أخبار

هل أثّر الحرب في ازدياد الزواج الثاني في أوساط السوريات؟

 

تنعكس ارتدادات الصراعات والحروب على كافة شرائح المجتمع، وقد تكون النساء في سوريا  الأكثر تضرراً، لأن الحرب المستمرة منذ 2011 حصدت أرواح مئات الآلاف من الضحايا وتهجير نحو 7 ملايين من السكان، وبلغ عدد الضحايا من الذكور 30 ضعفاً لعدد القتلى من النساء، بحسب إحصائية المرصد السوري لحقوق الإنسان، في آذار مارس من العام الماضي.

وعلى الرغم من عدم وجود احصائيات رسمية إلا أن الحرب السورية خلفت عدد لا يستهان به من الأرامل الشابات، وارتفاع نسبة العنوسة، ومن جراء ذلك تدفع المرأة السورية ضريبة كبيرة بسبب فقدان الزوج والشريك والمعيل، من جهة، والضغوط الاجتماعية التي يمارس المجتمع على هذه الفئة من النساء مما جعلهن عرضة للكثير من المشاكل، وأهم تلك المشاكل أن يفرض عليهن أو يضطرن لـ “الزواج ثاني”، في ظل ظروف غير موضوعية، من جهة ثانية.

دعا محمود معراوي القاضي الشرعي الأول بدمشق في حكومة نظام الأسد، بشهر شباط 2017، السوريين إلى “الزواج بثانية” كحل للقضاء على لظاهرة “العنوسة” الآخذة بالازدياد –بحسب وصفه-

ونقلت صحف سورية محلية، حينها، عن معراوي أن الزواج من ثانية هو “الحل الأكثر واقعية ومنطقية”، بسبب ازدياد أعداد الإناث التي تجاوزت 65%، بسبب الحرب.

 

نساء خضن تجربة الزواج الثاني

“عبير ن” (25 سنة)، امرأة سورية، قتل زوجها خلال معارك ريف حماة الشمالي في عام 2014، لتهاجر بعدها إلى تركيا وتقيم في دار للأرامل في ولاية هاتاي (جنوباً)، برفقة طفليها اليتيمين. أجبرها أهلها ومحيطها الاجتماعي للزواج من رجل مسن من الخليج، للتخلص من الأعباء المالية والاجتماعية، ولكن هذا الزواج لم يستمر إلا ستة شهور، حيث نكث الزوج الجديد بتعهداته بقبول أطفالها وباتت يتذرع بعدم قبول هذا الوضع، ولأن الزواج لم يكن قانونياً لدى السلطات في تركيا، فقط “كتاب شيخ”، طلقها وقطع جميع اتصالاته وعاد إلى أسرته في الخليج.

على الرغم من أن عبير لم تنجب من زواجها الجديد، فيما عدا حالة إجهاض طبيعية خلال تلك الفترة القصيرة، إلا أن لهذه التجربة كانت “آثار نفسية المؤلمة” على حياتها وأطفالها، وعادت إلى دار رعاية الأرامل مرة أخرى ولا ترغب بتكرار هذا الأمر.

ولا تختلف قصة عبير عن قصة تسنيم القاسم (اسم مستعار)، رفضت الكشف عن اسمها الحقيقي لتقبل برواية قصتها مع الزواج الثاني.

تسنيم (26 سنة) أرملة شابة من مدينة حلب، توفي زوجها وهي في الثانية والعشرين، وباعتبار أنها لا تزال “صبية وزغيرة”، مارس أهلها ضغوطاً عليها للزواج مرة أخرى بحجة أن الزواج الثاني سيكون النجاة والاستقرار لها ولطفلها اليتيم.

تزوجت تسنيم من رجل يكبرها بأربع وعشرين عاماً بحجة أنه مقتدر مالياً بحكم عمله كتاجر بين قطر والسعودية والكويت فهو بالتأكيد من سيحقق لها السعادة والسترة على حسب تعبير والدها.

زواج تسنيم لم يستمر رغم أنها أنجبت طفلة، واكتشفت بعد الزواج أن زوجها الجديد لم يكن كما ادعى فهو متزوج من أكثر من امرأة ويبدو بأنه اعتاد على القيام بزيجات متعددة تحت غطاء الزواج والبحث عن الاستقرار، بحسب تعبير تسنيم.

بعد عامين ونصف تطلقت تسنيم ورفض الزواج الاعتراف بطفلته منها، لأن زواجها لم توثقه في تركيا حيث تم الزواج.

وتقول تسنيم في حديثها لموقع “أنا إنسان”: “من دون سابق إنذار تخلى عني وعاد إلى زوجته الأولى، وكان في البدايات يرسل لي بعض المصاريف، والآن كل شيء انتهى”.

تتابع تسنيم: “حاولت مرات عدة التواصل مع والد طفلتي لتسجيلها، ولكنني لم أستطع الوصول إليه فقد قام بتغيير أرقام هواتفه كل ما أعرفه عنه أنه في السعودية.

وتشكو تسنيم حظها فهي أرملة فقيرة ولديها أطفال أيتام، وتقول: “الموت أرحم لي وللنساء السوريات اللاتي فقدن أزواجهن في الحرب لأننا أصبحنا قضية يتجرأ الجميع التدخل بها إلا نحن وهذه كارثة نفسية ويا ليتني مت في تلك اللحظة التي استشهد فيها زوجي”.

شاهد بالفيديو :اللاجئات السوريات.. ضحايا الزواج الثاني في تركيا

التداعيات النفسية للزواج الثاني

في ظل الحرب والبطالة والفقر المنتشرين وصعوبة أو استحالة إيجاد فرصة عمل تؤمن للمرأة (الأرملة) وأبنائها لقمة العيش يكون الزواج الثاني هو الحل الأمثل لها ولمستقبلها طبعا ضمن ظروف وشروط معينة.

وترى الخبيرة النفسية والاجتماعية ريم محسن قرامو أن المشكلة ليست في الزواج الثاني بحد ذاته، فمجتمعنا يتقبله ويجيزه ويرى فيه حلاً، في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها الحرب، إلا أنه قائم على نظرة خاطئة ومجحف بحق المرأة، لأنه يعتبر زواج من “الدرجة الثانية”.

وتقول قرامو: تم توثيق حالات كثيرة من هذا النوع من الزيجات، تعرضت للطلاق بعد فترة وجيزة، لأن الزواج غير موثق بشكل نظامي، بالإضافة إلى رضا الزوجة الثانية بأشكال مختلفة لهذا الزواج، كالزواج السري أو الغير عادل بين الطرفين أو حتى عدم تأمين مستلزمات البيت أو الأسرة والقبول بعدم الإنجاب بناءً على طلب الرجل.

ازدياد الزواج الثاني

ويشهد المجتمع السوري ارتفاعا ملحوظاً في “الزواج الثاني”، وهي حالة موجودة سابقاً، لأن يجيزها القانون والشرع الديني، ولكنها لم تكن واسعة الانتشار.

ونقلت صحيفة “الوطن“، التي تصدر في دمشق، عن مصدر قضائي أن نحو 40 بالمئة نسبة حالات الزواج لرجال تزوجوا من امرأة ثانية من إجمالي حالات الزواج التي تم تثبيتها في المحكمة في عدلية دمشق.

وفي تقرير نشرته الصحفية في 2 تشرين الأول 2018، يوضح المصدر القضائي الزواج المباح من ثانية في حال علم الرجل أنه قادر على العدالة رغم أنه غير متيقين على إمكانية تطبيق العدالة ويمتلك قدرة على الإنفاق إضافة إلى أنه يجب أن يغلب على ظنه أن زوجته الأولى لن تطلب الطلاق.

 

الطلاق سهل

ريم الأحمد (29 سنة)، شابة سورية من ريف إدلب الجنوبي، عزباء تعيش في مخيم بالقرب من مدينة شانلي أورفة التركية (جنوباً)، تشعر بالعار والخجل لكونها أصبحت على أبواب الثلاثين ولم تتزوج بعد، مما عرضها لضغوطات من المحيط الذي كان يذم والدتها بأنها لم تزوجها إلى الآن.

وبسبب ذلك اضطرت ريم على الموافقة على أن تكون الزوجة الثانية لرجل سوري يدعى أحمد، الذي ادعى أن مشاكل بينه وبين زوجته الأولى وصلت إلى طريق مسدود وأنه طلقها.

زواج ريم لم يدم سوى ثلاثة أشهر، فقد تصالح أحمد مع زوجته الأولى، و”أخذ يعاملني كخادمة في بيته الذي يسكنه هو وأمه وزوجته الأولى كما قام بشكل تدريجي بقطع علاقته الزوجية معي”، تقول ريم، التي عادت إلى بيت أهلها مطلقة من دون حقوق لأن زواجها كان عبر “كتاب شيخ” فقط.

كما لا تختلف قصة فاطمة الخالد (اسم مستعار)، امرأة سورية من معرة النعمان بريف إدلب، فقدت زوجها في السنوات الأولى للحرب، واضطرت في عام 2013  اللجوء إلى تركيا لحماية حياة أطفالها الثلاث الأيتام.

فاطمة (35 سنة)، وبسبب الظروف الاقتصادية والضغوط الاجتماعية تزوجت من رجل سوري بالسر، لأنه متزوج ولديه أسرة كبيرة، إلا أن الزواج لم يستمر سوى ستة شهور وحدث الطلاق بسهولة، لأن الزواج لم يكن محمياً قانونياً.

وللقضاء على الآثار السلبية لـ “الزواج الثاني”، تذهب الخبير النفسية والاجتماعية ريم محسن قرامو إلى أن البديل هو تمكين هذه المرأة وتأهيلها اجتماعيا وعلميا ومهنيا لتصبح قادرة على تحمل مسؤولية نفسها وأبنائها، الأمر  الذي يضمن عدم رضاها بزواج لا يضمن كرامتها ولا يحفظ حقوقها بل ستكون قادرة على اختيار الشريك المناسب بالظروف المناسبة وقت تشاء.

شاهد بالفيديو :تثبيت عقود الزواج في إدلب تقلق حياة السوريين | لم الشمل

ما رأي القانون؟

القانون السوري من القوانين التي تجيز تعدد الزوجات وهناك نص واضح وصريح تورده المادة 37 من قانون الأحوال الشخصية ونصها: “لا يجوز أن يتزوج الرجل خامسة حتى يطلق إحدى زوجاته الأربعة وتنقضي عدتها”.

كما تنص المادتان 67 و 68 من قانون الأحوال الشخصية على أنه “ليس للزوج أن يسكن مع زوجته ضرة في دار واحدة دون رضاها وعند تعدد الزوجات يجب على الزوج التسوية بينهن في المساكن”.

ويرى المحامي السوري حسام سرحان، عضو مجلس إدارة “تجمع المحامين الأحرار”، وخبير في قانون العائلة التركي، من الصعب السيطرة على ظاهرة “الزواج الثاني” أو إحصائها لأنها زيجات شرعية خارج إطار القانون، وكثير من الحالات تكون بالسر.

ويقول سرحان في حديث لموقع “أنا إنسان”: أن الزواج المقتصر على “كتاب الشيخ” ليس له أي قيمة أمام القانون التركي، لذلك نرى ان أغلب هذه الزيجات لا تستمر سوى شهور معدودة وبأحسن الحالات تستمر سنة واحدة، لأن الزوج غير ملزم قانونياً تجاه المرأة.

ويضيف المحامي السوري أن هناك الكثير من النساء يعانين من تثبيت نسب مولدهن لأبيه.

وبالنسبة لرأيه حول إجازة تعدد الزوجات في القانون السوري يقول سرحان: “أرى قصورا ونظرة دونية للمرأة في القانون السوري وهناك تطبيق مزاجي للقانون يخدم الفكر الذكوري وينظر للمرأة كتابعة للرجل وذلك نتيجة العادات والتقاليد البالية لدرجة أن هذه العادات أصبحت موروثا اجتماعيا سائدا.

وحول القيود التي وضعها قانون الأحوال الشخصية السوري بمواجهة التعدد، هي قيود شكلية لم يؤكد على كيفية تطبيقها وكان من الأجدر للمشرع السوري أن يكون هناك أكثر مراقبة لحقوق المرأة، بحسب رأي المحامي حسام سرحان.

 

وضحة العثمان

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *