أطفال ريف اللاذقية.. من مقاعد الدراسة إلى عمال صغار لجمع الحطب

وسط مخيم الأنصار في جبل الاكراد، عند ساحة الملعب التي اعتاد أطفالها أن تكون استراحتهم بعد يوم دراسي طويل يجتمع أحمد (12 عاماً) مع مجموعة من رفاقه لبدء يوم جديد، ليس في مدرسة المخيم كما اعتاد سابقا، بل للبحث عن الحطب وأعواد الشجر اليابسة التي تعين أسرته على احتمال برد الشتاء القارس في المنطقة.

يحمل أحمد معداته وهي كيس الخيش الأبيض، ومنجل، وبقدمه خف مهترئ، ويتوجه إلى الغابة المجاورة، ليس ثمة أحاديث هنا عن وظيفة الرياضيات ولا درس القراءة، بل تطغو على مناقشات الصغار أنواع الحطب والشجر المناسب لجمع عيدانه،  وتجهيزات الشتاء، ولا يخلو الأمر من بعض دردشات الكبار والوضع العسكري في المنطقة التي ماتزال تشهد اشتباكات مستمرة.

ليس أحمد ورفاقه هنا فحسب ففي فصل الشتاء تحوّل عدد كبير من أطفال ريف اللاذقية لمهنة جمع الحطب، بعضهم لمساعدة أسرته في تأمين وسيلة للدفء في ظل انشغال الكبار بأعمالهم، وعدد قليل منهم جعلها مهنة مؤقتة تدّر له بعض الأرباح قبل بداية موسم الشتاء الطويل.

يقول أحمد لدى سؤاله عن سبب غيابه عن المدرسة إنه مضطر لمساعدة والده الذي يعمل في الإنشاءات، حيث لا يكفي دخله لشراء مؤونة الحطب، والذي تخطى سعر الطن في المنطقة مبلغ 70 ألف ليرة، ويصف هذا الغياب بالمؤقت، لكنه سعيد وفق قوله بقدرته على تقديم هذه المساعدة رغم أنها متعبة.

ورغم عدم جودة الحطب الذي يقوم هؤلاء الأطفال بجمعه إلا أنّ “الرمد أفضل من العمى” مثل يراه أبو أحمد عند لقاءنا به مناسب للتعبير عن الحالة التي وصل إليها الأهالي، مع غياب المساعدات الإغاثية منذ سنوات عديدة عنهم.

ويؤكد أبو أحمد في حديثه الخاص لموقع “أنا انسان” أنّ “الأهالي لجؤوا العام الماضي لحرق ثيابهم البالية وأحذيتهم كي يدخلوا الدفء إلى بيوتهم، لكن هذا العام بدؤوا تحضيراتهم مبكراً من خلال جمع ما استطاعوا من غابات المنطقة المجاورة لخيمهم”.

العوز يقتل أحلامهم

محمود حالة أخرى تمثل الواقع المأساوي الذي يمر به النازحون في هذه المنطقة، استشهد والد الطفل ذو الرابعة عشر عاماً قبل عامين خلال قصف لقوات النظام على مدينته جسر الشغور، فاضطر للانتقال مع والدته وأخته التي تصغره بثلاث أعوام إلى مخيم اليمضية بجبل التركمان الملاصق للأراضي التركية.

تحوّل الطفل ذو البنية الهزيلة من جمع الأعشاب الطبية التي كان يمارسها طوال الصيف إلى جمع الحطب والعيدان اليابسة هذه الأيام، كونها “أكثر ربحا”، حيث يعمل لساعات طويلة  ليجمع ما استطاع من هذه العيدان، ومن ثم يقوم ببيع ما تمكن من جمعه.

يكسب محمود من عمله بين 500 إلى 700 ليرة يوميا وهي تسعيرة بداية الشتاء كما يقول، وهي بالكاد تكفيه لشراء ربطتي خبز وكيلو من الخضار، لكنه رغم ذلك يقول إنه مضطر للعمل يوميا وذلك بسبب غياب أي معيل لأسرته.

يتمنى محمود خلال حديثنا معه أن يصبح مهندسا يوما ما وبينما يمسك بإحدى الأغصان يقول مبتسما “لا أدري إن كنت أستطيع أن أحقق غايتي، لكني أتمنى أن أعود للمدرسة والقراءة يوما ما”.

ورغم الأمن النسبي الذي تتمتع بها المناطق التي يعمل بها هؤلاء الأطفال بسبب بعدها عن مناطق المعارك وقربها من الحدود التركية الذي يمنع وصول القذائف إليها إلا أنّ أخطار العمل على أجسادهم الغضة لا تزال قائمة، حيث تعرّض محمود قبل مدة لكسر في يده عند صعوده إلى إحدى الأشجار وسقوطه منها أثناء عمله.

نصف الأطفال غابوا

من جانب آخر تحدثت المعلمة فاطمة درويش مدرسة في الصف الرابع ضمن “مخيم الأنصار” بجبل الأكراد عن عوامل كثيرة تؤدي لغياب الأطفال عن مقاعدهم الدراسية وهي “ظاهرة بدأت تزداد منذ قرابة شهر” لأسباب ردتها إلى “العوامل الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الأهالي، وغياب المعيل عن الكثير من الأسر”.

ورغم محاولة درويش في العديد من المحاولات اقناع الأهالي بإرسال أبناءهم إلى المدرسة إلا أنّ الغياب المتكرر للأطفال بسبب العمل يؤثر بشكل سلبي على تعليمهم مضيفة ” في الصف الذي أنا مسؤولة عنه يومياً هناك غياب بين 10 إلى 15 تلميذ من أصل 35 طالب، أشعر بالحزن دائما لأنّ هؤلاء الأطفال اضطروا للعمل بينما مكانهم على مقاعد الدراسة”.

يشار إلى أنّ أكثر من 100 ألف نازح يعيش في مخيمات عشوائية منتشرة على طول الحدود التركية في ريف اللاذقية، نزح معظمهم من قرى جبلي الأكراد والتركمان وريف جسر الشغور، وتفتقر خيامهم إلى الشروط الصحية المناسبة، كما تعاني المنطقة سنوياً من غرق الخيام بفعل غزارة الأمطار، ومن البرد القارس، حيث تهبط درجات الحرارة إلى ما دون الصفر أحياناً في وقت يعجز الكثير منهم عن تأمين وسيلة للتدفئة.

حسام الجبلاوي