“نازح وليس سائح” ..حملة تناهض استغلال النازحين في إدلب
نهى الحسن
“ليس يوما أو بعض يوم، فهذا حالنا منذ سنوات سبع خلت، فلا عيشنا يبدو عيشا، ولا الموت يأخذنا فيريحنا مما نحن فيه “. هذا ما عبّر عنه أبو خالد (٤٥ عاما) من نازحي ريف إدلب الشرقيّ، والذي يعاني أوضاعا انسانيّة صعبة.
فبعد الحملة الشرسة والعمليات العسكرية التي شنّها ويشنّها نظام الأسد على ريفي إدلب وحماة عبر مدفعيته وراجماته، أجبرت مئات الآلاف من العائلات على مغادرة منازلهم والنزوح إلى المناطق الحدوديّة مع تركيا، وقد تفاقمت معاناة النازحين في الشمال السوري حيث رافق حركات النزوح ارتفاع كبير للأسعار في الأسواق إضافة لإيجارات المنازل وأسعار المواد الغذائية والمحروقات، فضلا عن ندرة وجود منزل فارغ بسبب تزايد الطلب في الأشهر الماضية.
(نازح وليس سائح) حملة أطلقها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي انتقدوا فيها استغلال البعض للنازحين الفارين من النزاعات الدائرة في مناطقهم، كطلب مبالغ كبيرة مقابل تأجير المنازل رغم سوء وضع النازحين الذين ليس لديهم القدرة الماديّة لمواجهة كل هذا الغلاء، وهو ما دفع الكثير منهم لنصب خيم في العراء أو الإقامة في المخيمات العشوائيّة.
الحملة لاقت رواجا عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ وطالب متداولوها سكان المناطق الآمنة بإبداء تعاطف أكبر مع النازحين البؤساء.
حمزة الجمعة (٢٦ عاما) من ريف إدلب الشرقيّ أطلق الحملة بعد زيارته لأهل قريته وأقربائه النازحين في المنطقة الشماليّة، ورؤيته لمعاناتهم في الحصول على غرفة أو خيمة تأويهم من برد الشتاء القارص في تلك المناطق، تحدّث الجمعة لـ “أنا إنسان” قائلا: “لا أطلب من أهالي تلك البلدات أن يؤمنوا سكن للعائلات النازحة بالمجان، أطلب فقط أن يكون إيجار البيت بالمعقول، وليس أسعارا تعجيزية”.
يروي الجمعة إحدى القصص التي شاهدها عن نازح لم يجد مأوى لعائلته المكونة من خمسة عشر شخصا فأراد أن يبني خيمته في إحدى الأراضي الزراعيّة، وحينها طلب صاحب الأرض منه خمسين ألف ليرة سوريّة مقابل السماح له ببناء الخيمة على أرضه.
الناشط أحمد الإبراهيم (٣٠ عاما) أحد المشاركين في الحملة تحدث لـ “أنا إنسان” عن الهدف من الحملة قائلا: “هدفنا هو تخفيف الضغط على النازحين من ريفي إدلب وحماة وغيرها من المناطق التي تتعرض للقصف باتجاه المناطق الأكثر أمنا، حيث ارتفعت إيجارات البيوت بشكل كبير وغير مبرر، ولجأ بعض ضعاف النفوس إلى طلب كومسيون (بدل أتعاب) إضافة إلى اشتراط البعض الآخر دفع آجار المنزل بالدولار حصرا ولعدة أشهر سلفا”.
وتزامن إطلاق الحملة مع تزايد أعداد النازحين القادمين من ريفي إدلب وحماة، وخاصة من قرى جرجناز والتح ومعرشمارين ومعيشورين وغيرها من القرى التي تتعرّض لحملة قصف عنيف من مدفعية النظام وروسيا، واضطرار الكثير منهم للإقامة في العراء بحسب الإبراهيم.
من جهته صرح عبد الله الجمعة (٣٥ عاما) أحد منسقي الحملة لـ”أنا إنسان” بأنّ بعض الأشخاص قاموا برفع أسعار إيجارات المنازل مستغلّين تزايد الطلب عليها وحاجة النازحين للإقامة فيها خاصة في ظل البرد الشديد الذي كاد يفتك بهم وبأطفالهم مشيرا إلى أنّ إيجارات البيوت تراوحت ما بين ١٠٠-٢٠٠ دولارا لاسيما في إدلب ومعرة مصرين وجسر الشغور، في حين ترتفع إيجارات البيوت كلّما كانت قريبة من الحدود التركية وخاصة في ريف إدلب الشماليّ باعتبارها أقلّ استهدافا من قبل الطيران، حيث تصل إيجارات البيوت في بلدات سرمدا والدانا وأطمة وحارم وسلقين مابين٣٠٠-٤٥٠ دولار، و”هذا مبلغ كبير جدا وليس للنازحين القدرة على دفعه”.
أما عن نشاطات وفعاليات الحملة فقد حدّثنا عنها أحد الناشطين ويدعى أحمد الاسماعيل (٢٩عاما) قائلا: ” نقوم بتحضير ملصقات وأوراق وإعلانات وصور تظهر معاناة النازحين في العراء، وتدعو سكان المناطق الآمنة إلى عدم استغلال حاجة النازحين إلى مأوى وغذاء ومحروقات وغيرها، وسيتمّ توزيعها على أوسع نطاق ممكن”.
ونوه الاسماعيل إلى أنّ أكثر من ١٠٠ ألف نازح من ريفي إدلب وحماة يعيشون أوضاعا إنسانية مأساوية، مشرّدين في البوادي مع انعدام أيّة مساعدات إنسانيّة لهم في ظل حاجة ماسة لتأمين خيم ومساعدات غذائيّة لآلاف العائلات بشكل فوري وعاجل.
بعض النازحين تحدثوا لموقعنا عن معاناتهم مع النزوح ومنهم أبو أحمد العيدو (٤٠عاما ) من أهالي ريف إدلب الشرقي حيث يقول بغصة : “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، تفاجئت حين نزحت مع عائلتي إلى منطقة سرمدا أن إيجار البيت بلغ ٤٠٠دولار أي ما يعادل ١٨٠ ألف ليرة سورية ، فكيف لعائلة نزحت بثيابها فقط أن تدفع هذا المبلغ الكبير عدا الكومسيون والتأمين؟!، لذلك نصبت خيمة ضمن أرض زراعية وأقمت فيها مع عائلتي وسط البرد الشديد”، وبنوع من الرضا والتأقلم يشير العيدو إلى أن حالته باتت أفضل من حالات الكثيرين الذين ينامون في العراء هربا من القصف والدمار والموت.
ويعاني النازحين بالإضافة إلى تحدّيات العثور على سكن من نقص الرعاية الصحية وعدم توفير المساعدات الغذائية وغلاء المحروقات بشكل كبير.
السيدة زينب الديري (٣٩ عاما) من ريف إدلب نزحت مع عائلتها منذ شهرين إلى المنطقة الشماليّة، وهي بالكاد تستطيع تأمين لقمة العيش لأولادها السبعة، وقد زاد نقص الوقود وغلاؤه من معاناتها، ولم يعد بإمكانها تأمين المازوت، إذ يلزمها أكثر من أربعة لترات يوميا للتدفئة أي ما كلفته ألفي ليرة سورية وعن ذلك تقول: “أنا أجمع المواد البلاستيكية والعلب الفارغة والأحذية القديمة لإشعالها في المدفئة بدلا من المازوت أو الحطب الذي ارتفع سعره أيضا فلم يعد أمامي إلا هذا الخيار لأقي عائلتي من برد الشتاء”.
حال زينب يشبه حال الكثير من الأسر الفقيرة النازحة التي تعاني من أزمة تأمين الوقود، باحثين عن أي وسيلة أخرى لتدفئتهم ضاربين بالأضرار التي تلحق بهم من جراء استنشاق مخلفات المواد البلاستيكية والنفايات عرض الحائط.
ولم يقتصر الغلاء على سعر المحروقات فحسب بل صاحبته موجة غلاء في أسعار بعض المواد الغذائية والأساسية ليصبح المشهد أكثر قسوة من ذي قبل.
بهذه المشاهد المأساوية يمضي غالبية النازحين أيامهم بتخبّط بين حرارة الأسعار العالية وبرودة الطقس الشديدة، فمن قصف إلى نزوح إلى غلاء واستغلال، كل هذا على مسمع ومرأى العالم الذي أصبح يتداول القضية السورية كمادة اعتيادية يومية تثري إعلامه.