أخبار

أرامل سوريات بين الاستغلال وضغط المجتمع

نهى الحسن – خاص أنا إنسان 

اسودت الدنيا في عيني أم فراس (٣٨ عاما) من قرية حاس بعد استشهاد زوجها في الحرب الدائرة دون أن يترك لهامصدر رزق يحميها وأطفالها الخمسة من شبح الجوع والعوز، تقول أم فراس لأنا إنسان :“مللت من طرق أبواب المنظمات الإغاثية من أجل تأمين بعض السلل الغذائية التي لاتسمن ولا تغني من جوع ، فقررت أن أعمل وأعتمد على نفسي ، إلا أن البحث عن العمل لم يكن أمرا سهلا لأنني لا أملك شهادة تعينني على الحياة ، وبعد رحلة بحث شاقة توظفت مستخدمة في إحدى المشافي الميدانية ،  ورغم معاناتي مع عدد ساعات الدوام الطويلة والشاقة فضلا عن سوء المعاملة وقلة الراتب إلا أنني أجدها أفضل بكثير من مد يد الحاجة والعوز للآخرين.

تلك الحرب السورية الشرسة التي أزهقت أرواح الكثيرين جعلت عددا من النساء وبخاصة في المناطق المحررة موضع المعيل للأسرة ليعانين قهرا مضاعفا في ظل أوضاع معيشية صعبة يسودها انعدام الأمن والاستقرار وندرة فرص العمل ، فضلا عن عادات وتقاليد بالية استبدت بالمجتمع لتمنع المرأة من الخروج للعمل ، وأمام هذا الواقع المرير اضطرت كثير من النساء إلى كسر الأعراف السائدة ومنهم منار الشلح (٢٨عاما) من معرة النعمان حائزة على شهادة في التمريض حيث خرجت من القيود الاجتماعية التي وضعت فيها لتنضم إلى فريق الدفاع المدني بغية توفير مطالب الحياة وإعالة أطفالها الثلاثة بعدما اعتقل زوجهامن قبل النظام منذ بداية الحراك الثوري ، تقول الشلح :“في بداية عملي واجهت عدة ضغوطات وانتقادات من مجتمعنا الذي يرفض فكرة انضمام المرأة للخوذ البيضاء ،ولكن عندما أدرك الناس حجم خدماتنا الإنسانية التي لا يمكن للرجال تقديمها كالعناية بالنساء المصابات جراء القصف اليومي المتكرر ودخول المنازل والمدارس للقيام بحملات توعية عندها علموا الأثر الإيجابي لعملنا ، حتى أن البعض باتوا يريدون أن تنضم فتياتهم إلينا.”وتضيف الشلح أنه على الرغم من صعوبة العمل وخطورته وعدد ساعات الدوام الطويلة إلا أنها تشعر برضى وسعادةفي داخلها كونها تقدم ولو بشيءقليل خدمات إنسانية لأهالي وطنها المنكوب.

هذا وفي ظاهرة جديدة من نوعها شهدت منطقة إدلب مؤخرا قيادة المرأة للحافلات باتجاه مناطق النظام ، حدثت هذه الظاهرة بالتزامن مع غياب الرجل والذي بات في معظم الأحيان مهددا بالاعتقال من قبل الحواجز الأمنية لسبب أو لآخر.

فالسيدة هيفاء (٤٠عاما )من معرة النعمان تنطلق باكرا صباح كل يوم تقل سيارتها الإجرة لتجمع الموظفين والموظفات وغيرهم ممن يضطرون للذهاب إلى مناطق النظام سواء لقبض رواتبهم أو لإخراج الأوراق الرسمية والثبوتية أو جوازات السفر في مبادرة منها لكسب الرزق وإعالة أبنائها السبعة بعدما فقدت معيلها في هذه الحرب .

وعن الظروف التي أجبرتها لاختيار هذه المهنة تتحدث هيفاء لموقعنا :“لجأت إلى مزاولة هذه المهنة الشاقة كخيار وحيد أمامي خاصة وأنه ليس لدي أي عمل أو وظيفة ألجأ إليها لسد احتياجات أطفالي سوى أنني خضعت سابقا لدورة في تعليم قيادة السيارات وحصلت على شهادة تأهلني لقيادة السيارات وكان ذلك في مرحلة ما قبل الثورة.”

هذا ولم تسلم هؤلاء النسوة من نظرة المجتمع الناقدة ، فهن برأي الكثيرين يخرجن عن عادات وتقاليد المجتمع الإدلبي المحافظ الذي يعتبر هذه المهنة خاصة بالرجل لاسيما في ظل الوضع الراهن حيث يصعب تنقل المرأة من منطقة إلى أخرى مع وجود الحواجز الأمنية المكثفة.فالبعض يرى أن تبحث المرأة عن بديل لهذه المهنة التي وصفوها بالخطيرة والتي لا تناسب أنوثتها كتعليمها مهن يدوية كالخياطة والنسيج لتستطيع تأمين متطلبات الحياة اليومية بما يحفظ كرامتها وأخذ دورها في المجتمع دون أن تعرض نفسها للمخاطر.

كما ازداد مؤخرا اعتماد النساء اللواتي لامعيل لهن على إعداد المؤن وبيعها كمصدر رزق فالخمسينية أم عبدو من كفرنبل لديها ست بنات وأصيب زوجها بشظية صاروخ من إحدى الطائرات الحربية التي استهدفت سوق المدينة أثناء عمله في بيع الخضار ولأن تلك الشظية استقرت في عموده الفقري أصيب بالشلل من حينها ، تقول أم عبدو ل(أنا إنسان ) :“بعد إصابة زوجي كان يتوجب علي أن أعمل لسد نفقات البيت ، لذلك أقوم مع بناتي بتحضير المؤن وبيعها لأن الكثير من الناس يفضلون المؤونة البيتوتية على الجاهزة ، ومما شجعني على هذا العمل هو أننا نقوم به دون مغادرة المنزل ويساعدنا في تأمين لقمة العيش الكريمة بعيدا عن الحاجة .“

وتكتمل معاناة كثير من النساء عند اجتماع الترمل مع قسوة النزوح والتشرد فالأرمل نسرين الصالح (٣٢عاما ) التي نزحت مع أطفالها الأربعة من ريف دمشق وتقيم حاليا في إحدى مخيمات ريف إدلب العشوائية التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة تعيش مع أطفالها ظروفا إنسانية صعبة مع غياب فرص العمل والدخل المادي فلم تجد من خيار أمامها سوى أن تخرج برفقة أطفالها للعمل في مواسم الحصاد في الحقول وقطاف وتعبئة الفواكه لتأمين لقمة العيش الكريمة ، وتعاني الصالح كحال الكثيرات من استغلال أرباب العمل لها من خلال قلة الأجور المدفوعة وطول عدد ساعات العمل فضلا عن سوء المعاملة .

وتصرح الصالح بأن أشد ما يؤلمها هو بعد مكان سكنها عن المدارس والمراكز التعليمية وبقاء أبنائها من دون تعلم .

الصالح واحدة من آلاف النساء اللواتي أجبرن على ترك بيوتهن ليعشن في مخيمات تفتقر إلىأدنى مقومات الحياة

وليمارسن دور الأم والأب في ظل غياب كامل للمنظمات المعنية بشؤون المرأة السورية .

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *