أخبار

أسواق البالة في سوريا حلول رخيصة الثمن تنتصر لجيوب الفقراء

رشا الصالح

 استعرت نار الحرب في سوريا خلال السنوات الثمانية الماضية وامتدت ألسنتها لتطال جيوب السوريين ومصادر رزقهم، وفي ظل التفاوت الطبقي الحاصل في بنية المجتمع الذي انقسم بين الغنى والفقر أو ما دون خط الفقر، أصبح التسوق إحدى الامنيات الصعبة التحقيق.

وحسب تقديرات الأمم المتحدة، يقدر عدد السوريين من هم تحت خط الفقر بحوالي 85% من السكان، ويعرف خط الفقر المطلق حسب البنك الدولي: بأنه المستوى المطلوب من الدخل بالحد الأدنى لتأمين الحاجات الخمس الأساسية: الغذاء، الشرب، المسكن، اللباس، الصحة والتعليم.

كما تشير الأرقام إلى أن خط الفقر العالمي والمقدر بـ 1.9 دولار يومياً للفرد أصبح غير قادر على توفير الحاجات الخمس الأساسية للفرد محلياً، وأن خط الفقر السوري هو أعلى من خط الفقر العالمي بنسبة 52%، حيث إن الأسعار المحلية فاقت في مستوياتها الأسعار العالمية في كثير من السلع، ومن بينها الألبسة.

ومع استمرار الحرب ارتفع عدد الفقراء بشكل غير مسبوق، وأصبحت غالبية السوريين تعيش في دائرة الفقر أو تحت خطه المقدر باستثناء تجار الحروب وشريحة من الأغنياء بنسبة قليلة.

من جهة أخرى، أكدت دراسة أجراها مركز “مداد” للأبحاث الاستراتيجية في دمشق أن نسبة من يعيشون في سورية بحالة فقر مدقع هم 67%. ونحو 2.7 مليون شخص فقدوا وظائفهم في القطاعين العام والخاص، ما أدى إلى فقدان الدخل لأكثر من 13 مليوناً، وهذا ما أوقع الأسرة السورية في شباك الاستغلال والفقر.

ورافق ذلك تراجع كبير في القوة الشرائية والقدرة الشرائية للمواطن في ظل هذه الحرب القاسية التي صار يبحث بها عن حلول لمعيشته، وتشير أحد تقديرات مديرية حماية المستهلك إلى أن عائلة من 5 أفراد تحتاج إلى 150 ألف ليرة لكي تستطيع توفير الغذاء، وأن 80% من الأُسر تواجه صعوبات لدى الحصول على الغذاء، ولجأت إلى تناول وجبات بعيدة عن اللحوم والدواجن، كذلك في الحصول على الحاجات الأخرى ومنها اللباس.

بل وأصبح الحصول على الملابس الجديدة مقارنة بدخل المواطن السوري المحدود الذي لا يغطي كلفة شراء قطعة واحدة من الثياب من المحلات المعروفة أمرا شبه مستحيل، فصار يلجأ إلى أسواق البالة لتغطية احتياجاته وكساء أولاده، وخاصة في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، الذي طغى على أسعار الملابس الجديدة، فأصبحت البالة الملاذ الوحيد لذوي الدخل المحدود لما تحويه من ملابس رخيصة نسبياً، تناسب جميع الأذواق، وتراعي جيوبهم.

وعلى الرغم من صدور قرار حكومي بسوريا عام 2011 بمنع استيراد البالة، وصدور قرار آخر مماثل في العام الحالي 2018 والعمل على طيه في اليوم نفسه نظرا للاحتجاج الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي سعى لإقفال “أسواق البالة” وذلك بحجة الصحة العامة وحماية القطع الأجنبي إذ “تشكل تهديدا للصناعات المحلية واستقدامها يجلب الأمراض”، بقيت أسواق البالة مستمرة بالعمل والحصول على بضاعتها التي يتم شراؤها بالكيلوغرام تهريبا من لبنان ومن دول أخرى مجاورة.

وتشهد محال البالة في دمشق وريفها انتشارا كبيرا وتلقى إقبالاً كبيراً من المواطنين، الفقراء منهم لتلبية احتياجاتهم بأقل الأسعار والأغنياء أيضا كموضة لشراء الماركات العالمية، وتنتشر بسطات البالة بكثرة في جرمانا والدويلعة والمزة شيخ سعد إلى جانب المحلات المليئة بثياب البالة.

سميرة أم لثلاثة أولاد أحد المشتريات من إحدى عربات البالة في مدينة جرمانا قالت: إن السبب الذي دفعها للشراء من البالة هو ظروف عائلتها التي قاست كثيرا من النزوح، “قدمت وأولادي من دير الزور بدون ثياب ولا معيل لدي، والبالة أسعارها رخيصة وأستطيع من خلالها تأمين الحد الأدنى من لباس أولادي ولباسي بأقل الأسعار بما يتماشى مع حالتي المادية” مضيفة بأن أسعار القطع الجديدة بالمحلات الأخرى عالية جدا ولا تستطيع حتى شراء ثياب المدرسة لأطفالها إذ يبلغ سعر البنطال الواحد الجديد  5500 ليرة بينما تجد البنطال المستعمل في محلات البالة بسعر 500 ليرة.

بالنسبة لسعاد يبدو الأمر مختلفا، فهي موظفة في دائرة حكومية تبحث عن قطعة مميزة بجودة عالية لتظهر بمظهر لائق مميز كما في الماركات التي لا قدرة لها براتبها المحدود الذي تتقاضاه شهريا على شراء قطعة منها والتي تتراوح بين خمسة عشر وعشرين ألف ليرة سورية بالحد الأدنى. وتضيف: “يمكنني شراء ما أريد من البالة بنوعية ممتازة وبمبلغ معقول لا يتجاوز خمس سعر القطع الموجودة في محال الماركات”

لكن لتجار البالة معاناتهم للحصول عليها، سامر أحد أصحاب المحال في جرمانا يشتري بضاعته من الاطفائية وهو السوق الرئيسي للبالة في دمشق وتاتي إليه البضاعة مهربة من دول مجاورة على شكل مغلفات مرصوصة ومصنفة حسب نوعيتها ( رجالي – نسائي- ولادي ) أو أحذية، يقول سامر بأن هذه المغلفات تحتوي قطعا مختلفة الجودة منها ما يأتي بجودة منخفضة ومنها ما لا يصلح للبيع أو تالف نهائيا بسبب الشحن والتخزين وطريقة وصوله.

صاحب محل آخر يؤكد أنه يترتب عليه دفع رسوم خمسة بالمئة لطريقة دخول البالة لدمشق وهذا عبئ كبير يساهم في رفع سعر مغلفات البالة إلى حين وصولها الى البائع وإعادة بيعها للمستهلك على الرغم من كونها مهربة من دول أوربية عبر البحارـ ويتابع: “يضاف إلى ذلك التكاليف العالية من أجرة المحل التي تحمل القطعة المعروضة للمستهلك كلفة جديدة، وهو بأمس الحاجة لشراء الأرخص، هذا ما يجعلنا أحيانا نلجأ للبسطات أو العربات أكثر من المحلات”.

أحد المحال التجارية لم يكتف ببيع الألبسة بل يعرض أيضا البياضات والستائر والمناشف، يعمل محمد صاحب المحل على غسل وتعقيم البضائع التي تصله ليوفر المزيد من الراحة لزبائنه الذين زاد عددهم مؤخرا في ظل النزوح والتهجير على حد وصفه إضافة إلى ارتفاع أسعارها الجنوني في الأسواق الجديدة.

يقول محمد بأن قلبه كاد أن يتوقف حين سمع بقرار إغلاق البالة فهي مصدر رزقه الوحيد إضافة إلى أنها سبيل لتلبية حاجة الناس الفقراء الذين لم ترحمهم لا الحرب ولا القرارات ولا حتى التجار.

يبحث أبو عمار عن حذاء رياضي له ولابنه عمار الطالب في المرحلة الثانوية، الذي يستهلك الأحذية الرياضية كثيرا، يقول: “آتي للبالة لشراء الحذاء الذي تكون جودته ونوعيته أفضل بكثير من محلات الأحذية محلية الصنع والتي لا تستمر في قدميه أكثر من شهرين ويسعى لاستبدالها، صحيح أن كلفة أحذية البالة أعلى بخمسة أضعاف تقريبا، لكنها تبقى أقل كلفة على المدى البعيد فلا استبدل ولا أدفع ثمن الحذاء أكثر من مرة في العام وقد يبقى لعام وأكثر.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *