أخبار

حسام ذيب.. ثائر لم يصل

نوال مرشد 

جاءني زائراً في نهاية العام 2010، مع بدء الربيع العربي، وقال: “تونس مشي حالها، ومصر عالطريق، كلها كم يوم بتخلص، وشوف اليمن وليبا.. معناته نحنا كمان ممكن نتنفس الحرية”.

حسام ذيب، الشاب الجميل، طويل القامة، المبتسم دائماً، يعمل فنياً في الكمبيوتر والموبايلات، في مدينة جرمانا ريف دمشق.

بدأت الثورة في سورية في آذار 2011 ، في مظاهرات سلمية داعية للتغير والحرية والكرامة، وشارك حسام في تلك المظاهرات وكتابة الشعارات..

على الهاتف كنا نتواصل دائماً، ولكن في شهر نيسان 2011، جاء الي قائلاً: “لفد دخلنا في عهد الثورة، هي فرصتنا التي لن تتكرر”.

تم اعتقاله في جرمانا من محل عمله، بتهمة التظاهر والمشاركة بالمؤامرة، وخرج بعد شهر، وآثار التعذيب بادية عليه، وأرسل لي رسالة قال فيها: “دخلت في مرحلة اللاعودة عن الثورة، الأنذال في فرع المخابرات اتهموني بأني تابع لتنظيم الاخوان المسلمين، وكنت أقول لهم أنا درزي، ولا علاقة لي بالأديان، حتى أني لا أعتقد بها، وميولي اشتراكية ماركسية، فكيف تقولون بأني اخونجي؟!”

ثم اختفى فترة نتيجة ملاحقة الأجهزة الأمنية له، وإذ أسمع أنه ذهب الى الغوطة، وفي عين ترماً بداية، وحمل الكاميرا لتوثيق الجرائم التي ترتكبها قوات النظام ضد المتظاهرين، وعمل مسؤولاً اعلامياً لأحد الفصائل التي تشكلت في عين ترما.

كتيبة بني معروف..

خلال عمله في الغوطة الشرقية، عاصر تشكيل الفصائل المسلحة هناك، وكانت تسميات تلك الفصائل تأخذ طابعاً دينياً، فقال له أحد قادة الفصائل: “لماذا الدروز لا يشاركون في الثورة؟”.

فكان رده وكيف لم نشارك، ونحن منذ بداية الثورة خرجنا ضد النظام، ونحن أول من كتبنا على جدار قلعة دمشق في شباط 2011، وأنا هنا معكم في هذه الثورة، ما هو المطلوب أكثر؟

فقال له: عليكم بتشكيل فصيل مسلح للانخراط بالثورة، ونحن على استعداد لتمويل هذا الفصيل من الأسلحة والتكاليف المادية، وسوف تكون أنت عضواً في مجلس قيادة الثورة والمجلس العسكري في ريف دمشق.

فما كان منه إلا أن يقبل بذلك، ليؤكد مشاركة طائفته الدرزية في الثورة، وأيضاً كي يحقق حلمه في الانتقام من الأجهزة الأمنية التي كانت تُعذب وتتهم كيفما شاءت.

فتم الاتفاق على تشكيل كتيبة بني معروف، لإظهارها للعالم بأنها درزية وتشارك مع باقي فصائل الثورة، وتم تحديد موعد مع فضائية العربية لتسجيل فيديو اشهار الكتيبة المعروفية. ثم تم تغيير اسمها لاحقاً لكتيبة يوسف العظمة، بناءً على رغبته لعدم قناعته بالتسميات الطائفية.

حقائق.. ومفاجآت

بعد تشكيل الكتيبة التي يرأسها حسام ذيب، فوجئ بأن مبالغ كبيرة كانت تُصرف على اسم الكتيبة، ولا يصلهم سوى الفٌتات، وأيضاً لم يقوموا بأي عمل عسكري ضد النظام، فقد كانوا يقولون لهم بأن ساعة الصفر قريبة، وموعد الهجوم على دمشق والقصر الجمهوري، سوف يأتي قريباً، وكانوا يقولون لهم بأن عليهم الاستعداد لتلك المعركة، وعليهم حفر الأنفاق والتحصينات، فقال مرةً: تخيل بأن السعودية طلبت حفر نفق يصل الى تحت القصر الجمهوري.. نفق؟ فيجيب ضاحكاً: نعم نفق طويل ولكن لا أعرف كيف.

فوجئ حسام ذيب، بأنهم يتعاملون معه كدرزي، وليس كثائر، وكان يقول لهم هذه ثورة الشعب السوري وكل السوريين، فلماذا تفعلون ذلك، فالنظام لصالحه تلك المسميات، وهو بارع في استخدام ورقة الأقليات؟!!

وتعرض لعدة عمليات اغتيال بعد تلك المواقف والآراء، وكان يضطر لتغيير مكان نومه لخوفه من هؤلاء الذين كان يعتبرهم جواسيس النظام وأعداء الثورة.

الخروج الأول..

كان يراسل أصدقاءه خارج الغوطة، وفي القابون حصراً، ويقول لهم معاناته، فنصحوه بالمغادرة الى القابون ليكون آمناً، ويتابع عمله الثوري هناك، وهذا ما حصل.

فأخرج معه جهاز اللابتوب الخاص به، وسلاحه الفردي، وانضم لأحد الفصائل، على أمل انتظار ساعة الصفر التي طال انتظارها ولم تأتي، فكانت الايعازات تأتي من دول الخليج.

الخروج الثاني..

قرر حسام ذيب السفر الى تركيا بعد فقد الأمل في كل ما يجري، وخاصة أنه تعرض للاعتداء من أحد الفصائل المتشددة، والتي كانت تتهمه بأنه درزياً، فاستطاع المغادرة الى تركيا عبر ادلب، ولكن في طريق السفر، تعرض للاعتقال من جبهة النصرة التي كانت تسيطر على ادلب والطريق الواصل الى تركيا، وبعد تدخل جهات من المجلس الوطني وسليم ادريس، تم الافراج عنه ووصل الى تركيا ليكتشف هناك حقيقة كذب الجيش الحر المتواجد في تركيا، فقد كانت تركيا تضعهم في معسكرات ولا تسمح لهم بالمغادرة بدون اذن منها، واكتشف أيضاً بأن قادة الثورة المتواجدين هناك، ما هم إلا مرتزقة يتاجرون بالقضية السورية، وليس لهم مصلحة بإنهاء الحرب، فقد أصبحوا أثرياء، فقد اكتشف بأن سهير الأتاسي، على سبيل المثال، تدير مشاريع اعلامية لصالح الثورة وتقبض بالملايين على حساب دم السوريين.

واكتشف بأن سليم ادريس ما هو إلا منافق لا يهمه إلا استمرار توافد الدولارات عليه، على مشاريع كاذبة.. فقرر الهجرة

الخروج الثالث والأخير..

قرر السفر الى اوروبا للهجرة ككل السوريين الذين سافروا الى هناك، واعترف بأن الثورة لم تعد ثورة، وبأن السوريين ضُحِك عليهم، فكل العالم ضدهم.

واستدان، أو شحذ مبلغاً ليدفعه للوسيط الذي سوف ينقله بالبلم عبر البحر الى اليونان، خط التهريب الى أوروبا، فكانت رحلته المائية برفقة ثلاثة قوارب تنطلق معاً، فكتب في صفحته على الفيس بوك، “في قاربه صعدت امرأة وطفلها للانطلاق، وما أن غادر المركب مسافة لا تزيد عن المائة متر حتى علا صراخ الطفل باكياً وهو يردد أمي لا أريد أن أموت، فعاد القارب لانزال الطفل مع أمه، ليعلم حسام لاحقاً بأن ذلك القارب الذي عادت الأم وطفلها للسفر به، قد غرق، ومات الطفل مع أمه ومع من كانوا على متن ذلك القارب.”

وبعد وصوله الى اليابسة اليونانية، تابع السفر مع المهاجرين السوريين القاصدين الى أوروبا، الحلم المنشود.

نهاية مؤلمة..

اجتاز حسام ذيب خلال رحلة السفر والتعب الكثير من البلدان، قاصداً الوصول الى ألمانيا، ولكن القَدر قد سبقه، فقضى حسام في حادث سير في النمسا، لا تزال ملابسات الحادث غامضة.

قبل وصوله الى تركيا اتصل بي قائلاً بأنه يملك معلومات وصور ووثائق وفيديوهات تدل على قبح من كان يستولي على الغوطة، قاصداً بذلك زهران علوش، وهذه المعلومات موجودة معه في هارد خارجي، وسوف يرسل كل شيء.. لكنه رحل، ورحل معه كل شيء.

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *