أخبار

استشهد وفي جيبه ورقة توزيع الخبز على الفقراء والمحاصرين

انس الشامي

توتر وخوف يسيطران على شوارع الغوطة الشرقية، لا يمكن أن تجد أيّاً من مظاهر الحياة حتى في أسواقها التي كانت يوماً ما مزدحمة، جميع الناس اختبئوا تحت الأرض خوفاً من احتمالات الموت القادم من السماء، كان طارق يشرف على توزيع المواد الإغاثية للسكان داخل الأقبية، وصلت أخبار تفيد بنية النظام اقتحام بلدته، تأهب طارق ومعه العديد من شباب المدينة وتوجهوا لحمل السلاح قاصدين الجبهات العسكرية المنتشرة على أطراف بلدة بيت سوى في الغوطة الشرقية.
لم تسعف شجاعة طارق وحرصه على حماية مدينته من اقتحام قوات النظام فقضى نحبه، طائرة حربية استهدفت النقطة التي يرابط فيها طارق كانت سبباً في استشهاده، فبات سلاحه الذي حمله بغية الدفاع عن أهالي الغوطة آخر شاهد عليه قبل أن يفارق الحياة وورقة كانت في جيبه توثق ما كان يوزع على الناس في الملاجئ.
كان طارق يتيم الأب توفى ولده وعمره خمس سنوات، تربى على يد أمه فكانت هي الأم والأب معاً، عكس هذا على شخصيته فجعلته يحب مساعدة الأخرين وخاصة الأيتام، فتعلم من أمه الكرم وحسن المعاملة، فها التي كانت تدعمه وتسانده في مصاعب الحياة.
أسس “طارق عبد ربه” حياته الاجتماعية في وقت مبكر، لم يكن طارق شخص عادياً في بلدته، بل كان ذا بصمة واضحة، فكان فعالاً في مجتمعه وبلدته، ونذر نفسه لخدمة بلدته بما لديه من إمكانيات، أحبه الناس وكسب ودهم لأنه كان الشخص الوحيدة الذي يحفظ القرآن في بلدته، وبدأ في العمل كرئيس لجمعية الخيرة لبلدته قبل اندلاع الثورة بعامين.

قتله النظام السوري والتهمة… توزيع الخبز على المحاصرين وعلاج الجرحى

ومع بداية الثورة في الغوطة الشرقية ساعد الجرحى وتعلم خياطة الجروح على يد أحد الأطباء وبعدة فترة أصبح لديه خبرة جيدة في ضماد الجروح وخياطتها، كان يدور على المنازل التي يوجد فيها مصابين بعيد المظاهرات ويعالجها.
دخل طارق في عدة دورات للهلال الاحمر لمعالجة المصابين، حتى اتقن عمله بشكل جيد، وبعد حصار الغوطة أصبح هو من يقوم بإعطاء الدورات للمتدربين لعدم قدرة الهلال الأحمر للوصول إلى الغوطة الشرقية بعد حضوره لا أكثر من دورة ووثوق الأطباء به وبعمله.

بدأ طارق في العمل في المجال الإغاثي والطبي معاً وكان طارق من الأشخاص الموثوقين في بلدته فتم تسليمه المواد الاغاثية التي كانت تأتي بالسر إلى الغوطة، ويقوم بتوزيعها، ومن هنا كان له دور في تأسيس المكتب الإغاثي والمكتب الطبي الموحد في الغوطة الشرقية الذي كان نواة للعمل الطبي والإغاثي في الغوطة الشرقية.

وبعد عدة أعوام من العمل الدؤوب لمساعدة الناس المحاصرين بدأت قوات النظام حملتها على الغوطة في مطلع عام 2018 واستنفر طارق كوادره ممن كانوا يعملون معه لتغطية حوائج الناس التي كانت في الملاجئ، كان يخرج من الفجر ليقوم بتوزيع الخبز والمواد الغذائية، كان من المستحيل ان تتحرك السيارات فوق الأرض بسبب كثافة القصف ولكنهم كانوا يضحون بأنفسهم لإيصال ربطة الخبز، كانوا يذهبون من بلدة إلى أخرى لتأمين الحاجيات رغم القصف المستمر والمركز على أي شيء يتحرك فوق الأرض.

عند موته وجدو في جيبه ورقة لتوثيق أعداد الخبز الذي وزعها وكانت ملطخة بدمائه، دمائه التي كانت رخيصة بالنسبة لطارق امام مساعدة الأخرين.
لم يستطع أهل بلدته الذين يحبونه أن يدفنوه ويشيعوه بما يليق به لكن دفنوه بصمت وعلى عجل لان طائرات الحقد تحص أرواحهم أينما ذهبوا.

طارق كان ينتظر طفلته التي كان متشوق لرأيتها والتي سوف ترى النور قريباً ولكن شاء القدر بأنها تخرج إلى هذه العالم كما فعل والدها دون أب، ربما ستكمل طريق والدها في مساعد الناس كما فعل.
وقامت زوجة طارق برعاية أطفالها الذين هجروا بعيدة الحملة إلى الشمال السوري كما فعل أم طارق بأبنها، رحلة طارق ولكن سوف يبقى عمله وإخلاصه مزروع في قلوب الناس ولن ينسوا فضله وعمله الدؤوب في مساعدتهم في تلك الأيام العصيبة.

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *