أخبار

المسلخ يقتلنا في لبنان .. ليست الكورونا !

يعيش 330 شخص من اللاجئين السوريين، معظمهم من الأطفال والنساء، في مخيم 019 في سهل سعدنايل بالبقاع الأوسط في لبنان، بأوضاع صحيّة سيئة للغاية، نتيجة الدماء والمخلفات التي يسلطها مسلخ لذبح الأبقار بجانب المخيم.

الطفل جميل

“جميل” هو اسم الطفل الذي احتضنته في زيارتي الأسبوع الماضي للمخيم، عمره أشهر معدودة، جبينه مجروح إثر عضّة لجرذون، نهشه في عتمة الليل وهو نائم بحضن أمه. وذلك لأن الموضوع فوق السيطرة، فالجراذين تقتحم المخيم بكثرة، وتحفر الإسمنت وتخرج من الأرضيّة، لتتجول داخل الخيم وتعبث في الممتلكات وأجساد الأهالي..

ليس جميل وحسب، بل منذ شهرين أُصيب سبعة أطفال في ليلة واحدة جراء مهاجمة الجرذان للخيم.

لم تقتصر أضرار المسلخ ومخلفاته على انتشار الجراذين، بل عندما تمطر، تنتشر الديدان البيضاء بشكل مخيف لتدخل الخيم وترعب الأهالي الذين لم يتركوا شيء للقضاء عليها، من منظفات ومبيدات ومعقمات، ولكن عبث دون جدوى!

يعاني أهالي المخيم من الأمراض التنفسية بشكل مستمر وخاصّة الربو والتهاب الرئتين، بسبب الروائح الكريهة المنبعثة من المسلخ وبقايا الذبائح والدم الفاسد. بالإضافة لوجود ثلاث حالات من السرطان (حالة سرطان في الدم، والثانية في الرئة، والثالثة في الرقبة والثدي).

مخلفات المسلخ جانب المخيم

تتزايد حالة الرعب والخوف بين سكان المخيم، فالأمراض والأوبئة والفيروسات لا ترحمهم رغم استخدامهم الدائم للمعقمات والمنظفات، علاوة على أنّ أطفالهم في خطر حقيقي ملازم، ولا حلّ أمامهم سوى إعطائهم (أبر الكزاز) خشية أن يتفشى بينهم مرض الطاعون.

بنى اللاجئون هذا المخيم قبل سبع سنوات، ولم يكونوا يعلموا مدى خطورة المسلخ عليهم، وخاصة أنّ المسلخ يعمل في الخفاء، حيث أنّه يقوم بذبح الذبائح في ساعات الليل، ويفتح الدماء على البساتين المجاورة والمخيم. ولكن عندما اكتشفوا هذا الأمر، قاموا بتبليغ المفوضية والمجلس النرويجي ومنظمة أطباء بلا حدود وغيرهم من الجهات مباشرة. زارت تلك الجهات المخيم ولم تقم بأيّة خطوة غير الكشف عليه.

 لم يسكت أهالي المخيم عن السعي لإنقاذ أرواحهم، فأوصلوا صوتهم لوزير الصحة السابق “وائل أبو فاعور” قبل ثلاث سنوات، وقامت بعدها وزارة الصحة بإغلاق المسلخ بالشمع الأحمر، ولكنّ صاحبه ذو “واسطة قويّة” كما يصفها أهالي المخيم، وعاود عمله في المسلخ بعد أسابيع قليلة دون أن يكون له رادع قانوني أو غيره.

 استمرّ الأهالي بالشكاوى ولكن دون جدوى، وصاحب الأرض المبني فيها مخيمهم، دائماً ما يحدّهم من ذلك، خشية منه على صاحب المسلخ أن ينقطع رزقه، ولكي يتجنب الصدام المباشر مع جاره.!

يؤكد أهل المخيم أنّ ما يحدث لهم يعدّ جريمة كُبرى، ولا حلول أمامهم، سوى مناشدة السلطة عن طريق وسائل الإعلام، لعلّها تتخذ إجراءات مباشرة تحميهم.

فصاحب المسلخ يقوم بإجراءات الذبح في الليل، ويحبس الدماء في خزان معدني صغير لبعض الوقت، ثم يفتح الخزّان على الساقية، ما يزيد من خطورة الوضع حالياً في الشتاء، وهو أسوء في الصيف.

 أصحاب الأراضي المجاورة، في هذه الفترة من السنة، يغلقون الساقية التي تتجمع فيها المياه وتجري بين الأراضي، ويمنعون تجمع المياه فيها، لأن الأمطار تروي البساتين بشكل مباشر.

وعدم جريان الماء في الساقية، يراكم النفايات والدماء الفاسدة والجراذين والديدان، ويزيد من انبعاث الروائح القاتلة.

ولا يستطيع الأهالي نقل مخيمهم إلى مكان آخر، لأنّ هذا ممنوع من قبل أمن الدولة بسبب القوانين.

يدفع أهالي المخيم 800 ألف ل.ل ما يعادل 550$ بشكل سنوي، بالإضافة لوجود مرتبات شهرية لاشتراكات الكهرباء وبدل شراء الماء… كما وأنّه منذ أشهر صدرت قوانين جديدة، تضمنت دفع أصحاب الأراضي المبنية عليها المخيمات، لدفع ضرائب، فقام هؤلاء بتقسيم المبلغ على اللاجئين الذين يقطنون الخيم، والمبلغ في هذا المخيم يعادل 600$ عن كلّ خيمة، والذي يبلغ عدد خيمه 53 خيمة.  

لا أرض ولا سماء تتسع للاجئين في لبنان، خاصة أهالي هذا المخيم، فمنذ أشهر تتدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير في لبنان، مع ارتفاع أسعار صرف الدولار الأميركي أمام الليرة اللبنانية، ومع انعدام المساعدات التي كانت تقدمها المفوضية لجزء ضئيل من اللاجئين، بالتوازي مع القوانين الصارمة التي تفرضها الدولة اللبنانية على اللاجئين بمنعهم من العمل، والمبالغ والأوراق القانونية التي تتطلب حصولهم على إقامات نظامية. وبظلّ تبخُّر المساعدات التي كانت تقدمها بعض المنظمات. وبالتالي فمؤشرات الوضع الصحي للاجئين بخطر حقيقي مع وجود كلّ العوامل السيئة من قلّة الغذاء والدواء والطبابة.

الآن ومع انتشار الوباء العالمي ” الكورونا” ووصوله إلى لبنان، يُحمّل سكان هذا المخيم، كامل المسؤولية بحياتهم المهددة بالخطر، لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووزارة الصحة اللبنانية بالدرجة الأولى، ولجميع المنظمات الدولية والمحليّة القادرة على اتخاذ الإجراءات لإنقاذ حياتهم.

الجدير بالذكر أنّ أهالي هذا المخيم، ينحدرون من منطقة أبو الضهور بريف ادلب، ولا يستطيعون العودة إليها، بسبب ظروف الحرب والدمار التي تعيشها تلك المنطقة منذ سنوات حتى اللحظة.

 

مزنة الزهوري

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *