أخبار

الحرمان من التعليم كابوس يواجه السوريات

 

تجلس ريما 11 عاما على حافة درج البناء الذي أنهت تنظيفه توا والتعب ينهك جسدها الصغير بعد تنظيفها لأكثر من ستة أدراج لستة أبنية مختلفة خلال هذا اليوم، لكنها تبتسم وهي تعد غلة نهارها التي ستكون كافية لشراء ما تحتاجه والدتها لصنع الطبق الذي تحبه.

لم تذهب ريما هذا العام أيضا إلى المدرسة رغم أمنياتها بتحسن صحة والدتها المريضة لتتمكن من مزاولة العمل فتأجل حلمها بالذهاب إلى المدرسة حتى العام المقبل.

أثناء مرورها ببائع الخضار القريب من منزلها ترى ريما بضعا من صديقاتها وهن يعدن من المدرسة يعتصر الألم قلبها الصغير ماذا يحدث لو كانت مكانهن ترتسم دمعة على خدها لتسارع بمسحها والدخول لإحضار ما تحتاجه أسرتها من خضار وطعام.

تحلم ريما بأن تصبح معلمة تقول ريما “حين أكبر سأمتلك مدرسة كبيرة سأكون مديرتها ومعلمة فيها، ستضم المدرسة كل الأطفال الذين لم يستطيعوا الذهاب إلى المدرسة، أصلي للرجوع إلى المدرسة العام المقبل ولإتمام دراستي لتحقيق حلمي قريبا”.

تتأسف أم ريما على ابنتها فهي أكبر أطفالها الثلاثة، فبعد وفاة والدها بدأت الأم العمل في تنظيف المنازل لكن التهاب الكلى الذي أصابها اضطرها للبقاء في المنزل ما جعل ريما تتحمل مسؤولية إعالة الأسرة الصغيرة، فتذهب يوميا مع إحدى صديقات أمها إما لتنظيف البيوت أو تنظيف الادراج لتعود في نهاية النهار حاملة متطلبات معيشة الأسرة الصغيرة.

خلال الحرب السورية انخفضت معدلات الالتحاق بالمدارس إلى حد كبير للذكور والإناث كما انخفض معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين الإناث وانخفض صافي معدل الالتحاق بالمدارس للإناث من 92% عام 2004 إلى 61% بحلول عام 2013 بحسب UNISCO 2014.

لكن تعليم الفتيات كان إحدى الإشكاليات قبل الحرب، فبعض الفتيات السوريات لم يتمتعن بحقهن في التعليم قبل الحرب أيضا فبعض البيئات المحافظة لم تسمح للفتيات بالذهاب للمدرسة بسبب ما أسموه “العادات والتقاليد” ما حرم العديد من الفتيات والنساء من العلم والمعرفة.

تقف سمر 30 عاما على أبواب إحدى المكتبات المخصصة لبيع المستلزمات المدرسية تتأمل دفاتر الرسم والأقلام الملونة ترغب بداخلها بشراء دفتر رسم وعلبة ألوان والعودة إلى مقاعد الدراسة التي حرمت منها حين كانت طفلة ترتسم ابتسامة حزينة على وجهها وتهم بمغادرة المكان.

نشأت سمر في مسكنة في ريف حلب الشمالي في أسرة لم تهتم بتعليمها فمكان الفتاة من وجهة نظر مجتمعهم ليس وراء مقاعد الدراسة بل في بيت الزوج المستقبلي، ليست سمر وحدها من لم تذهب إلى المدرسة فأخواتها أيضا والكثيرات من بنات جيلها لم يحظين بفرصة الالتحاق بالمدرسة وحرمن من حقهن في التعليم. ورغم بعض القوانين التي تنص على الزامية التعليم إلا أن أحدا لم يكن مهتما بتطبيقها في تلك المناطق النائية الريفية.

حين بلغت سمر عامها الرابع عشر قرر والدها تزويجها من ابن أحد أصدقائه كان يكبرها بثلاثة أعوام فقط، لم ترغب سمر بذلك الزواج لكن لا أهمية لرأيها في مجتمع يصادر حرية الفتاة كمجتمعها فتم زواجها من مصطفى 17 عاما.

“لم أكن أريد الزواج كنت أشعر بأنني طفلة صغيرة لكن والدي رحمه الله كان مصرا على الأمر وخاصة بظل عادات منطقتنا التي تقول بأن زواج الفتاة بعد بلوغها أمر حتمي”.

نزحت سمر مع عائلتها إلى دمشق قبل خمس أعوام، لديها بنت واحدة وخمس أولاد جميعهم في المدرسة ورغم ظروفهم المادية السيئة إلا أنها تصر على تعليمهم وخاصة ابنتها الوحيدة ليلى.

حين سألتها عن ليلى أخبرتني بأنها ستبذل ما بوسعها لتكمل تعليمها فهي لا تريد لها مستقبلا مماثلا لمستقبلها تقول لي “أريدها أن تحمل شهادة جامعية حينها ستحظى بعمل جيد وستكون قادرة على اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتها بطريقة أفضل، على الأقل سأضمن أنها لن تكون مضطرة للعمل في تنظيف البيوت أو ورش الخياطة ستعمل في مهنة لائقة بها”

ستبلغ ليلى قريبا وترفض والدتها سمر كليا تزويجها فلن تعرض ابنتها لما تعرضت له ستكون الأولوية الآن لتعليمها لا لأي شيء آخر.

التحقت سمر مؤخرا بدورة لمحو الأمية تريد أن تتعلم القراء والكتابة تريد أن تساعد أولادها بدروسهم كما تريد الاعتماد على نفسها “لا أستطيع التنقل بحرية فانا لا أعرف قراءة ما هو مكتوب على وسائل النقل العامة أو اتجاهاتها حين أتعلم القراءة فإنني سأتمكن على الأقل من الذهاب حيث أريد دون مساعدة أحد”.

أسباب كثيرة منها الحرب والفقر أو العادات البالية حرمت الكثير من الفتيات من حقهن في التعليم، قد تتمكن ريما من الالتحاق بالمدرسة العام القادم وقد تتمكن سمر من محو اميتها لكن من سيعيد لهما طفولتهما المسروقة؟!

نور ابراهيم

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *