السويداء : صناعة النبيذ مستمرة رغم الحرب
وجدَ النبيذ المُعد في البيوت الجبلية رواجاً كبيراً ضمن السويداء، لينقلها بعضهم إلى المحافظات الأخرى بنجاح كبير، متجاوزون كل العوائق، ومنهم من راح يبتكر أصنافاً غير معهودة من قبل، لينعكس هذا إيجاباً على شجرة العنب والمزارع في الآونة الأخيرة.
أهم ما في هذه الحرفة القديمة الحديثة أن أصحابها يؤمنون بعدد العمال الكبير الذي يطرح البركة، ويؤمن مورداً مادياً مهماً للكثير من العائلات والفلاحين الذين وجدوا في بيع محصولهم لصانعي النبيذ، فرصة التعويض عن الخيبات الكبيرة التي تلقوها خلال سنوات عديدة من الحرب والأسعار المنخفضة.
الإعداد المنزلي اليدوي للنبيذ..
يقول حسين حسون المشهور على مستوى السويداء بابتكاراته العلاجية المعتمدة على الأعشاب الطبيعية، وصاحب ورشة لصناعة النبيذ ” إنّ جميع أنواع العنب المنتج محلياً يصلح لكي يتحول إلى نبيذ ذو طعم ولون ومذاق خاص بكل واحد على حِدىً. وأهم ميزات إنتاج النبيذ المنزلي أنه يعتمد بالدرجة الأولى على الإنسان، ولا تتدخل الآلات في طبخه إلا آلات بسيطة لا تؤثر على المردود، وهذا الأمر يعطيه خاصية المذاق الأصلي.”
شاهد بالفيديو : صناعة دبس العنب بالسويداء تقليد سنوي يتوارثه الأبناء عن الأجداد
ويكمل “إنّ أول وأهم خطوة تبدأ من كروم الفلاحين. وقبل القطف بكثير، يشترط صانع النبيذ الناجح على المزارع عدم رشّ المحصول بأي نوع من أنواع المبيدات. وخاصة (الخفان) الذي لا يمكن أن يخرج تأثيره من قلب الحبة بسهولة، ويؤثر على صحة الإنسان ومذاق النبيذ.”
ويتابع “بعد القطف والتحميل، يبدأ دور العمال في فرط العنب بالحبّة مهما كانت الكمية كبيرة. فإذا أردت نبيذاً صافياً ينفع الجسم وينعش الروح، عليك أن تتعب حتى تناله. وبعد الفرط يأتي دور العصر. وهناك خيارات كثيرة، فأنا أستخدم العصر بالأيدي، وغيري يستخدم الخلاطات. وفي المعامل الكبرى هناك آلات خاصة لذلك، ولكنها تعصر مع (العراميش) ولا ينقى العنب. وفي فرنسا مثلاً يستخدمون الأرجل بطقوس محببة، ولديهم مسابقات وجوائز لأفضل نبيذ!”
لينهي وصفه “يوضع العصير في براميل خاصة أو مراجل حسب المتوافر، ويُخزن في مكان خاص لا تدخله الشمس والضوء، ولا أيّة عوامل خارجية، ضمن درجة حرارة تبدأ بسبع وثلاثين درجة للنبيذ الحلو، حتى يحصل على الحلاوة الكاملة. بينما تكون درجة حرارة الغرفة أو المخزن مناسبة للنبيذ المزّ.”
من تجربة منزلية إلى الصناعة التجارية
الصدفة قادت الحرفي زياد الشومري نحو صناعة النبيذ. بعد أن التقى زياد بتاجر نبيذ، وعرف الأخير أن زياد من قرية يعمل معظم أهلها بزراعة العنب، فطلب منه تأمين بضع لترات لمقصفه (منتزهه) الصغير، الذي يرتاده زوار من مختلف المحافظات السورية، وكان والده يعمل في صناعة هذه المادة للاستهلاك الشخصي من إنتاج كرمه الصغير، وعندما أثنى التاجر على المنتج، وكذلك الذين تذوقوا النبيذ، أصبح يطلبه بشكل خاص كل فترة.
شاهد بالفيديو : صناعة العنب في السويداء : أغلب إنتاج العنب يتحول لصناعات غذائية كمصدر دخل رئيسي لأهالي المحافظة
قرر الشومري في العام التالي زيادة الكميات التي بدأ ينتجها مع والده، فلاقت رواجاً، وإقبالاً
لم يكن يتوقعه. فجهز الخزانات الكبيرة في الموسم الذي يليه، وتعاقد مع عدد من المزارعين المنتجين للعنب الأسود، وبدأ العمل الفعلي لنبيذ حبران.
يقول الشومري عن مراحل صناعة النبيذ المتخصص بإنتاجه “تبدأ العملية بتجفيف العنب الأسود لعدة أيام تحت أشعة الشمس. ثم نقوم بوضعه في خزانات كبيرة من أجل عملية التخمير التي تستمر لمدة عشرين يوماً تقريباً لإنتاج النبيذ المز. وعشرة أيام لإنتاج النبيذ الحلو. وهو مرغوب بشكل كبير نظراً لمذاقه السلس والحلو. وبعد عملية التخمير نقوم بالعصر عن طريق ماكينات خاصة للعصر. وهي العملية الأصعب في مراحل الإنتاج، والتي كانت عبئاً علينا قبل استخدام الآلات. أما الآن فأصبح الأمر سهلاً وذو إنتاجية أكبر. بعدها نضع العصير في خزانات خاصة من أجل التصفية، وعلى عدة مراحل حتى تتم عملية التعبئة في مكان خاص، وبزجاجات خاصة لمنتجاتنا.”
نلاحظ في عمل الشومري أنّه اتجه نحو التصنيع التجاري البعيد عن العادات المتبعة في السويداء، ومع ذلك لاقى منتجه الكثير من الزبائن. واستطاع خلال ثلاث سنوات أن ينتج أكثر من 15000 ليتر، ما يزيد عن إنتاج معمل الريان بقليل.
قصة “زياد الشومري”.. تحويل النبيذ إلى صناعةٍ احترافية
حفزّت تجربة الشومري عددا كبيرا من المزارعين على الاهتمام بزراعة الكرمة مجددا، لتظهر مزارع مخصصة للنبيذ في بلدة عرى والبثينة. ويشار إلى أن الكرمة تحتل زراعتها المرتبة الثانية بعد التفاح في مدينة السويداء، حيث تنتشر زراعتها على ارتفاعات مختلفة وهي من أقدم الزراعات على مساحة المحافظة.
شامر شبلي أبو نجم