السوريون بين الداخل و الخارج
نسرين عزام – كاتبة سورية
لقد اقترب الشعب السوري من إنهاء السنة السادسة من معاناته ، و هو يعلم أنه ما زال مستمراً فيها ، البقاء داخل الوطن أو السفر خارجه لن يغير شيئاً من معاناتك كسوري .. حتى صارت كلمة (سوري) في بعض الأماكن نذير شؤم أو صفة سيئة عند البعض.
في الداخل صار الوضع جنونياً ، و ضاق الناس من الفقر و القهر و الموت و الحرب ، رعب لا يوصف في المناطق التي يحتدم فيها النزاع ، أما في المناطق الآمنة فقد نال الفقر و الغلاء من الناس حتى وقع اغلب الناس في القلة و العازة بعد أن كانوا ميسوري الحال .
في النهاية تجد السوري منهكاً من تأمين المأكل و الملبس و فواتير الماء و الكهرباء التي لا يراها سوى ساعات معدودة في اليوم ، و أقل ما يمكن من متطلبات الحياة اليومية ، و مع فصل الشتاء تراه حائراً في تأمين المازوت و الغاز لقلته و إن وجد يجده بثمن مرتفع جدا ، و لو كان صاحب عائلة و لديه أطفال لن تراه إلا واقعاً في الدين أو يعمل 24 ساعة متواصلة بلا انقطاع ، أو تراه نصاباً يعيش من النصب و الاحتيال على الناس !!
و مع هذا استمرت الحياة في في الداخل رغم كل المعوقات، أما البعض لم يستطع تحمل هذا الوضع من برد و جوع و قهر و فقر و عازة فلجأ إلى السفر ، إلى الحلم إلى أوروبا التي فتحت أبوب اللجوء ليعيش حياة كريمة مؤمنة خالية من الرعب و الخوف و القلة ..كما قال الكثيرون.
شدّ الكثير من السوريين رحالهم ، منهم من سافر غصباً عنه بعد أن تعرض للتهجير من أرضه ، و منهم شباب سافروا لئلا يلتحقوا بالخدمة الإلزامية ، و هكذا استقر بعضهم في دول الجوار و منهم من شد رحاله أبعد من ذلك و اتجه نحو أوروبا عبر البحر .. السفر من تركيا إلى اليونان بالبلم ذهب بحياة المئات ، بل جعلهم طعاماً للأسماك ، بعضهم قال أن الوصول إلى الجنة أي أوروبا يستحق ذلك ، و بعضهم لم يكن لديه خيار آخر …
كل السوريين الذين استقروا خارج بلدهم تعرضوا لانواع مختلفة من الظلم و الاضطهاد و العنصرية ، بدءاً من الأجور المنخفضة إلى عمالة الأطفال حتى اغتصاب النساء .. في المقابل و رغم كل الضغط الداخلي و الخارجي ترى السوريين يبدعون في الخارج ، فمنهم من راح يبتكر اختراعات مختلفة في التكييف و التدفئة لتقيهم حر الصيف أو برد الشتاء ، و منهم من راح يشارك في مسابقات عالمية فتراه ينجح فيها دون أي دعم ، و منهم من عمل حتى يؤمن نفسه و عائلته فتراهم يفتتحون محالاً في مختلف الدول ييبيعون فيها المنتجات السورية التي تعلموها من طعام سوري و حلويات سورية و تحف و ملابس و ألبان و أجبان و أشياء لم تخطر على بال … و منهم من برع في الكتابة و الموسيقا و العلوم و الفنون و الطب و غيرها … حتى باتت الدول الاوروبية المضيفة لهم وبعض الدول العربية تحترمهم أشد احترام و تفخر بأنهم على أرضها.