أخبار

حين تتحول ملاعب الكرة السورية إلى مباريات “كراهية”

شتائم واشتباكات وضرب وهتافات مسيئة للفريق المنافس وجمهوره، تلك هي اللوحة العامة التي أصبحت لا تكاد تخلو منها مباريات الدوري السوري الذي ينظمه الاتحاد الرياضي التابع للنظام، رغم أنّ الرياضة هي تنافس شريف، ينبغي أن يجسد الأخلاق والتنافس الشريف بين الفرق.

وعلى عكس الأهداف التي وجدت لها هذه المباريات نمت الطائفية والمناطقيّة بين الفرق المتنافسة وجمهورها، واقتحمت السياسية والصراع الذي يحصل في سوريا منذ سنوات مدرجات الرياضية، حتى أصبحت متنفسا لبعض الجماهير للتعبير عن حقدها على مناطق ومحافظات أخرى.

 

عدم تقبل الآخر:

في الجولة السادسة من مباريات الدوري السوري للعام الحالي تحولت مباراة حطين من اللاذقية والاتحاد الحلبي إلى ساحة مصارعة حقيقية بين جمهور الطرفين، تخلّلها عبارات مسيئة ومناطقية، وأصيب خلالها عدد من المشجعين بجروح متوسطة جرى نقل بعضهم إلى المشافي.

وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تعهد بعض مشجعي الاتحاد الحلبي جمهور حطين في اللاذقية بالرد، متوعدين إياهم بـ”حفلة” في لقاء الاياب بحلب.

وفي مباراة ودية كانت من المفترض أن تحمل طابع الروح الأخوية في دورة أطلق عليها الصداقة باللاذقية تحولت مباراة الجارين حطين وتشرين من اللاذقية في بداية شهر أيلول الماضي من ساحة الملعب إلى الأحياء بعد تبادل الجمهرين قذف الحجارة وتضررت الممتلكات المحيطة بالملعب في مباراة لم تخلو من روح الطائفية.

تتكرر الصورة نفسها في العديد من المباريات، ففي مباراة الوحدة الدمشقي وتشرين من اللاذقية أيضا تدخلت قوات حفظ النظام للفصل بين الجمهورين، عقب اشتباكات عنيفة خارج الملعب أدت لأضرار بشرية ومادية كبيرة.

وفي مشهد تشبيحي آخر اعتدى رئيس فريق تشرين معاوية جعفر أيضا خلال مباريات الموسم الماضي على حكم المباراة زكريا علوش بسبب احتسابه هدفا لفريق النواعير من حماه، لتسود بعدها حالة من الشغب في المدرجات بين جمهور الفريقين انتقلت إلى خارج الملعب.

تتعدد الأمثلة عن هذه الحالات بحيث لم تعد أمراً غير مألوف، إذ قلما تنتهي مباراة بين فريقين في الدوري السوري وحتى لو كانا ضمن المحافظة نفسها دون أعمال شغب وسباب وتكسير، حتى وصل الحال إلى وفاة أحد مشجعي حطين العام الماضي أثناء مباراة فريقه مع تشرين في اللاذقية.

وباعتراف مهند طه رئيس فرع دمشق للاتحاد الرياضي العام فإنّ ظاهرة الشغب تفشت وزادت عن حدها. وقال طه في تقرير نشره الاتحاد الرياضي العام على موقعه إنّ “الجمهور مازال متأثراً بالأزمة، وللأسف ثقافة عدم تقبل الآخر صارت واضحة، والتعصب يزداد وعدم تقبل الخسارة بات أمراً مزعجاً”.

 

أسباب وخلفيات:

وفق الأخصائي في علم الاجتماع محمود طيفور فإنّ ظاهرة الشغب في الملاعب السورية لها ما يبررها لاسيما أنّ هذه الأعمال وفق رأيه ماهي إلا “انعكاس للانقسام الاجتماعي، والشرخ الذي تسببت به سنوات الحرب في المجتمع السوري”.

ويرى طيفور أنّ: “النزعة المناطقية والطائفية التي تنامت بفعل الحرب يمكن أن تترجم بشكل أسهل في الملاعب، كون المشجعين يختبئون خلف فريقهم، لكنّ الحقيقة أنّ أعمال الشغب واللافتات والعبارات المسيئة تخفي أموراً أكثر من مجرد الانتماء لفريق، وهي حصيلة سياسة التجييش التي اتبعها النظام ضد مناطق بعينها”.

ويضيف أخصائي علم الاجتماعي في حديثه لموقع (أنا انسان): “حين يكره ابن اللاذقية حلب أو العكس، وينظر ابن طرطوس إلى ابن دير الزور بأنه ارهابي، وتقسّم الأحياء في حمص بحسب الانتماء، وكلًّ له فريق خاص به، فهذه الأمور جميعها لم تأت مصادفة، وانما نتيجة سياسة طويلة من التفريق و التحريض”.

وأكدّ طيفور أنّ ثقافة الربح والخسارة غائبة عن مجتمعنا، وهي حصيلة تربية طويلة للفرد تندمج فيها جهود الأسرة مع المدرسة والمجتمع لكنها للأسف غير موجودة.

 

منظومة فساد:

في السياق ذاته ربط الناشط الإعلامي في ريف اللاذقية أحمد خليل أحداث الشغب التي تجري في الملاعب السورية بسياسة الاتحاد الرياضي الذي “يحابي أندية دون أخرى بسبب نفوذهم الكبير في أجهزة النظام”، موضحا: “إذا ما نظرنا إلى العقوبات المطبقة فإنها تبقى سطحية ومكررة وجميعها ردة فعل فقط، كما أنّ الأندية ذاتها تشتكي من الازدواجية التي يتعامل بها الاتحاد تجاه أندية دون أخرى، وهذا الشعور ينتقل إلى اللاعبين والجمهور الذي يفرغ غضبه بجمهور الفريق الخصم”.

 وأضاف خليل لـ (أنا انسان): “في الدول المتطورة نجد أن هناك عقوبات مغلّظة تجاه كل من يخرق قوانين الروح الرياضية، التي هي بالأساس الهدف لهذه المباريات، أما في سوريا فلا يوجد أي تخطيط، ولا حتى قوانين تحد من الكراهية وتعاقب عليها”.

وختاما حمّل الناشط في حديثه الخاص المنظومة الرياضية  بكاملها نتيجة ما حال إليه الأمر في الرياضة السورية بدءا من اتحاد الكرة، مرورا بالأندية واللاعبين والإعلام الرياضي، وصولا إلى الجمهور، وحتى مسؤولي حفظ النظام.

مروان 25 عاما من مشجعي نادي حطين في اللاذقية قال لـ (أنا انسان) إنه كان من المتابعين للدوري السوري ولناديه منذ سنوات طفولته، لكن تنامي ظاهرة الشغب والألفاظ الغير أخلاقية دفعه مؤخرا للعزوف عن التوجه للملعب، مضيفا” قبل أشهر قليلة كدت أفقد حياتي عند تعرضنا أثناء خروجي من الملعب لوابل من الحجارة من جمهور تشرين، فكرت ملياً بعدها هل أموت وأترك ابنتي من أجل لعبة كرة قدم؟! هذه ليست رياضة إنها مباراة في الكراهية”.

ليس ثمة حلول سحرية لتقادي الوضع الحالي وفق مروان لأنّ بناء الأخلاق تتطلب رحلة طويلة من الانضباط والتربية لكن الأكيد وفق قوله أنّ الرياضة في سوريا باتت تشبه الانهيار الذي تمر به البلاد في كل مفاصلها.

 

حسام الجبلاوي

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *