العالم الافتراضي بيوت بلا جدران
لعبت شبكة الانترنت دورا مهما في الحصول على المعرفة وغيّرت شكل التواصل بين البشر، إذ أنها قدمت المعلومات للجميع دون استثناء وزادت الفرصة للحصول على المعرفة في كافة المجالات.
من جانب آخر، وفّرت الشبكة فرص عمل جديدة لأصحاب المواهب والمهارات، وجعلت أوضاعهم المعيشية تتحسن مع افتتاح المتاجر الالكترونيّة، كما قرّبت المسافات وخلقت آليات جديدة للتواصل جعلت الناس أكثر ترابطا وانسجاما ووحدت آراء العالم حول قضايا انسانيّة كثيرة في شتّى بقاع الارض.
وكانت الشبكة منبرا ووسيلة لإيصال صوت المضّطهدين الذين يرغبون في التعبير عن آرائهم وكسب المزيد من المؤيدين لقضاياهم العادلة.
من ناحية أخرى، أعطت الفرص للترفيه المجاني للجميع من كتب والعاب والعروض الحية ومقاطع الفيديو ووفرت أموالا كثيرة في الحصول على الخدمات.
بالنسبة للسوريين، لم يدخل الانترنت إليهم حتى أوائل الألفية الجديدة وقيد استخدامهم للشبكة الكثير من المعوقات أبرزها سيطرة الحكومة على كل ما يدخل إلى سوريا، لكن هذا لم يدم فقد انفتح السوريين على استخدام الانترنت بعد الثورة لإيصال صوتهم إلى العالم.
الانترنيت والانفتاح على العالم بعد الثورة
الدكتور محمود الحسن المستشار الاسري والباحث الاجتماعي يرى أنّ الانترنيت لا يمكن أن يكون بديلا عن الواقع. يقول الدكتور محمود: “قد تكون هناك أمور نبحث عنها في الواقع ولا نستطيع الحصول على أجوبة عليها مثل المعرفة والثقافة لذلك يساعد هذا العالم الافتراضي الذي أصبح مصدرا للثقافة وبنكا للمعلومات في الحصول عليها، كذلك يرى البعض هذا العالم فرصة لإعطائه فسحة للترفيه لا يجدها في الواقع.
بالنسبة للسوريين كان وجود الانترنت محدودا جدا فمع دخوله إلى سوريا نهاية التسعينات وحتى الألفين كان يخضع لقيود عديدة، ولم يكن الجوال موجودا وعندما سمح به كان ذلك ضمن قيود وشروط مشدّدة ومراقبة استخباراتية شديدة، ويحاسب كل شخص يتجاوز الخطوط الحمراء الموضوعة من قبل الجهات الأمنية.
أزالت الثورة كل الخطوط الحمراء، وأصبح مصدر الانترنت في معظم المناطق المحررة البث الفضائي المفتوح على مصراعيه بما يحمل معه من فائدة وأضرار إذا لم يلتزم المستخدم بحدود ومعاير معينة وتم الانفتاح على العالم بقوة.
يتابع الدكتور الحسن كلامه بالحديث عن منافع وأضرار الانترنت إذا لم يكن له متابعة من قبل الأهل أو الأشخاص المسؤولين عن صالات النت التي يرتداها الشباب من مختلف الأعمار.
يقول الدكتور الحسن: “بسبب الظّروف التي يعيشها السوريين هناك افتقاد لكل معلومات الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة حتى النفسيّة، لكن هذا العالم الافتراضي يحقق جزءا من هذا الافتقاد”.
من جانب آخر، يحاول البعض التعويض عن الفراغ الاجتماعي الذي سببه النزوح والهجرة من خلال الانترنيت، فأصبح هذا العالم الافتراضي حل لكثير من قضايا السوريين ووسيلة التواصل المثلى بين العائلات السوريّة.
لكن ترافق استخدام الانترنت بظاهرة جديدة هي الإدمان، إذ يمضي العديد من السوريين جلّ نهارهم يمسكون أجهزتهم وهواتفهم المحمولة، يؤكّد الدكتور محمود أنّ حالة الإدمان التي يعيشها الكثيرون لا يمكن إيجاد حلّ لها إلا عبر إيجاد نشاطات جديدة تشغل الشباب لتكون بديلا عن الساعات الطويلة التي يقضونها، المشكلة الأكبر ممن وجهة نظره انعدام الأمان والاستقرار الذي يمنع وجود مراكز وتجمعات ثقافية واجتماعية.
لكنّ إيجابيات العالم الافتراضي كثيرة، فالواتس آب على سبيل المثال تحول لما يشبه بيت العائلة الذي تتبادل فيه الأسرة الواحدة أخبارها اليومية وصورها وأحداث حياتها بكل جزئيّاتها لصرف شعور الغربة التي يعيشها السوريّون المشتّتون في مختلف أصقاع العالم، وانتشرت المجموعات التي سميت بأسماء مختلفة مثل “حبايب” “راجعين” و “غربة وطن” وغيرها من التسميات التي تبعث الأمل في نفوس السورييّن بأنّ هذا العالم الافتراضي سيرجع يوما ليكون منزلا من جدران وسقف.
مرام الشمالي