أخبار

الإرهاب و الصورة النمطية للمسلمين

إيهاب عبد ربه – محامي و روائي سوري

لربما كانت كلمة “الإرهاب” أكثر الكلمات المستخدمة في الساحة السياسية خلال السنوات العشرين الأ  خيرة ،فكلُّ الدولِ تدّعي محاربةَ الإرهاب ،أو المشاركةَ في محاربته أو أنها تدعو لمواجهته ، فما هو الإرهاب؟ إضافةً إلى ذلك، شاعتْ صورةٌ نمطيةٌ لدى الكثير من الناس حول العالم بأن الإرهاب هو “الإسلامي” أو “المسلم” و بأنه يحمل صفاتاً في مظهره  تميزه عن غيره، كأن يكون بلحية طويلة، و ثوبٍ قصيرٍ، و يصلّي و يقول الله أكبر .و لكن من جهةٍ أخرى تبلورت  صورة ٌنمطية ٌحول ردة فعل وسائل الإعلام الغربية عن العمل الإرهابي و صار المسلمون مباشرة عند سماعهم عن حادثة مفجعة في دولةٍ غربية يتندرون و يقولون “إذا لم يكن مسلماً فسيدّعون أنّه مريض ٌ نفسي”. بناءً على ذلك، ستعالج القضية مفهوم الإرهاب حول العالم، و تعريفه و دور السياسة في إطلاق  صفة الإرهاب على فعلٍ، أو شخص ٍأو  تنظيم ٍبعينه.

في الحقيقة ، بُدئ َاستخدام كلمة (إرهاب) في الأوساط الأكاديمية الغربية منذ القرن التاسع عشر، لقد وصفَ هذا المصطلح الأفعال التي كانت توجَّه ُضد َّشخصياتٍ بارزة ٍفي الدول لتحقيق غايات سياسية.
من خلال هذا الوصف يمكن استخلاص بأن غاية الفعل “العنفي” يجب أن تكون سياسية حتى تعتبر الجريمة “إرهابية”. كانت هذه المسألة النقطة الأساسية التي تميز “الجريمة العادية” عن “الفعل الإرهابي”. لاحقاً، و بعد انتشار ظاهرة الاغتيالات السياسية في القرن العشرين و كان أخطرها اغتيالُ وليِّ عهد الامبراطورية المِجرية النمساوية عام 1914 في سرافييو، الحدث الذي سبب اندلاع الحرب العالمية الأولى. بعد هذا الفعل ، بدأت الأوساط الأكاديمية تُميز ُبين الفعل العنفي الذي يستهدف رمزاً سياسياً بغاية الانتقام أو بدافع العداء، و بين الفعل العنفي الذي يهدفُ إلى  “الرعب”. هذا التفريق أنتج نوعين  جديدين  من الجرائم:  الجريمة السياسية و الجريمة الإرهابية. إذن، لم تعُد غاية الجريمة الإرهابية سياسية فقط، بل يجب أن تتخلها غاية أخرى و هي دبُّ الرعب في صفوف الأعداء المفترَضين للجهة التي تنفّذ الجريمة.
لم يتوقف التمييز فقط عند الدافع من الجريمة بل الجهة التي تنفذ الجريمة، فالعنف الصادر عن “دولة” لا يعتبر إرهاباً، لأن عنف الدولة تحكمه القوانين الدولية، أو المحلية و هذه القوانين هي من تنظم و تحدد مدى شرعية العنف الذي تقوم به الدولة من عدمه. بناءً عليه، الجريمة الإرهابية إضافة ًإلى الدافع السياسي “الذي قد يرتدي لباسا ًفكرياً أو دينياً” يجب أن يصدر من جهةٍ غير “الدول” كتنظيماتٍ أو أفراد.
من خلال ما ذُكر أعلاه يمكن فهم حالة “البلبلة” التي أصيب بها  العالم حول مفهوم الإرهاب، حيث كلُّ دولة تجيِّر معنى الإرهاب بالطريقة التي تخدم بها مصالحها. هذا التجيير قد ينصبُّ على الفعل ذاته أو على ا لتنظيم الذي صدر منه الفعل الجرمي.
و للتوضيح :تنظيمُ القاعدة لم يكن إرهابيا في عين الولايات المتحدة الأمريكية حتى عام 1994 عندما نفّذ أعمالاً ضد مصالح أمريكية في السعودية و كثير من دول العالم.
كذلك وحدات الجيش الحر السوري التي يعتبرها النظام السوري إرهابية كلها بينما دول أخرى لا تعتبرها كذلك. إذن ، لا يمكن وصف جهة أو تنظيم ما بأنه إرهابي بالمطلق بل يمكن وصف أعمال معينة بأنها إرهابية إن كانت تستخدم العنف من أجل تحقيق “الرعب” بين مجموعة من الناس لجعلهم “يحترمون أو يطيعون” فكرة معينة أو يدينوا بالولاء لجهة معينة. الحقيقة، هذه الطريقة في “الإرهاب” ليست جديدة، فالحسن الصباح حاكم قلعة آلموت في القرن الحادي عشر في إيران كان يرسل فتيانه للقيام بعمليات فدائية لقتل العمال و الولاة من أجل دب الرعب فيهم و في غيرهم من الحكَّام. بناء عليه، المسيحي الكاثوليكي الذي يهاجم عيادات الإجهاض في الولايات المتحدة و يقتل المرضى و الأطباء بدافع عقائدي بغية “إرهابهم ” و جعلهم يكفون عن الإجهاض هذا إرهابي و المسلم الذي يفجر نفسه في مقهى مدفوعاً بقناعته لإرهاب الناس  إرهابي ،و كلُّ نصٍّ فكري أو ديني يدعو إلى إرهاب الناس و المدنيين من أجل اعتناق فكرة أو مذهب، أو من أجل ترك فكرة أو مذهب هو فكر إرهابي.
إنَّ الصورة النمطية التي بناها الإعلام ضد الإسلام و خاصة في الأوساط الغربية لم تفشل فقط في محاربة الإرهاب، بل ساهمت في نشره و زيادته لأنها غطت  على  المجرم الحقيقي، و شوّشت الصورة ومنعت  وضع اليد على المكان الصحيح الذي يصدر منه الإرهاب.
كذلك، القوانين الدولية التي تبيحُ عنفَ الدولة سواء القانون الدولي  عن طريق قانون الحرب، أو الداخلي عن طريق مبدأ السيادة الذي استغلته كثير من الدول المستبدة لاستباحة مواطنيها ما أدى إلى نشوء ردة فعل ضد هذه القوانين لأنها غير عادلة في مضمونها.
غاية القانون ليست فقط تنظيم الفعل الإنساني بل الارتقاء به للوصول إلى العدالة أيضا و لا عدالة مع القتل. لا يمكن مكافحة التطرف و الإرهاب إلا من خلال التعريف السليم له، فالعنصري الذي داهم مدرسة في السويد وقتل أجنبيا ًفقط لأنه من أصول أجنبية كانت غايته “إرهاب الأجانب” هذا فعلٌ إرهابيٌّ في جوهره بالضرورة و لكن عدم وصفه بالإرهابي و تعمية الإعلام عنه جيّره أو حوّله إلى جريمةٍ عاديةٍ تُدرَّس بشكلٍ شخصيٍ دون فهم الخلفيات النفسية و الفكرية وراءها.
بناء عليه يمكننا القول أن تنميط الإرهاب في جهة دون غيرها مدفوع من غايات سياسية أكثر من وصف ٍواقعيّ و أن هذا الدافع السياسي أدى إلى انتشار الرفض لسياسات مكافحة الإرهاب. بحجة مكافحة إرهاب قُتل الآلاف في أمريكا قُتل الملايين في العراق و أفغانستان و اخترقت القوانين و داست القوى العسكرية على الدساتير و قوانين الحرب، لقد فقد العالم البوصلة الأخلاقية فزادت الفوضى و انتشر الإرهاب أكبر. كذلك،  إن رغبة إرهابي معين بزرع الخوف في الآخرين نابع ٌأيضا من خوفٍ لديه، فالإرهابي الأشقر يخاف الملونيين و الإرهابي المسلم يخاف الآخرين و الإرهابي الكاثوليكي يخاف الليبراليين. إنها دائرة الخوف التي لا تنتهي إلا من خلال مواجهتها كلها ، دفعة واحدة و من خلال وصفها كلها بأنها إرهابية دون أي تمييز سياسي.
العدالةُ جوهرُ  العلاج و لن يتوقف الإرهاب دون تجفيفِ منابعه التي يمكن تلخيصها بالاستبداد و الاحتلال و التخلف الديني.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *