أخبار

الشبان في مناطق التسويات جنوب سورية … سوق نحو الموت

أعلنت حواجز النظام السوري عن انتهاء المدة المسموح بها لمرور حاملي بطاقات التسوية تحت طائلة الحجز للمطلوبين سابقاً والاقتياد للخدمة العسكرية للمتخلفين عن موعد الالتحاق، وقد ألغى نظام الأسد تسوية أكثر من 350 شاباً من أبناء وادي بردى تحديداً والمئات من بلدات ومدن الغوطة لرفضهم الانخراط ضمن ميليشياته التي تقاتل في الشمال السوري؛ فيعمد إلى إلغاء التسوية التي تم عقدها بين فصائل المعارضة والنظام بين حين وآخر من باب الضغط عليهم ليكون مآلهم إلى الهرب بطرق خطرة إلى خارج سورية أو الاعتقال التعسفي في حال المرور على حواجز النظام أو الانضمام الاضطراري في صفوف مليشيات حزب الله والمليشيات الإيرانية التي تعطيه حصانة ضد اعتقال النظام له.

تعيش المدن والبلدات في الجنوب السوري حالة من التوتر الشديد وسط استنفار أمني مكثف من قبل النظام وثوار المنطقة الذين يخشون بدء حملات الدهم والاعتقالات بحقهم بعد انتهاء فعالية التسوية الممنوحة في نهاية ٢٠١٨، وذلك بعد استِعار الأفرع الأمنية وشن حملات اعتقال للشبان المتخلفين عن الجيش في ورشات العمل والمناطق الصناعية حيث تم اعتقال العشرات من أبناء ريف دمشق الغربي بتاريخ 29 شباط 2020 ممن يعملون في أعمال البناء بمدينة داريا، مما أدى إلى استنفار من طرف الثوار الذين استنكروا هذا العمل ونقض النظام لكافة الاتفاقيات السابقة إضافة لقيام دوريات تابعة لفرع أمن الدولة باعتقال المسؤول المباشر عن الملف الأمني لمدينة دوما في الغوطة الشرقية، يوم الثلاثاء 18 شباط وأكثر من 25 شاب من أبناء المدينة.

يرى النشطاء ومراقبو المنطقة أن السبب وراء هذه الحملات هو إظهار القوة العسكرية المتهتّكة بسبب إرسال القسم الأكبر من قوات النظام نحو الشمال السوري وانكساراتهم نتيجة حربهم مع تركيا، ويعتقد الكثير بأن هذه التحركات هي فقط لإيهام الجنوب أن النظام قوي وقادر على الرد فيعمد لتلك الأفعال الاستفزازية استباقاً لاقتحام الجنوب والبدء بعملياته العسكرية تزامناً مع الشمال ، الأمر الذي يتسبب بكارثة وانهيار كبير في صفوفه.

شريف الأحمد (اسم مستعار لأحد قادة الجيش الحر في الغوطة سابقاً) يقول لموقع “أنا إنسان ” : “إن استخبارات النظام ألغت قبل أيام تسوية أوضاع مئات الشباب من أبناء قرى غوطتي دمشق، بعد ثلاثة أعوام من خضوعهم لعمليات التسوية بموجب الاتفاق على تهجير الفصائل العسكرية ورافضي التسوية نحو الشمال السوري”.

شاهد بالفيديو :ماذا يقصد الأسد بـ”إعادة تأهيل” أبناء مناطق “التسويات”؟

ويعتقد شريف أن هذه الخطوة اتُّخِذت كرد فعل على خلفية توجيه اتهامات للشبان بقتالهم ضمن تنظيم جبهة النصرة سابقاً ” ويضيف ” إنها ذريعة باتت مكشوفة وغير مقنعة، فالسبب الرئيس هو الانفلات الأمني الذي يخشى النظام أن يزداد ويتسبب بانهيارات غير محسوبة خاصةً أن عمليات الاغتيال أصبحت تطال مواقع وشخصيات حساسة في قلب العاصمة دمشق وكان آخرها قبل أيام وبرقم قياسي حيث بلغت ثلاث عمليات متتالية في أقل من ست ساعات بمناطق حساسة إحداها بالقرب من ساحة الأمويين، ويعتقد النظام أن هذه العمليات لا يمكن تنفيذُها إلا بيد هؤلاء الشباب الذين كان لهم باع طويل في الثورة واكتسبوا الخبرات الكافية في القتال والمناورة “.

 وقد أرسلت الأفرع الأمنية قوائم تضم أسماء الشبان المرفوضة والمنتهية تسويتهم إلى لجنة المصالحة في وادي بردى، والذين بدورهم سلّموها لمخاتير البلدات الذين تولوا تبليغ أصحابها، مطالبة الشبان بتسليم أنفسهم للأفرع الأمنية خلال أسبوع واحد، تحت طائلة الملاحقة الأمنية والاعتقال بحسب نشطاء يعملون سرّا في المنطقة.

وأشار الناشطون إلى أن أسماء الشبان المرفوضة تسويتهم، توزعت بحسب إحصائيات محلّية على قرابة 100 شاب من أبناء بلدة كفير الزيت، و 80 شاباً من أبناء دير قانون، و 50 شاباً من أبناء دير مقرن، فيما توزعت بقية الأسماء على قرى متفرقة من وادي بردى بريف دمشق بالإضافة لمئات الشباب من قرى أخرى كقرى زاكية وكناكر وبيت جن ودير ماكر وقرى محافظة القنيطرة وقد اتهمت عدداً من الشبان الواردة أسماؤهم ضمن قوائم رفض التسوية بالتخطيط لتنفيذ عمليات تفجير واغتيال لشخصيات مقربة من النظام بالتنسيق مع فصائل الثوار شمالي سورية.

إنّ هذه الأحداث تشير إلى كارثة اجتماعية مرتقبة، إذ إن أغلب الشباب يعملون في القطاع الخاص خارج بلادهم ضمن المعامل وأعمال المهن اليدوية وخاصة أبناء القرى وأكثرهم متخلّفون عن الخدمة العسكرية كانوا يتنقّلون على حواجز النظام بموجب التسوية التي توفّر لهم تأجيلاً لالتحاقهم لمدة سنة من الحصول عليها؛ فالكثير اليوم قد أصبحَ عاطلاً عن العمل وقد تتوقف معامل كثيرة لعدم توافر العمّال، ناهيك عن الغلاء المعيشي الذي يعاني منه الشعب السوري ككل بعد ثبات سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الواحد نحواً من 1000 ليرة، ما سبق يدفع الآلاف من أبناء الجنوب السوري إلى الهجرة خارج الحدود السورية والتعرّض للمخاطر والمهالك في رحلة الهجرة غير الشرعية تلك بغية الخلاص من ملاحقة النظام .

أبو شادي (عضو إحدى لجان المصالحة في الجنوب السوري) ذكر لموقع أنا إنسان: “إن الكثير من الحواجز فرضوا مبالغ مالية تتراوح بين 15 إلى 25 ألف ليرة سورية مقابل تسهيل عمليات عبور المارّة دون إخضاعهم للتفتيش الأمني كعملية سرقة وتشليح جديدة لأموال الناس لا سيّما أن دائرة التجنيد العام أصدرت منذ بداية العام الجاري قوائم تضم الآلاف من أبناء ريف دمشق مطلوبين لأداء الخدمة الإلزامية والاحتياطية”.

وصرّح أبو شادي أنه خلال العام 2019 شهدت دمشق وريفها أكثر من 1400 حالة اعتقال قسري، بينهم عدد كبير من عناصر وقادة سابقين في الجيش الحر ومطلوبين لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، إضافة لعدد من المطلوبين في قضايا جنائية مختلفة ملفّقه عليهم إلى جانب نساء جرى اعتقالهن على خلفية اتصالات هاتفية أجرينها مع ذويهن القاطنين في مناطق الثوار شمال سورية.

وفي سياق متّصل فقد كان لأبي شادي رأي مختلف في سبب هذه الحملات الأمنية والاعتقالات وتكشير النظام عن أنيابه – بحد وصفه – ويعزي تلك الأفعال لسبب رفض مئات الشخصيات المطلوبة للنظام عروضاً قُدّمت إليهم مؤخراً تضمن بعضها تأمين خروجهم إلى خارج سورية ويتم دفع التكاليف من النظام وتأمين اللجوء لأي دولة يتم اختيارها مسبقاً وأخرى بتقديم مبالغ كبيرة تصل ل٣٠ ألف دولار لكل شخصية مقابل التخلّي عن سلاحها والتزام الحياة المدنية ، وهذه الشخصيات هي التي تكون بارزة وتتصدّى عادةً لانتهاكات النظام في القرى والبلدات، وبذلك يتم إفراغ المناطق من الشبان الذين يملكون جرأة القيام بهذه الأفعال ويقدرون على التفاف المجتمع المدني من حولهم .

 

أمير القاسم

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *