أخبار

في ادلب … لا ميراث للمرأة

هاديا منصور

لم تعد هيفاء الحسين (32عاماً) تحتمل الفقر المدقع الذي تعيشه مع أبنائها بينما يتنعم أخوتها بحقها في الميراث والذي حرمت منه دون استشارتها حتى ، فما كان منها إلا قررت أخيراً المطالبة بحقها واللجوء إلى المحاكم بغية تحصيله .

برزت ظاهرة حرمان المرأة من الميراث في الشمال السوري سيما الريفي منه بشكل كبير، نتيجة الموروث الثقافي والسيطرة الذكورية التي تنظر للمرأة على اعتبار أن لا قيمة لها ولا يحق لها أن ترث شيئاً من تركة الأب التي هي بنظرهم حكراً للذكور فقط ، وهو ما تسبب بخلافات أسرية ونزاعات نشبت بين الأشقاء سيما بعد انطلاق الثورة السورية.

تقول هيفاء موضحة حاجتها لتحصيل حقها في الميراث ” لطالما تغاضيت عن سلب حقي الذي راح لأخوتي الذكور ، ربما لأنني لم أكن بحاجة إليه   حين كان زوجي على قيد الحياة ، فقد كان يؤمن لنا حاجياتنا دونما تقصير، أما وأنني اليوم قد فقدته في إحدى الغارات الجوية على قريتي كنصفرة وبت بحاجة إلى من ينفق علي وعلى أولادي فلم يعد أمامي إلا المطالبة بحقي ، وخاصة وأن أخوتي لا يتذكرونني بأي نفقة” ، لجأت هيفاء لمحاكم منطقتها بغية تحصيل  حقها بعد أن رفض أخوتها تعويضها ، وهي اليوم تتكرر زيارتها وأخوتها للمحكمة من أجل حل مشكلتها ، الأمر الذي أدى لشقاق كبير بينها وبين أخوتها الذين نقموا عليها جراء الأمر.

هيفاء التي قررت الحصول على حقها مهما كانت النتائج تختلف عما تفكر به الكثيرات غيرها واللواتي ينتابهن الخوف من المطالبة بحقهن أو التعبير عن الظلم الواقع عليهن  والذي يأتي نتيجة التهديد المباشر أو غير المباشر من الأخوة أو المحيط الأسري للنساء هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن النساء يفكرن بعاطفتهن لذا يجدن أنفسهن أمام خيار صعب ، فإما اختيار طريق المحاكم وهذا يعني تخلي أسرهن عنهن وحدوث شرخ في العائلة ، وإما التخلي عن حقهن رغم شعورهن بالظلم مقابل أن يبقين في ظل حماية اجتماعية .

أمية العوض (40عاماً) فضلت التخلي عن إرثها مقابل عدم خسارتها لأخوتها الذين كان من الممكن أن تخسرهم مدى الحياة إن هي طالبت بحقها حيث تقول” اعتدنا نحن النساء أن نرضى بما يعطيه لنا أخوتنا دون تردد ، إنها عاداتنا وتقاليدنا التي تحكم حياتنا” وتستطرق قائلة ” ربما كانوا على حق فلا يجب أن تذهب تركة الأب إلى الغرباء”.

من جهته يعلق المجاز في علم الفلسفة أيمن الطراف (35عاماً) على كلام أمية قائلاً إن “تفكير أمية بهذه الطريقة يعكس السبب الحقيقي الذي جعل العرف والتقاليد أقوى حجة من الشرع والقانون وهو انتشار الأمية بأنماطها المعروفة في أريافنا الثقافية منها والاجتماعية والاقتصادية والقانونية ، ما ساهم في تكريس هذا العرف وأدى للتسلط الذكوري وهيمنته على مستقبل ومصير المرأة بما في ذلك ارثها واعتبارها المخلوق الأضعف الذي لا يحق له أن يرث أو يتملك” ، ومن هنا يطالب الطراف بأن تطالب كل امرأة بحقها دون تردد ، وعندها سيكون لها كيانها وحقها الذي لا يمكن لأحد أن يتجاهله.

رانيا الحموي (38عاماً)كانت ضحية التسلط الذكوري لدرجة أنها منعت من الزواج ، والسبب كما يراه أهلها هو الخوف من ضياع الحقوق والأراضي الزراعية والعقارات وذهابها لعائلة أخرى غريبة ، وهي اليوم تعيش في منزل أخوتها حيث تقول بحسرة ” ليتهم أتاحوا لي فرصة الحظيِ بأن أصبح أماً ، كنت سوف أتنازل لهم عن كل حقوقي ، ذلك أفضل بكثير من أنني بت اليوم خاسرة لكل شيء، لحقي في الميراث ،  ولعائلة كنت سوف أأسسها بنفسي وبالتالي حياة آمنة ومستقرة ” وتضيف بسخرية ” ها أنا أعيش مع أخوتي وأسرهم وأعتني بأولادهم وأعمل على خدمتهم  طوال الوقت دون كلمة شكر حتى فأي ظلم هذا “.

ماذا عن رأي الشرع فيما يخص حرمان المرأة من الميراث ، هذا ما يتحدث عنه الشيخ أيمن كرم (42عاماً) مؤكداً بأن الإسلام كرم المرأة وأعلى من قدرها وشأنها ، وجعل لها في مال أبيها قدراً معلوماً عند موته وهو الميراث ، هذا القدر حدده الله في كتابه الكريم في أكثر من آية ومنها قوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)” فالله عز وجل تولى بيان هذا الأمر بنفسه ولم يجعله لأحد غيره ، إدراكاً منه لما يقع من عباده بسبب أعراف باطلة وثقافات زائفة ممكن أن تؤدي في النهاية إلى حرمان المرأة من هذا الحق المعلوم والمقدر بسبب واهن لا قيمة له من منظور الشرع ، متذرعين بأن المال ينتقل من أبيهم إلى رجل غريب ، ناسين بأن هذا المال جمعه والدهم وهو والد للذكور كما هو والد للإناث” ، ويصف الشيخ كرم بأن هذا الفعل هو ارتداد وجاهلية ، وعلى كل مسلم أن يبدأ بنفسه ويحكم إلى شريعة الله عز وجل حتى تستقر الأمور الاجتماعية ولا يكون بينهم خصومات أو مشاحنات أو منازعات.

لم يكن لحرمان المرأة من الميراث انعكاسات على حياتها الاجتماعية والاقتصادية فحسب ، بل ثمة آثار نفسية مدمرة ممكن أن تعاني منها المرأة جراء حرمانها من الميراث ، هذا ما تبينه المرشدة النفسية والاجتماعية فاتن السويد ( 35عاماً) قائلةً بأن من تداعياته الخطيرة أنه ينشر العداوة والبغضاء بين أفراد الأسرة الواحدة ، ويجعل الأنثى أقل ولاءً لأسرتها ، فهي تشعر بأنها تشغل المكانة الدنيا بالنسبة لتلك العائلة ، كما أن المرأة في هذا المجتمع تحديداً تعاني من مشكلات نفسية تتضمن القلق والتوتر الدائم وفقدان احترام الذات وانخفاض مستوى الشعور بقيمة الذات ومشاعر العجز والإحباط وفقدان الثقة ، والنساء ليست وحدهن من يعاني الآثار السلبية المترتبة على حرمانهن من الميراث ، بل سيمتد آثاره إلى الآخرين حتى لو لم يكونوا طرفاً في الموضوع ، فالأطفال والشباب وخاصة الإناث سيشعرون بالنقص وبالتالي عدم ممارسة حياتهم بفاعلية وكفاءة ، “عدا عن أن المرأة سوف تشعر بظلم كبير من أهلها وربما يتم مقاطعتها لهم أو مقاطعتهم لها بسبب ذلك ، ناهيك عن الضغوط التي تمارس عليها من قبل زوجها وأولادها جراء هذا الأمر ما يخلق حالة توتر وقلق تزيد من حدة المشاكل الاجتماعية والتفكك الأسري” على حد تعبير السويد.

وهي بدورها تقترح العمل على الحد من تلك الظاهرة من خلال تكثيف حملات المساهمة في توعية النساء بحقوقهن القانونية والشرعية ، وإصدار كتيبات ونشرات دورية والقيام بحملات إعلامية ودعوية تبين أحكام الشريعة الإسلامية في قضية ميراث المرأة.

على الرغم مما قاسته وتقاسيه المرأة خلال أعوام الثورة السورية من ترملاً وتيتماً ورعباً وفقداناً ونزوح ، فهنالك من لا يزال يسلبها أبسط حقوقها ، وهذه المرة كانت مظلمتها من أقرب المقربين إليها وهم أخوتها وذويها.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *