصوير ( لقد كانت الأيام مشابهة لبعضها عندما كنت أكمل دراستي في مرحلة الثالث الثانوي وأعمل في الكترونيات حياتي كانت نوعاً ما مستقرة وطبيعية و لدي نية بالسفر لأكمال تعليمي في الخارج وأنا من عائلة بسيطة تتكون من سبع أشخاص نعيش حياة هادئة )
ولكن على ما يبدو لم تبقى حياة محمد هادئة في بداية عام 2011 (في بداية عام 2011 كانت بداية الثورة السورية ولقد شاركت بها مثل جميع من حولي في المظاهرات والاعتصامات ومساعدة العائلات المحتاجين وعملت كناشط في تنسيقية اللاذقية .. ننسق المظاهرات ونوزع أعلام ولافتات وجميع ما يحتاجه الناس في مظاهرات يوم الجمعة والمظاهرات كانت سلمية وبطريقة بسيطة جداً وفي تاريخ 2012 كان يجب ان اغادر المنزل بسبب اعتقال صديقي وأن اترك تعليمي)
يكمل محمد بعد تفاصيل قصته عندما اصبح مطلوب لنظام السوري وغادر ليس فقط خوفاً من الاعتقال ومن خوفه ان يفشي اسماء باقي أصدقائه تحت التعذيب فقرر الذهاب الى منطقة جبل اللاذقية (عندما وصلت الى منطقة الجبل تبين لي نقص بعض الجوانب في منطقة منها الجانب الأعلامي والأغاثي نوعاً ما .. ومع الوقت دخلت في المجال الأعلامي لنسد هذا الفراغ ولتوصيل صوت وصورة ما يجري في جبل اللاذقية .. عندما بدأت العمل بكاميرا بسيطة وتتطور تفاصيل هذا المجال معي بمرور الوقت .. وبعد ثلاث سنوات أصبحت اعمل مع عدت من الوكلات الأعلامية العالمية والعربية)
أصيب محمد بسبب عمله عدة مرات وأخرهم كانت الأخطر 21\4\2015 عندما كان يصور قصف قوات النظام لمنطقة جسر الشغور وأصيب محمد بأكثر من مية شظية
( لقد أصبت في الساقين اليمين واليسار ولكن الساق اليسار كانت المتضررة الأكبر .. بعد الأصابة بقيت في المشفى ثلاث شهور وبعدها بدأت مرحلة العلاج المريرة .. دخلت الى تركيا وقمت بعدة عمليات جراحية و لأزالة قسم كبير من الشظايا .. تضررت قدمي بأصابة العصب الحسي وأصبحت نسبة الأحساس بقدمي 12 بالمئة فقط بسبب عدم وجود مؤسسات مسؤولة عن اعلاميين تقوم بدعمي بعلاج أفضل أو أي مساعدة من الوكالات الأعلامية رغم تقديمي للحصول على منحة ولم يكن هناك أجابة حتى من الوكالة الأعلامية التي كنت أعمل بها الذي كان المصور بالنسبة لهم سلعة تجارية وتم انتهاء مفعولها .. ويمر سنتين وأنا ابحث منظمات تكون مسؤولة عن الأعلاميين لكن فشلت للأسف الى ان التجئت الى أصدقائ ومعارفي في فريق ملهم التطوعي ليقوموا لي بعمليتين )
يعاني محمد حالياً من وضع صحي سيئ .. لا يستطيع العمل لساعات طويلة .. لا يستطيع أكمال تعليمه بسبب الوضع المادي .. وبحاجة الى عمل لفترات قصيرة ليستطيع أكمال علاجه الفيزيائي وأكمال تعليمه
(الكثير من المواقف التي جعلتي أكمل بأصرار .. منها عندما شاهدت ابتسامة رجل انقصف منزله قبل دقائق ورغم كل ذلك صابر .. شعرت بالخجل من نفسي بمقارنة صبر ذلك الرجل مع صبري … حاولت ان أدي واجبي اتجاه وطني الى حداً ما ولكن الى الآن أشعر بالخجل من تقصيري اتجاه الناس داخل سوريا .. أذكر محبة كل الأصدقاء والأخوة الذين كان لهم الفضل في علاجي والوقوف جانبي من أول أيام أصابتي الى يومي هذا )
اختار محمد تصوير الحروب بسبب عدم جمال تلك التفاصيل في هذه الحروب .. ورغبته بتصوير همجية النظام داخل سوريا و همة وأصرار الشعب السوري على الحياة رغم كلشي .. ومن الأشياء التي تحزنه عندما يتزكرها شعوره بأنه كان سلعة تجارية بالنسبة لتلك الوكالات الأعلامية المتشدقة بحقوق الأنسان وسوء المعاملة التي تلقاها بعد أصابته .. ومن الأشياء التي أكد عليها نصيحته لجميع العاملين في مجال التصوير والأعلام أن يعملوا ضمن الحماية اللازمة لحقوقهم مع تلك الوكالات
محمد ليس الحالة النادرة من الأعلاميين الذين يعانوا من تلك المشكلة الأخلاقية فعلاً في تعامل الجهات اعلامية مع الصحفيين أو المصورين و التي لا تضمن أصغر حق لهؤلاء الشباب والذي من الممكن ان تدمر مستقبلهم بدون أي حس بالمسؤولية