أخبار

عندما يتحول العلم الشرعي ..إلى نقمة !!

الشيخ محمد عبد نجيب سالم

محمد عبدالله نجيب سالممن المؤكد …أن مهمة رسل الله …هي الهداية والرفق والرحمة بالناس وللناس

ونستحضر هنا قول الله لسيدنا محمد: ( وما أرسلناك إلا رحمةً للعالَمين ) ..

لكن هل يُعقل أن تتحوّل الرحمة إلى (نقمة) ؟!

في لحظات تأمل لبعض الآيات القرآنية …نجد بعضَ الآيات التي تتحدّث عن ( النقمة) التي حدثت لدى بعض منتسبي الأديان السماوية:

ـ قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) [آل عمران: 19]

فالذين أُوتوا الكتاب وقع بينهم الاختلاف بعدما جاءهم ( العلم)  !

ـ وقال تعالى: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) [البينة: 4 ، 5]
فالذين أتوا الكتاب وقع التفرّق بينهم والاختلاف بعدما جاءتهم ( البيّنة) ..والبيّنة هنا تعني : الحقَّ المبيّن من الله !

ـ وقال تعالى: (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) [الشورى: 13 – 15]
وهنا تأكيدٌ بأن التفرّق وقع بعد حصولهم على ( العلم) …!

ـ وقال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ  وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [الجاثية: 16 – 17]

وهنا نلاحظ أنه بعد إيتاء بني إسرائيل ( البينات من الأمر) ـ والأمر هنا: أوامر الله في خلقه ، أو : أمر دينهم ودنياهم وآخرتهم ـ وقع الاختلاف بينهم …بغياً وعدواناً !

لقد ركّزت الآيات التي أوردناها …على أن هناك حالات من الافتراق والتباغض والاختلاف والتشرذم …حصلت للأقوام والأمم التي منَّ الله عليها بكتبٍ سماوية وبيناتٍ ربانية وعلمٍ منير …وكان سبب ذلك البغض والتفرق والاختلاف هو ( البغي) ….والبغي: هو نوع من ظلم الطرف الآخر ….سواء في أخذ شيء من حقه أو عدم إنصافه أو التغرير به …أو تحقيره …أو الإضرار به ….ووقع هذا البغي بعد الهداية المتقدمة .

إنني كلما مررت على هذه الآيات الكريمة أتوقف للاعتبار والتأمل : أيُعقل أن يتحول (الدين) و ( الهدى) و( البينات) و( العلم الشرعي) و( رسالات المرسلين) لسبب من أسباب الظلم والبغي ؟!

أليست كتب الله للهداية؟ …أليس رسل الله للتبصير والإنارة الإيمانية والعقلية؟ فكيف إذن يتحول ذلك لمصدر تشتت وتشرذم وضياع ؟!

لم يتوقف الأمر على الأقوام والأمم السابقة …لقد جاء التحذير للأمة المحمدية أيضاً فقال تعالى : (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 105 – 108].

كيف يمكن أن يحدث هذا؟

نعم …عندما يتحول (الاختلاف في فهم) نصوص الدين المقدسة إلى ( سبيلٍ للإقصاء والتضليل ) …ومن بعد ذلك ( للتكفير)…(فالحروب والإفناء)!!

إن القيمة الإيجابية التي يحملها الدين والبينة ….قد تتحول لقيمة سلبية ..ومدمرة أحياناً …وممقوتة من قبل الرب سبحانه وتعالى .

نعم ..قد نختلف ..وعلاج الاختلاف هو الحوار بين المتخصصين …لإيجاد سبل التلاقي أو الإعذار أو التعايش …لا أن يتحول الاختلاف إلى سبب للعدوان والبغي !

نعم …العلم والدين في أيامنا هذه …يكاد يتحول لـ(فتنة) …وتضيع معاني ( الرحمة) و( الهداية) التي جاء لأجلها.

إن التيارات والمذاهب والطوائف التي تنتسب للإسلام …تحتاج اليوم إلى مواقف تبتعد عن شبح الاقتتال والتفرق بسبب ( فهم النصوص) …

وأؤكد هنا على أنني أقصد الفرق التي لا تنكر ( النص أصلاً) …أو أنها التي تتعامل مع (النص بمسؤولية) من حيث الانضباط بقواعد ومصالح واضحة ومعتبرة.

هلموا إلى ( اختلاف الرحمة) …لا إلى ( خلاف النقمة والبغضاء والبغي)…فقد جاء في القرآن أن الاختلاف آيةٌ من آيات الله ! (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ) }الروم آية22{

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *