كم تريدون 30 ألف دولار، 40 ألف دولار ؟؟
جوان سوز
بعد مرور أكثر من أربعة أعوام على انطلاقة الثورة السوريّة ، يراودني تفكير بيني وبين نفسي أنني لا أحتمل أن يتحوّل مسقط رأس لجوئي بمدينة أنطاكيّا التركيّة إلى مخيّمٍ أشبه بمخيم ” اليرموك ” في ريف دمشق لعدّة اعتبارات منها
لا أريد للسوريين أن يجتمعوا في أماكنٍ خارج دولتهم بشكلٍ دائم كما هو حال المخيمات الفلسطينية وهي تحلم وتطالب بحق العودة ، كما أنّني لا أستطيع رؤية بائع القهوة السوريّة ـ والذي كنت أتردد إليه كثيراً برفقة زميلة صحافية من اللاذقية أثناء إقامتي هناك ـ بعد مرور عشرين سنة أخرى وهو لا يزال يبيع القهوة في ذات المكان بحديقة ” والي كوبّي ” وسط أنطاكيا والتي تحوّل اسمها فيما بعد إلى ” حديقة السوريّين ” الأمر الذي يحمل في طياته مخاوف عديدة لعل أبرزها طول الفترة الزمنية التي سنقضيها في بلد اللجوء ” تركيا ” أنا وبقية اللاجئين السوريين ، إضافة لما لا أستطيع التقليل من شأنه وهو رؤية تلك الزميلة وهي متزوجة من مواطن تركي لا سمح وقدر الله بعد أن يتم صهر السوريين في بوتقة الدولة التركية نتيجة الإقامة فيها لسنواتٍ عجاف يعلم المجتمع الدولي وحده متى ستنتهي!؟
كما إنّني لا أريد أن أمضي بقية سنواتي هنا وأنا أنتظر عودة صديقي الكُردي الذي يعشّق سجائر ” الحمراء الطويلة ” من ألمانيا بعدما هاجر إليها من أنطاكيا برفقة عائلته‘ حيث أتذكر كيف شرع بالبكاء وهو يصافحني مودعاً ومن بين دموعه أخذ ينبهني أن أنتبه لشؤون بعض أصدقائه هناك ، وكذلك الأمر بالنسبة لصديقي ” الطبيب الليبرالي ” والذي كان يقيم بأنطاكيا ويعمل في المناطق المحررة ” المدمرة والمؤسلمة ” من مدينة إدلب الواقعة على الحدود السوريّة التركية قبل أن يقرر وينفذ قراره بالهجرة إلى الدانِمارك عبر البحر ويتركني وحيداً في مقاهي أنطاكيا التي كنا نذهب إليها سوية دون أن ينسى أن يروي لي كيف أن أمير إحدى الكتائب التي تتخذ من الإسلام ” راية وموئلاً ” بصورة راديكالية مثيرة للغثيان تزوّج من طفلة قاصر دون أن يتوقف الأمر هنا ، بل أمتد إلى الإعجاب بشقيقتها التي تصغرها أثناء زيارتها الأولى له مع والديها في ” صباحية ” زواجه من شقيقتها ، الأمر الذي توجب به على هذا ” الأمير ” إلى طلاق الزوجة الأولى ” الطفلة القاصر ” ليتمكن الزواج من الشقيقة الأصغر حسب الشريعة الإسلامية وهو يخاطب والديها متسائلاً عن المهر ” كم تريدون !؟ ” ليكرر الإجابة بنفسه ” ثلاثون ألف دولار !؟ ” ، ” أربعون ألف دولار !؟ ” بكل هدوءٍ ووقاحة !! .
كان صديقي الطبيب الليبرالي يسرد لي هذه الحادثة المؤلمة والدموع تملأ عينيه دون أن تحجبها نظاراته الطبيّة التي تذكّرني بالشهيد ‘ مشعّل تمّو ‘ لفرطِ إنسانيته وهو الذي لم يحتمل مشهد والد الفتاتين بمكان عمله برفقة طفلته الثانية بعد أن تزوجها ” الأمير ” رغماً عنه ، فيما أخذ يعالجها من آثار الوحشية على جسدها ، ليس هذا فحسب ، بل أمتد الأمر فيما بعد ” لنزيفٍ ” أدى بها إلى الموت !!
مخاوف عديدة كانت تراودني هذه الأيام، من ضمنها والتي تلح علي كثيراً أنني لا أحتمل أيضاً رؤية كاتبة سوريّة كانت تتحجّب في بلدة ” الريحانيّة ” فيما كانت تسير ” شبه عاريّة ” في شوارع أنطاكيا دون أن تنسى أن تبرر ذلك لطبيعة المكان والعادات والتقاليد على حد تعبيرها ، وواقع الأمر أنني كنت أمقت نفاقها هنا وأمقت أيضاً حال سيدة سورية امتازت بعدائها البغيض للكُرد والأمر نفسه ينطبق على قاصٍّ سوري أراد ويريد لسوريا أن تكون الجمهوريّة العربيّة السوريّة وليست ” السوريّة ” فقط ، في إشارة قوية منه لعدم اعترافه بالمكونات السورية الأخرى من غير العرب ولاسيما الكُرد في مقدمتهم !!
كلّ هذه المخاوف وغيرها الكثير مما ينتابني هنا لم تغب عن بالي لثانية واحدة منذ خروجي من ” سوريا ” إلى الأردن وحتى انتقالي إلى ” تركيا ” وتنقلي في العديد من مدنها ، إلا أن ما كنت أخشاه قد حصل و” وقع الفأس بالرأس ” كما يقول ذاك المثل ، فالسوريون صاروا في دول الجوار بأعداد كبيرة، ففي تركيا مثلاً بمجرّد زيارتك لأحد أحياء مدينة ” أورفا ” جنوبي البلاد ، ستشعر كما لو أنّك في الرقة أو دير الزور وحتى الحسكة أو كوباني ، وكذلك الأمر بالنسبة لمدينة ” غازي عينتاب ” فتشعر كما لو أنك في حلب ، والأمر نفسه في أنطاكيا ، فيتخيل إلى ذهنك وكأنك في إدلب أو اللاذقية وهكذا حتى أصبحت كل أماكن تواجد السوريين هنا في تركيا أشبّه ما تكون بمخيم اليرموك وهذا ما يدع مخاوفي على أشدها حتى هذه اللحظة !!!
*كاتب وصحافي كُردي سوري .
ويبقى الامل ……
انت انسان مفرط في انسانيتك وحبك لوطنك
..رائه ما سردته صديقي