تجار السويداء بمرمى الإرهاب والتهديد والمرسل شركات الاتصالات!
حزم أكبر تاجر للأدوات الكهربائية في السويداء حقائبه، وأفرغ مستودعاته الضخمة، وأغلق منزله، ورحل باتجاه حلب، بعد رحلة قاسية من الرعب والخوف طوال الأسابيع الماضية، غير آسف على شيء، ولا على تجارة مربحة أسسها خلال سنوات من العمل، خاصة بعد أن دفع أحد منافسيه خمسين مليون ليرة لشراء حياته.
تجارة الخطف المربحة التي تديرها الأجهزة الأمنية باقتدار منذ العام 2013، أخذت أشكالاً عدة، وكان أجداها نفعاً تشكيل عصابات من الزعران والمشبوهين، وتقديمهم للمجتمع المحلي كقادة متحكمين مادياً وعسكرياً.
غير أن رسائل الـ SMS التي أرسلتها شركتا الاتصالات الوحيدتين في سوريا طوال الأسابيع الماضية، والمتضمنة عدم الرد على المكالمات المطالبة للمال، والتي تدعي أنها تحمل صفة أمنية، والإبلاغ عنها للجهات الرسمية، تم اخذها على محمل الجد بعد أن اعتبرها السوريين رسائل مزعجة للغاية، وحملوا اللافتات العريضة ضدها كنوع من التهكم، لكن الذي حدث في السادس من شهر تموز الماضي يشي بخطة شيطانية مدروسة بحرفية عالية لم يتوقعها أحد، لتطال التجار الكبار في السويداء من خلال الاتصال معهم من رقم غريب يتهمهم المتصل بالإرهاب والتعامل مع المعارضة في الخارج، وأن ملفهم الأمني مليء، ويجب تبييضه، حيث قدم المتصل بياناً كاملاً عن الشخص وعائلته وأولاده، والتجارة التي يقوم بها، محذراً الرجل الغارق في عرقه من الاتصال مع أحد، وتحويل مبلغ كبير من المال على شكل وحدات إلى ذات الرقم، أو سيتم فتح الملف كاملاً والقبض على صاحبه في أقرب فرصة.
الاتصالات التي تكشّفت نتيجة نباهة بعض الأشخاص المدركين لحجم الأجهزة الأمنية في السويداء، انطلت على عدد آخر، حيث علم أنا إنسان من مصادر موثوقة أن تاجراً آخر يعمل في الأدوات الكهربائية والمنزلية قد اختفى بعد الهواتف التي لاحقته، ووضع عائلته في مكان أمين، وراح يبحث عن سماسرة تحل له معضلته مع الفروع الأمنية.
تجار الأدوات الكهربائية الذين أصيبوا بمقتل في عز موسمهم الصيفي، بعد خطف أكبر تاجر حلبي يعيش في السويداء، وتهديد التاجر الثاني بنفس المصير، ورحيله النهائي من المحافظة بشكل سري، باتوا في حيرة حقيقية، خاصة أن جلب البضاعة من دمشق بشكل منفرد تعتبر تجارة خاسرة، وهم على يقين أن من ابتدع قصة الاتصالات هم نفس الأشخاص الذين يديرون عملية الخطف.
يقول أحد التجار الذي فضل عدم ذكر اسمه لأنا إنسان: «الشخص الذي اتصل معي يعرف عني كل شيء؛ عملي، وأولادي وأسماؤهم، وأعمارهم، اسم زوجتي وأهلها، تفاصيل عن ممتلكاتي الخاصة. أحسست بعد هاتفه أنني مراقب، وأن محدثي قريب من مكان عملي، وهو ما أصابني بالفزع والخوف، ولم أعلم ما هو الحل، فاتصلت فوراً بعائلتي ألا تفتح الباب لأحد مهما كان، وبشكل لا إرادي ذهبت إلى جيراني في العمل؛ الذين هدأوا من روعي، لكنني حتى اللحظة غير متوازن، وأغلقت محلي بانتظار أن تنجلي الحقيقة».
التاجر أكد أن المتصل طلب منه تحويل 250 ألف ليرة على شكل وحدات إلى الرقم ذاته، مع التحذير بعدم إخبار أحد، وإلا سوف يفتح عليه باب الجحيم.
وعلى نفس المنوال، وقع تجار المواد الغذائية الكبار في نفس الحصار، وإن بصورة أخرى، وعلى الرغم من تراجع الدولار أمام الليرة خلال الأيام الماضية، إلا أن الأسعار ما زالت تحلق وحيدة دون أي رادع، وكأن قدر الناس الذين حكم عليهم بالبقاء في أرضهم أن تتحكم بهم الغربان، فبعد عملية خطف سيارات المتة والقهوة، أحجمت عدد من الشركات الكبرى على إرسال بضاعتها إلى السويداء، وطالبوا التجار أنفسهم بالذهاب إلى دمشق لجلب ما يريدون، وهو ما يزيد العبء والسعر على المواطنين الغارقين بالفقر والديون.
السويداء على مرمى حجر من حرب اقتصادية خانقة، وحرب اجتماعية ما زالت تداعياتها مستمرة بفضل أبطالها الذين اخترعتهم ورعتهم الأجهزة الأمنية، وتستخدمهم عندما ترغب في تمرير رسائلها، وخاصة ما يتعلق بدخول الجيش لضبط الأمن؟.
وأكبر دليل على تواطئ الأجهزة بكل مسمياتها مع العصابات المتهمة بالخطف والتهريب والمخدرات أنها تغافلت على عملية إصابة أخطر المجرمين المتهمين بعمليات الخطف الذين دخلوا المشافي الخاصة بعد إصابتهم بأعيرة نارية ناتجة عن تصدي المواطنين لهم، فقد دخلوا مشفى العناية الخاص الذي يبعد 100 متر عن قيادة شرطة المحافظة، وأقل من 100 متر عن الأمن الجنائي!!.