تزوير الشهادات الجامعية ينتشر في المناطق المحررة
نهى الحسن
استطاع “سعيد الأصفر” الطالب في السنة الثانية – كلية الآداب في “إدلب” الحصول على شهادة جامعية مزورة بكل سهولة من مكتب التزوير في قريته “جرجناز” بعدما اضطر لترك دراسته في الجامعة قبل التخرج، خوفاً من الملاحقات الأمنية التي استهدفت طلاب إدلب، وأملاً منه في الحصول على وظيفة بموجب تلك الشهادة، تمكنه من تحقيق مستقبل أفضل، سيما وأن الحصول على شهادة جامعية أصبح مطلباً أساسياً لدى معظم شواغر العمل.
تزوير الشهادات الجامعية والوثائق الرسمية أصبح ظاهرة مع تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا، واستمرار وتيرة الحرب التي دفعت الكثير من الطلاب لترك جامعاتهم قبل التخرج؛ خوفاً من الاعتقالات العشوائية التي تطال طلاب الجامعات، ولذلك تنشط في المناطق المحررة تجارة تزوير وبيع الشهادات الجامعية والمدرسية بشكل علني؛ وفي وضح النهار تحت تسميات تمويهية مختلفة تدعي تقديم الخدمة للسوريين، فبات الحصول على شهادة دراسة جامعية وبأي اختصاص ممكناً جداً مقابل القليل من المال.
وتسبب الوثائق المزورة الكثير من المخاطر، ولاسيما تزوير الشهادات لغرض التعليم، الأمر الذي يؤدي إلى هدم العملية التعليمية وتدمير الأجيال، والمشكلة الكبرى تكمن في أن هناك من يقصدون التزوير ولا يحملون الشهادة الثانوية، ويتجه معظمهم للتدريس، ما يساهم في تدني مستوى التعليم أيضاً.
فضلًا عن أن هؤلاء الذين يزورون الشهادات ويحصلون على وظائف؛ يسرقون جهد غيرهم ممن وصل إلى السنة الرابعة أو التخرج ولم يستطع الحصول على وثيقة التخرج.
فالطالبة “آمنة اليوسف” التي تخرجت من كلية التربية بعد تحرير “إدلب” عام ٢٠١٥، بقيت دون مصدقة تخرج بسبب منع أهلها لها من السفر إلى مناطق النظام لاستلامها خوفا عليها من الحواجز الأمنية المكثفة الممتدة على طول الطريق، فبدأت بالعمل التطوعي في مدارس ورياض الأطفال في مدينتها “معرة النعمان”، وعند تفعيل مديرية التربية الحرة تم إبعادها عن العمل لأنها لا تملك مصدقة تخرج، في حين أن فتاة أخرى تدعى “علا” لا تملك سوى شهادة ثانوية عامة، ولكنها استطاعت أن تحصل على وظيفة معلمة صف في التربية الحرة، بعدما زورت شهادة من أحد مكاتب التزوير المنتشرة في المنطقة، وتتقاضى حالياً راتباً بقيمة ١٢٠ دولار أمريكياً في الشهر.
من ناحية أخرى، كان طلاب السنوات الأخيرة في الجامعة، الذين فقدوا حقهم في التخرج خلال الثورة، الأكثر إقبالاً على مكاتب التزوير. فـ”محمود قوصرة” الطالب في السنة الرابعة بكلية العلوم في “حلب” اضطر لترك دراسته في الجامعة والهرب من مناطق النظام بعدما اعتقل عدد من زملائه في الجامعة من قبل الأجهزة الأمنية، ولأنه لم يتمكن من استخراج كشف علامات كون ذلك يتطلب حضور الشخص أو بموجب وكالة، فإنه لجأ إلى أحد مكاتب التزوير، وحصل على وثيقة استطاع بموجبها الحصول على وظيفة مع إحدى المنظمات الإغاثية براتب جيد، مستغلاً عدم قدرة تلك المنظمات على كشف التزوير.
ولم يقتصر تزوير الشهادات للعمل فقط في مجال التربية والتعليم أو منظمات الإغاثة، بل تعداه إلى ما هو أخطر من ذلك، حيث لجأ البعض من ضعاف النفوس إلى تزوير شهادات الطب والصيدلة كونها أكثر ربحاً، مستخفين بحياة الناس؛ ليتحول العمل في هذه المهنة الحساسة التي قد يؤدي الخطأ فيها إلى الموت إلى وسيلة للربح السريع، فباتت الصيدليات أشبه بدكاكين السمانة، وأصبح عدد الصيدليات المخالفة في كل قرية يفوق عدد الصيدليات النظامية، وعمالها من الأعمار صغيرة وخبرة دوائية ضعيفة.
“أم حسام” من ريف إدلب، كادت أن تفقد ابنها حسام (٣ سنوات) بسبب أحد الأخطاء الطبية، وذلك بعد أن أعطاها أحد العمال في الصيدلية دواء للربو على أنه مضاد لالتهاب الأمعاء، وعند إسعافه إلى المشفى اكتشف الطبيب الخطأ وقام بالإسعافات اللازمة وسط تأنيب شديد اللهجة من قبل الطبيب للأم؛ لثقتها بهؤلاء الأشخاص الذين يدعون أنهم صيادلة.
ويعرف في محافظة “إدلب” ثلاثة مكاتب رئيسية لتزوير الوثائق في بلدات “سرمدا”، و”الدانا”، و”جرجناز”، وتتقاضى مكاتب التزوير تلك أسعاراً مختلفة حسب نوع الوثيقة المراد تزويرها، حيث تبلغ قيمة شهادة المعهد ٥٠ دولاراً، و١٠٠ دولار للشهادات الجامعية، و١٥٠ دولاراً لكشف العلامات، كما يتم أيضاً تزوير لوحات السيارات، ومختلف الأوراق الثبوتية، ودفاتر العائلة، والهويات الشخصية وجوازات السفر.
فأبو عبدو من ريف إدلب معيل لعشرة أولاد، كان دخله المحدود لا يكفي لسد مصروف البيت، فقام بتزوير هوية شخصية في أحد مكاتب التزوير باسم مستعار من مواليد ريف دمشق بغية الحصول على معونات غذائية من المجلس المحلي في بلدته، سيما وأن المجلس يوزع المعونات الشهرية للنازحين والمهجرين فقط.
“علي الشردوب” عضو مجلس محلي في ريف إدلب انتقد ظاهرة التزوير بشدة قائلاً: «نتأسف على هؤلاء المزورين الذين يعملون علانية، ودون حياء تحت ستار تسيير الأعمال دون التفكير بمخاطر هذه الظاهرة، وما قد يترتب عليها من آثار على المدى القريب والبعيد، في ظل غياب الجهات التي يجب أن تردعهم وتكافح تلك الظاهرة الخطيرة التي تسمح في كثير من الأحيان بوصول جهلة إلى مراتب وظيفية وإدارية مختلفة».