مبادرات فردية ..تأخذ على عاتقها تعليم أبناء النازحين
هاديا منصور
هناك بين المئات من الخيم المتراصة في الشمال السوري، حيث يتقاسم النازحين السوريين ذات الهم والمصيبة ،ثمة خيمة ليست ككل خيمة فروادها من الصغار الذين يأتونها حبا بالتعلم ، فيتعلمون فيها القراءة والكتابة بعد ان أجبروا على ترك مدارسهم والنزوح مع عائلاتهم.
في مبادرة فردية هي الأبرز من نوعها أقام عدد من المعلمين خيم تدريسية في مخيمات النازحين السوريين، يعلمون بها الأطفال، دافعهم الأول والأخير هو حب العلم والتعلم، ولتعويض أبناء النازحين ما فاتهم من دراستهم التي حرمتهم الحرب من إكمالها.
المعلم جهاد الأحمد (45عاما)يوضح أسباب مبادرته فيقول لأنا إنسان ”إيمانا منا بضرورة تعليم الأطفال، ولإنشاء جيل لديه الكثير من الإمكانيات العلمية والعقلية، قمت بفتح خيمة تدريسية تضم نحو 120طالب من مختلف الأعمار، ويقسم الطلاب إلى عدة أقسام، حسب الفئات العمرية اعتبارا من الصف الأول الإبتدائي وحتى الصف السادس”، ويضيف الأحمد بأن الإقبال جيد من الطلاب على الخيمة التدريسية، وأنها لاقت استحسانا كبيرا من الأهالي، فيما يشير الأحمد إلى أن المبادرة شخصية وفردية وتفتقر إلى الدعم حيث يقول موضحا الصعوبات ” تواجهني بعملي التدريسي التطوعي هذا نقص في المعدات اللازمة للتدريس ، ونقص في القرطاسية اللازمة للطلاب ،ولكنني أحاول جاهدا تدارك هذه الصعوبات بالإمكانيات البسيطة التي أمتلكها”.
لم يكن المعلم جهاد هو الوحيد المبادر لتعليم أبناء النازحين، بل كانت هناك مبادرة أخرى في مخيم يبعد عشرات الكيلو مترات عن المخيم الأول، صاحب المبادرة يدعى ابراهيم قيطاز (35عاما) يقول لأنا إنسان” تطوعت وبشكل فردي لإعطاء الطلاب الدروس المتنوعة من اللغة العربية ومادة الرياضيات وغيرها من المناهج، ودافعي الوحيد هو إنقاذ هؤلاء الأطفال من براثن الجهل والأمية” ويؤكد القطاز بأن نفسية الطلاب منهكة ومتعبة من الحرب والتهجير ،ولكنه يحاول قدر المستطاع رفع المعنويات لدى الطلاب وتحسين حالتهم النفسية وإعطائهم نوعا من الثقة بأنفسهم.
المناهج التربوية التي تدرس في مدارس المحرر هي ذاتها تقريبا يقوم هؤلاء المعلمون بتدريسها أيضا.
ثمة ظاهرة أرقت القطاز وهي أن هناك العديد من الأطفال في المخيم لا يأتون للدراسة، والسبب عملهم اليومي لإعالة عوائلهم وأهلهم، وتتراوح نسبة هؤلاء إلى أكثر من 30بالمئة من الأطفال الموجودين في المخيم.
الأربعيني نهاد الحسين والد أحد الأطفال المستفيدين من المبادرة يقول ”بارك الله بجهود هذا المعلم فقد كنا بحاجة ماسة إلى مثل هذه المبادرات بعد أن كنا متخوفين نحن الأهالي من ضياع مستقبل أولادنا بين الجهل والأمية، غير أن المبادرة أتاحت لنا بصيص أمل نحو واقع أفضل لأطفالنا، حيث تخدم هذه الخيمة كل أطفال المخيم ويقوم المعلم ببذل جهد كبير من أجل تعليمهم دون راتب أو مال وهذا مايعكس حبه للعلم والتعليم ”، يصمت قليلا ليتابع ”إننا نفخر بأمثال هؤلاء في مجتمعنا”.
.
أم خالد الثلاثينية تعبر عن سعادتها بالمبادرة فتقول لأنا إنسان ”يسعدني أن أرى ولدي وأصدقائه يتحدون هذه الظروف المأساوية بمتابعة دراستهم في المخيم ،ولكن يجب أن تكون هنالك غرفة بنائية للتعليم على الأقل فإن هذه الخيمة لاتق الأطفال حر الصيف ولا برد الشتاء”وهي بدورها تطالب المنظمات العاملة في الشمال بمنح التعليم جانبا من اهتمامهم ،ما يسهم بتحسين الواقع التعليمي داخل المخيمات .
محمد طفل عمره( 10سنوات) يقول”لم تعد الدراسة من أولويات عائلتي لأنهم يعتقدون أنها لن تعود علي بالنفع في ظل الظروف الحالية، ومع هذا أواصل تعليمي مع أصدقائي الطلاب ” ومن الأسباب التي دفعت محمد إلى حب ارتياد خيمة التدريس أنه قد تعرف على الكثير من الأصدقاء الذين يدرسون معه حيث يقول”كنت أجلس وحيدا وبعزلة عن الأطفال الآخرين ، لأنني لا أعرف أحدا من الأطفال رغم أن المخيم يضم مئات العوائل من المناطق المختلفة، أما الآن فقد تعرفت على الكثير منهم وتخلصت من الفراغ والعزلة التي كنت أعاني منهما وأكرههما”.
أما بالنسبة لمرح (11 عام) فتقول متحدية ”لن تثنينى الطائرات والقذائف عن متابعة دراستنا وتعليمنا ،فكل أصدقأئي يسعون إلى تحقيق أحلامهم في بلوغ الدراسة الجامعية ودخول الإختصاصات التي يريدونها، وأنا أحلم أن أصبح طبيبة ،وهناك منافسة بيني وبين صديقاتي على التحصيل العلمي، فتظهر بيننا الحماسة وهذا ما يزيدنا تعلقا وحبا بالدراسة والتعلم”.
ومن جهته أعرب رزق العبد(35عاما ) المرشد الإجتماعي عن فرحه لوجود مثل هذه المبادرات لافتا إلى أهميتها التي تعود بالنفع على الأطفال والمجتمع حيث يقول”إن من أهم الأمور في الحياة هي التعلم ،فعلى الشخص أن يكمل تعليمه مهما كلفه الأمر، وعلى الجميع استكمال التعلم حتى وإن لم يشعروا بأهمية القيام بذلك، فبعض الأهالي يظنون بأن كسب المال تغني أولادهم عن الدراسة ولكن على العكس تماما فإن الشخص لايتعلم من أجل كسب المال فقط بل لتأمين مستقبله، وكسب الثقة، والحصول على الثقافة في مختلف مجالات الحياة، فالطفل المتعلم تتشكل لديه وجهة نظر مختلفة للحياة، والتعليم يساعد الطفل على تعزيز ثقته بنفسه ويزرع به حب الآخرين والتعامل معهم، كما أنه يزرع في نفس الأطفال حب الإنجاز والتقدم ويعزز شعور التنافس لديهم.
وبالرغم من وجود بعضا من المبادرات الفردية لبعض المعلمين، إلا أن هناك الكثير من المخيمات السورية التي تفتقر لوسائل التعليم مع نقص الكوادر التعليمية والمعدات اللازمة ،لاسيما في مخيمات الشمال السوري المحرر حيث يوجد أكثر من 30مخيم يأوي آلاف النازحين ممن حرم أطفالهم من تلقي الدروس التعليمية.