أخبار

النزوح والتشرد.. قصص ترحال السوريين مستمرة حتى إشعار آخر!

تنتشر المخيمات على طول الشريط الحدودي المحاذي لتركيا من ريف إدلب الغربي حتى جرابلس في الشمال الشرقي من حلب، والتي تضج بالنازحين فالرسمية منها، أقيمت منذ سنوات عدة خدمت من قبل بعض المنظمات، والعشوائية التي أنشأت بحالة مستعجلة نتيجة اشتداد وتيرة المعارك التي تشنها قوات النظام والطيران الروسي على الريف الجنوبي لإدلب والشمالي لحماة ساهم في ازدياد أعداد المهجرين والنازحين من بلداتهم وقراهم.

 

يقطن أحمد عبد الكريم 34 عاماً وهو شاب سوري من ريف حماة الشرقي، في مخيم عشوائي قرب مدينة أخترين، ويعيل أسرته المكونة من طفلان وزوجته، وخلال حديثه لموقع “أنا إنسان” قال: “هذه السنة الثالثة لي وعائلتي في ذات المخيم ولا يوجد لدينا أي من مقومات الحياة، ونعاني من صعوبة العيش في ظل دخول فصل الشتاء، وانعدام وسائل التدفئة، مع هطول الأمطار بشكل كثيف جداً”.

وأضاف: “التدفئة هي إحدى الرفاهيات لدينا لكن الحصول على لقمة العيش أصعب في ظل قلة فرص العمل وكثرة العاطلين عن العمل، لكن شو بصير شغل منشتغل، مستورة الحمد لله، وحاليًا أعمل في العتالة تنزيل وتحميل البطاطا خلال الموسم

التشريني”.

 

وتزداد المعاناة أكثر خلال السير داخل شوارع المخيم الموحلة بالطين نتيجة تساقط الأمطار الليلة الفائتة، ولا يمكن الوصول إلى الشارع الرئيسي الذي يبعد عن منزل أحمد 1 كم، وقد قال لـموقع “أنا إنسان” عن إحدى الحالات التي جرت معه قبل أيام أن ابنه الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات اضطر لإسعافه إلى المستشفى إلا أنه واجه الكثير من العقبات من أهمها تدهور حالة ابنه الصحية نتيجة تعرضه لنزلة بردية قاسية خلال السير من المخيم إلى الشارع الرئيسي.

 

لا يبدو الشاب غالب الحمدو 29 عاماً من بلدة عقيربات بريف حماة الشرقي، الذي كان يعمل في نجارة البيتون وهو بناء سطح المنازل، مرتاحاً الآن إلا أنه بعد سيطرة قوات النظام والميليشيات الموالية له على البلدة اضطر للنزوح إلى ريف حماة الشمالي قبل ثلاثة سنوات، للحصول على أمن من تهديد قوات النظام المتكرر للريف، إلا أن هذا العام كان سيئ للغاية بالنسبة لغالب، لأنه هجر مجدداً نحو ريف إدلب الشمالي، بعد سيطرة قوات النظام على مدينة كفر زيتا، التي قطن فيها لمدة عامين، ويعمل حالياً في العتالة.

التقى موقع “أنا إنسان” الشاب غالب الحمدو عندما وصل إلى مخيم عشوائي قرب بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي، في أرض زراعية، وخلال حديثه قال: “في الصيف نموت من الحر، والأوبئة القاتلة وفي الشتاء يقتلنا البرد لا يوجد لدينا مهرب على الإطلاق، سابقاً نهرب من الطيران الآن العوامل الطبيعية تقتلنا وتفتك بأجسادنا”.

وأضاف: “بالنسبة لوضعنا المعيشي هو من سيء لأسوأ في ظل ندرة المحروقات وارتفاع أسعارها إذا وجدت إلى جانب المعاناة التي تلاحقنا على مدار العام والتكيف مع العيش داخل المخيمات المليئة بالطين”. ومن ناحية العمل قال: “أستيقظ منذ الصباح للبحث عن عمل في حمل البضائع أو غيرها لكنني لا أجد، وفي حال وجدت العمل أعمل لمدة يوم كامل لأحصل على مبلغ زهيد جداً لا يصل لألف ليرة سورية ما يعادل 1.25 دولار أمريكي وهذا المبلغ لا يؤمن ربطة من الخبز وليتر من الكاز لتشغيل الببور “الموقد” لطهي الطعام”.

 

وأوضح الحمدو أن زوجته حامل في الوقت الحالي ومع اقتراب ولادتها لا يوجد لديه آلية لنقلها إلى المشفى وهو عالق في الطين، وواقع في حيرة من أمره نتيجة ضيق الأحوال المادية والمعيشية وافتقار خيمته للتدفئة، وهو بحاجة ماسة إليها نظراً لوضع زوجته المستعجل.

 

وتواجه الأسر السورية في المخيمات الواقعة على الحدود معاناة مستمرة من نقص التغذية إلى التدفئة وندرة المساعدات الإنسانية مع غياب شبه تام للمنظمات المعنية بشؤون النازحين، والتي اتسم عملها في توثيق أعداد النازحين دون مساعدتهم، وهذا ما أشار إليه مسعف الخالد 30 عاماً خلال لقاء أجراه موقع “أنا إنسان” معه قرب خيمته في مخيم الصوامع العشوائي قرب مدينة أخترين في قوله: “كل أسبوع يأتي شبان إلينا من منظمات عدة لكنهم يوثقون الأوضاع الإنسانية داخل المخيم دون توزيع المساعدات لنا”. وسمح الخالد لنا بتصوير خيمته بينما رفض تصويره بسبب فقدانه الأمل من الحصول على المساعدة.

وأضاف: “بات عمل المنظمات موضوع شحادة لا أكثر فأغلبهم يوثق أعداد النازحين والحالات الإنسانية إلا أنهم لا يقدمون شيئاً ملموساً على أرض الواقع”، وأشار إلى” أن المكتب الإغاثي في مجلس مدينة أخترين بريف حلب قطع عنهم بطاقة الخبز والآن يجبرون على صناعة خبز التنور”.

ويحصل الخالد على الطحين الآن من المحال التجارية في مدينة أخترين، بعد انقطاع السلال الإغاثية عن مخيمهم منذ ثلاثة أشهر، مع ارتفاع حاد في سعر الـ كغ من الطحين، وبحسب ما قال مسعف الخالد لموقع “أنا إنسان”: أنه يعتمد على جمع العيدان والأخشاب من الأراضي الزراعية لإشغال المدفئة في خيمته التي لا تشتم رائحة الدفء في ظل شتاء قارس أرخى الهموم عليه.

رقية الجميل 40 عاماً من كفر زيتا بريف حماة الشمالي تقطن في مخيم عشوائي بريف حلب بين مدينة الباب وأخترين، استأجر زوجها وأقاربه أرضاً جبلية غير صالحة للزراعة، للإقامة فيها، خلال فصل الشتاء، ليتمكنوا من التنقل، ويدفع سكان المخيم عن الهكتار الواحد من الأرض 35 ألف ليرة سورية ما يعادل 50 دولاراً أمريكياً سنوياً.

التقى موقع “أنا إنسان” رقية قرب خيمتها وهي تقوم بغسل الصوف، قائلةً: “زوجي يعمل راعي أغنام لأحد التجار وأنا أقوم بمساعدته في تولي مصروفنا من خلال عملي في البطاطا في أحد المشاريع القريبة”.

وأضافت: “نعتمد على أنفسنا في تلبية الحاجات لكن الخيمة لا تقينا من الحر والبرد ولا نستطيع أن نستأجر منزل في القرى والبلدات المحيطة نظراً لارتفاع الإيجارات وضعف حيلتنا المادية”. تعمل رقية خمس ساعات يومياً مقابل 1000 ليرة سورية، ما يعادل 1.25 دولار أمريكي، خلال موسم البطاطا، وإذا سمح لها الوقت تقوم بمساعدة زوجها في غسل الصوف وتحضيره للبيع.

ولدى رقية ثلاثة أطفال أكبرهم عمراً لا تتجاوز 5 سنوات وأصغرهم سنتان، لا تستطيع تدفئتهم نظراً لسوء الأوضاع المادية لذلك لجأت إلى جمع الحطب من البساتين المحيطة في المخيم لإيجاد الدفء لأبنائها.

 

لا تبدو هذه القصص الإنسانية هي الأولى من نوعها لكنها تشكل عبئاً على الكثير من السوريين الذين يبحثون عن أمن بعيداً عن الحروب التي شتت أمالهم، وتكون الأكثر إيلاماً مع العيش في واقع مظلم وانتظار ليوم يتخلله لقمة خبز نظيفة ودفء غرفة على أقل تقدير.

 

حسين الخطيب

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *