أخبار

رغم القتل والتهجير والاعتقالات.. الثورة السورية تدخل عامها العاشر

في مثل هذا اليوم قبل تسع سنوات، خرجت أولى صرخات الحرية ضد النظام السوري، مطالبة بإصلاحات وتحسين الوضع المعيشي والخدمي والتوقف عن قمع الحريات، وفسح المجال أمام الطاقات الشابة للإبداع وليكون الوطن للجميع وليس حكرا على فئة معينة.

ولكن لم يتوقع السوريون الذين خرجوا بداية بالمئات وعبر مظاهرات سلمية حاملين الورود والماء لتقديهما لقوات النظام السوري، وكاتبين عليها عبارات “نحن أخوة” و”الوطن يتسع للجميع”، أن يكون الوطن ضيق بهذا الحجم، وأن يواجههم النظام بالرصاص الحي والاعتقالات العشوائية، وقمع لا نظير له ولم يخطر على بالهم أن تصل الأمور إلى هذا الحد من الوحشية والقتل العشوائي.

شاهد بالفيديو: المظاهرات السلمية تعم سوريا في أول جمعة من الهدنة

وعلى خلفية ذلك القمع الممنهج للحراك السلمي لإفشاله، تمكن النظام من جر الثورة إلى التسليح، ليصبح لديه حجة لقصف المناطق السكنية وتنفيذ المزيد من الاعتقالات في صفوف المدنيين، وشكل قمع النظام للمظاهرات بداية لتشكيل “الجيش السوري الحر” بهدف حماية المظاهرات والحفاظ على طابعها السلمي، كما مرّ الجيش الحر بعدّة مراحل تنظيمية، من أبرزها في تشرين الأول 2011 عن طريق تشكيل مجلس عسكريّ مؤقت، وتعيين “رياض الأسعد” رئيساً له.

وكان ظهور “الجيش الحر” نقطة تحول مفصلية في تاريخ الثورة السورية، حيث هاجم الكثير من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وانتزعها منه، وبات يسيطر على مساحة أكثر من 70 بالمئة من الأراضي السورية، وعجز النظام عن الوقوف في وجهه ما دفعه للاستعانة بحليفه الروسي، الذي بدأ تدخله العسكري على الأرض في خريف العام 2015، وأرسل طائراته الحربية وقواته، وليس فقط الروس وإنما بدأت الميليشيات المدعومة من إيران تظهر بشكل جلي وتساند النظام في معاركه ضد فصائل المعارضة السورية، التي كثرت أسماؤها وانتماءاتها.

شاهد بالفيديو: الجيش الحر يسيطر على 60 % من سوريا نهارا و 90% ليلاً

وبعد كل هذه التطورات انتقل النظام من الدفاع إلى الهجوم، وسط قصفه المناطق الخارجة عن سيطرته بشتى أنواع الأسلحة الجوية والبرية وبمساندة الحليف الروسي والميليشيات الإيرانية، وتمكن من استعادة السيطرة على مساحات واسعة، واتبع سياسة التهجير والتغيير الديمغرافي في المناطق التي بقيت صامدة في وجهه، وبات يحاصر كل منها على حدا ويقصفها ليلا ونهار بالطائرات والبراميل والمدافع والصواريخ والغازات السامة، ما أجبر فصائلها على الرضوخ في النهاية لسياسته، والقبول بالتهجير إلى الشمال السوري، الذي غدا خلال العامين الفائتين ملاذا لكل النازحين والمهجرين بعد انحسار وجود الفصائل في شمال غربي سوريا.

وخلال تلك التطورات المتسارعة، شهدت الساحة السورية الكثير من الاقتتالات الداخلية بين الفصائل سواء في الغوطة الشرقية لدمشق أو شمال غربي سوريا، ما أدى لإضعافها بشكل كبير، كذلك ظهر تنظيم “داعش” في العام 2014 وخاصة في شرقي سوريا وتحديدا الرقة ومن ثم دير الزور، وانتشر فكره وعناصره في بقية المناطق، ما شكل خطرا كبيرا على الثورة السورية، وسمح للدول الغربية بالتدخل بشكل مباشر في سوريا، كالولايات المتحدة الأمريكية التي تشكل جزء من التحالف الدولي ضد التنظيم، ودعمت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في حربها عليه، وبذلك استطاعت تأمين موطئ قدم لها في سوريا وإنشاء قواعد عسكرية في الشمال الشرقي، لتوضع يدها على حقول النفط وتقول إنها ستحارب كل من يقترب منها، حيث جاء ذلك رغم إعلان القضاء على “داعش” الذي انهك المدنيين وقتل وعذب واعتقل أعداد ضخمة منهم، بطرق “فظيعة” سواء ذبحا أو إعدام ميداني أو حرق وغيرها.

ومع وصول التنظيم إلى ريف حلب، وانتشار “قسد” في بعض مناطق المحافظة وازدياد سلطتها قررت تركيا التدخل وأطلقت معركتين ضدهما، ودعمت فصائل من المعارضة السورية، واستطاعت دخول الشمال السوري، وأنشأت قواعده عسكرية فيه سواء في إدلب أو حلب، وباتت الكثير من المناطق تابعة لها، وذلك بحجة محاربة “الإرهاب” وتأمين حدودها منه.

وبالتوازي مع تسارع تلك الأحداث ازدادت المؤتمرات الدولية والاجتماعات السياسية والاتفاقيات بهدف الوصول إلى حل ينهي ما يحصل في سوريا، ولكن كل ذلك كان ينتهي لصالح النظام وخاصة اتفاقيات “أستانة” التي كثرت أرقامها وكان النظام يخرق ما تتوصل إليه الدول الراعية لها (إيران، تركيا، روسيا) ويقضم مع كل جولة جديدة من المحادثات مساحات من الأراضي السورية.

وبعد ميل الكفّة بشكل واضح إلى مصلحة النظام، دفعت موسكو بفكرة مؤتمر سوتشي للحوار السوري، رغبةً في احتكار الحلّ السياسي بعد تسوية الأمور العسكرية على الأرض مع الفصائل المعارضة باستثناء إدلب، واستباقاً لإعلان النصر على تنظيم “داعش”. وأبصر المؤتمر النور في نهاية كانون الثاني 2018. وعلى الرغم من تأكيدها المستمر على التعاون مع المبعوثين الأمميين لحل الأزمة السورية، فإنها أفرغت كل مبادراتهم من فحواها، ولعبت على عامل الوقت والخوض في تفاصيل التفاصيل من أجل تقويض جهودهم، واستغرق موضوع اللجنة الدستورية وتشكيل وفد النظام والمعارضة أكثر من عام ونصف العام، ورغم تشكيله لم يأت بأي نتائج إيجابية، وبقي الحل السياسي معلق ويسير وفق ما يخطط له الحليف الروسي.

وعلى الرغم ما يحصل وتضيق الخناق على المعارضين للنظام الذين تم حصرهم في ريفي إدلب وحلب وتجاوزت أعدادهم الأربعة ملايين، لا يزال الكثيرون متمسكين بمبادئ الثورة ومؤكدين على استمرارهم بها، حتى تحقيق النصر.

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *