اعيدوا لي اطفالي … هل من مجيب؟
أحمد القصير – خاص ” أنا قصة إنسان ”
كثير من الآلام و الأوجاع مرّ أمام أعيوني، خلال الجولات التي قمت بها على مخيمات النازحين السورين في لبنان، لكن ما حصل اليوم جعل الجراح في قلبي كبيرة وعميقة، ففي كل خيمة ومكان قصة آلم و وجع سوري جديد.
اليوم وبينما كنت اعد كاميرتي لأبدأ في تصوير تقريري واسمع لضحكات الاطفال وبكاء النساء لانهم في حالة يرثى لها لانه سيفرض عليهم هجرة ما بعد هجرة , واذا برجل سوري من خارج المخيم يدخل ويجلس بالقرب مني ويبدأ رواية قصته لمدير ذلك المخيم، حيث بدأ كلامه بجملة استوقفت كل شيء فقال”: يا أخي ياخدوا اثنين من الاولاد ويتركولي أثنين”، هنا جلست لاستمع ما هي تلك القصة التي تستوجب الاب ان يضحي بطفلين من أطفاله الثلاثة عشر.
بدأت أسأله عن قصته ولماذا قال ما قاله, أجاب “الحرب اجبرتني وعائلتي (9 أولاد ووالدتهم) على اللجوء الى شمال لبنان، ابني الكبير بحاجة لعمليات كثيرة، دفعت الى الآن بمساعدة مفوضية اللاجئين ما يقارب سبعة عشر مليوناً، ولا يزال يحتاج الى عمليات زراعة عظم نتيجة القصر الموجود في رجله, لكن هو حمله اخف من حمل التؤام الذي حملت فيه زوجتي حيث من قراب السنة انجبت زوجتي لي توأم، أربع أطفال ثلاث بنات وولد نتيجة حملها في هذا التؤام اجبرت على الولادة في منتصف الشهر السادس من حملها, فاخذتها الى المشفى الحكومي في طرابلس انجبت هناك ونتيجة الولادة المبكرة اضطروا لوضع الاطفال في الحاضنات لكي يكونوا بعد فترة بصحة جيدة. بقوا في الحاضنات ما يقارب خمس واربعون يوما حين اتيت لتخريج زوجتي اجد ان العملية والمبلغ المطالب فيه ما يقارب ستون ألف دولار امريكيا وانا لا املكه فتكفلت موفوضية اللاجئين بقرابة خمس وسبعون بالمئة منه والهلال الاحمر القطري بما يقارب اربع الالف دولار منه وانا دفعت قسما منه”.
أضاف: “لكن بقي علي ما يقارب عشرة الالف دولار منهم ولا استطيع سدادهم و ادارة المشفى احتجزت هويتي وهوية زوجتي وتتصل بي كل فترة لسداد ما تبقى من المبلغ رغم اني لا املك منه شيء، ماذا أفعل الان، انا لا استطيع في التفكير في ذلك التوأم الاربعه فقدت واحدا منهم بعد ان انجبت زوجتي وبقي ثلاثة منهم واصبحت اعمارهم ما يقارب السنة والاشهر؟ ماهو الحل برأيكم ولا استطيع ان اعلم ماذا افعل, هل تسطيعون الحديث للمشفى؟؟!! وان استطعتم فأوصلوا رسالتي لهم بأن يأخذوا اثنان من التوأم مقابل ما بقي من ديون لا استطيع سدادها ويتركوا لي اثنان الميت وواحد منهم “. هنا انتهى الكلام, و قد غص قلبي لهذه الكلمات التي تخرج من أب, التي اعلم مدى قسوتها على قلبه وقفت عاجزا أمام ما تكلم به لا استطيع ان اقدم له شيء ولا أستطيع تحمل ما سمعت من آلم ووجع خرج من قلب الاب الذي قد جعلته الهموم أكبر من عمره بما يقارب عشرة سنوات. هل هذا هو قهر الرجال الذي نسمع به هل هو زمن الغربة والآلم؟ … لا أعلم ذلك ولا استطيع التفكير في ما قال …. للأسف هذه قصة من الألاف القصص عن أوجاعنا في بلاد اللجوء ….