أخبار

طب الأعشاب ملجأ أهل الشمال السوري الشافي

 

 

وجدت إيمان الجمعة الحل البديل لعملية القثطرة القلبية المكلفة، وانقطاع الأدوية الخاصة بالقلب، في طب الأعشاب، حيث لجأت إلى عطّار متمرس لكي تحسن من قدرات قلبها المنهك، وبأقل التكاليف المادية. الخيارات المادية والقصف تركا أهل الشمال السوري أمام خيارات الطب البديل.

 

مع تدهور القطاع الصحي جرّاء الحرب المستمرة، لجأ الكثير من أهالي إدلب إلى التداوي بالأعشاب، حيث انتعشت مراكز العلاج في الآونة الأخيرة بشكل كبير؛ خاصة مع استمرار استهداف المشافي والنقاط الطبية من قبل طيران النظام، إضافة إلى فقد الكثير من الأدوية نتيجة تقلص أعداد المعامل وتضرر الكثير منها، فضلاً عن هجرة الأطباء بحثاً عن ظروف ملائمة للعمل، وهرباً من مشاهد الدم اليومية، ليجد الأهالي أنفسهم أمام هذا الخيار الوحيد .

 

يشكو العديد من المرضى المصابين بأمراض متعددة في مناطق سيطرة المعارضة السورية من قلة الأخصائيين، لاسيما الاختصاصات النادرة كالأوعية والقلبية والصدرية، إضافة لتكاليف العلاج المرتفعة. تقول إيمان التي لم تجتز حاجز الأربعين عاماً: «أن طب الأعشاب كان الأسهل والأجدى والأقل عناءا وتكلفة. كنت قلقة من احتمال عدم استطاعتي إجراء العملية لعدم قدرتي على تسديد نفقاتها، وبالتالي ازدياد حالتي سوءا، ولكنني ما إن سمعت بفعالية الطب العربي الذي انتشر هذه الأيام حتى قصدته كملاذي الأخير».  وتؤكد بأن وضعها بات أفضل بكثير بعد مواظبتها على العلاج الذي وصفه لها العطار؛ وبمبلغ بسيط لا يتجاوز الـ٢٠٠٠ ليرة سورية، وهو عبارة عن تركيبة مؤلفة من خمس أعشاب مختلفة من ورق الزيتون، الاستراجالوس، الأولموس، خلاصة بذور العنب وشاي الزعرور، حيث تخلط هذه المواد وتستعمل في أمراض القلب وتقويته لمدة علاجية لا تتجاوز الـ١٠٠ يوم».

 

مؤيد الحلو 35 عاماً من معرة النعمان، والأب للستة أبناء يقول: «أعاني من ارتفاع أسعار الأدوية في الصيدليات الذي لا يتناسب مع دخلنا المحدود؛ وتدني أوضاعنا المعيشية، لذلك ألجأ إلى طب الأعشاب لأداوي أولادي من الأنفلونزا والسعال والالتهابات وغيرها من الأمراض، لأن الأدوية المتوافرة في الصيدليات مستوردة وغالية الثمن، ونحن بالكاد نستطيع شراء الأدوية المحلية».

ياسر الأحمد (39عاما ) أحد أهالي مدينة كفرنبل يرجع ارتياد معظم الأهالي في ريف إدلب إلى عيادات طب الأعشاب لأنها لا تحتاج إلى مكوث داخل العيادة لفترة طويلة بانتظار مراجعة الطبيب، وإنما يعتمد العلاج على استخدامه في المنزل، وهو مايعتبره أكثر أمانا من النوم في المشافي والتردد إليها في وقت أصبحت المشافي الأهداف الأولى للطيران الأسدي والروسي، هذا الاستهداف للمشافي خلف هاجس الخوف من لجوء الناس إلى المشافي لمعالجة مرضاهم، إلا في حالات الضرورة القصوى.

 

امتهن طب الأعشاب في إدلب وريفها عدداً من الصيادلة والممرضين والخبراء ممن ورثوا المهنة عن آبائهم، كخبير الأعشاب صابر الصوراني (43عاما) وهو من أهالي ريف إدلب، والذي يمتلك عيادة لطب الأعشاب منذ فترة طويلة، ولديه معرفة بالأعشاب الطبية اكتسبها من والده، ثم تحول إلى صنع الخلطات وتجهيزها للمرضى الذين يقصدونه، حيث يقول: «ثمة أنواع مختلفة من الأعشاب التي تعمل على شفاء العديد من الأمراض، فلكل عشبة ميزاتها وفوائدها. وهنالك أعشاب تغني عن القثطرة وتنقي الدم من الكوليسترول والدهون الثلاثية، وتنقي الأمعاء والكبد والكلى، مثل الزنجبيل، الصفصاف، الزعرور، زيت بذور الكركم، فول الصويا، وقد ثبت علمياً فوائدها في علاج الأمراض القلبية والذبحة الصدرية، وتمنع تطور المرض إلى الأسوأ، وهذه الأعشاب والنباتات متواجدة في بلادنا ومنها ما يؤكل يومياً».

وعن احدى الخلطات التي يجهزها الصوراني لمنع نشوء الخثرات الدموية، وتعطي مفعول الإسبرين هي الثوم مع قشر الليمون، وزيت زيتون، ماء وزنجبيل طازج، وسوف تظهر النتائج بعد أسبوع، ويردف الصوراني بأن هنالك أدوية لحالات مرضية أخرى كشعر الذرة مثلاً الذي يستخدم من أجل حل مشاكل الجهاز البولي، وذلك لاحتوائه على البوتاسيوم الذي يلطف بطانة الجهاز البولي.

 

وهنالك زيت بذر الكتان الذي يعمل على توازن سكر الدم، وحول هذا الموضوع يقول سليم الحسن (50عاما ) وهو أحد مرضى السكري: «مشكلتي أنني لا أستطيع الاستغناء عن دواء السكري لكوني أعاني من هذا المرض منذ سنوات، ولكن الذي حدث مؤخرا بأن أدوية السكري فقدت من الصيدليات، وإن وجدت فهي ليست جيدة لأنها ذات مفعول ضعيف، لأن الدواء مصدره من تركيا، ومن المعروف عن الدواء التركي قلة فاعليته، أو ذو منشأ سوري كعدد من الشركات التي لم تعد تخضع للرقابة بسبب ظروف الحرب». وأمام هذه المشكلة أخذ الحسن يرتاد عيادة أحد العطارين الذي وصف له زيت بذر الكتان، وبعد استخدامه وجد الفرق، والتحسن.

 

أما سهير الحلبي (18عاما) التي تعاني من طفح ومرض جلدي تسبب لها حكة ومشكلة نفسية كونه في ازدياد، ويؤثر على شكلها الخارجي، حيث تقول: «حاولت الاستعانة بالأدوية لأشفى، ولكن دون جدوى، فقصدت أحد العطارين الذي وصف لي خل التفاح لدهنه موضع الإصابة، وفعلاً وجدت فرقاً بعد استعماله بمدة قصيرة».

 

وعن الفوائد الأخرى لخل التفاح يقول الصيدلاني عامر المالح أحد ممتهني طب الأعشاب: «إن خل التفاح من المواد الطبيعية الفعالة التي تعمل على مقاومة البكتريا لاحتوائه على العناصر النادرة؛ مثل البوتاسيوم، الكالسيوم، المغنيزيوم، الكلور، الصوديوم وغيرها، وهو يعالج بالإضافة للحساسية والطفح وحب الشباب علامات التقدم في العمر، ونقص الوزن، والإمساك من خلال زيادة حركة الأمعاء لاحتوائه مادة البكتين التي تساعد على تحسين الهضم وتنظيم الحموضة في المعدة».

 

ومن جهة أخرى يحذر المالح من أن ثمة آثار جانبية خطيرة للأعشاب إذا ما تم تناولها دون دراية ومعرفة، فخل التفاح مثلاً إذا تم استعماله بنسب غير صحيحة، فمن الممكن أن يؤدي تناوله إلى تحلل الطبقة التي تغطي الأسنان وتحميها مما قد يسبب اصفراراً وحساسية الأسنان للحرارة والبرودة، ولذلك يجب أن يستعمل خل التفاح مخففاً بالماء لتفادي تلك الأعراض، وكذلك الزنجبيل والعرق سوس والكركم والقرنفل وجوزة الطيب ونبات الدفلة، ويجب تناولها بنسب معقولة ومدروسة حتى لا تكون سبباً بمضاعفة أي مرض.

 

وعلى الرغم من انتشار ظاهرة طب الأعشاب في ريف إدلب والتي بلغت عياداتها حوالي ٦٠ عيادة بحسب الصيدلاني المالح؛ إلا أنها لا تزال غير مرخصة من أية جهة، وإن لم يصدر عنها أي خطأ طبي أو مشاكل دوائية حتى الآن.

 

الطبيب أحمد الجرك مسؤول مديرية الصحة في إدلب، يقول بأن عيادات طب الأعشاب التي تبيع أعشاب بشكل عطارة لا تشكل مشكلة، أما من يشخص ويركب دواء ما؛ يعتبر مخالفاً إن لم يكن لديه دراسة أكاديمية بهذا الجانب، وبكل الأحوال ينفي الطبيب وجود مثل هذه العيادات كونها لم يصدر عنها أي شكوى حتى الآن.

 

من جهته يؤيد طبيب الأطفال علي الأصفر التداوي بالأعشاب فيقول: «هنالك بعض الأعشاب الطبية المميزة في الشمال السوري، والتي تستعمل بكثرة، ومنها إكليل الجبل، الختمية، الميرمية، القبار، السوسن، المليسة، والحلبة». وينوه إلى أنه لا يتوانى عن وصف بعض الأعشاب كمغلي النعناع والكمون واليانسون المفيدة لبعض أمراض الأطفال كالمغص والالتهابات وأمراض البرد.

 

خبير الأعشاب تركي الصلاح (52عاما) يقوم بتجهيز عيناته من الأعشاب والزهور المتواجدة في المنطقة، ويؤكد بأنه عالج العديد من الأمراض، ومنها الكولون، الشقيقة، ارتفاع ضغط الدم والشحوم والكولسترول وغيرها، مشيراً إلى أن العلاج غير مكلف قياساً بالعلاج الكيميائي، وهو يتراوح لسعر الخلطة الواحدة ما بين 2000 6000- ليرة سورية، أي ما يعادل من 4 إلى 12 دولار أمريكي، ويعطي الصلاح عدداً من الوصفات المستعملة لشفاء عدد من الأمراض، ومنها الربو، ويستخدم لشفائه الفرسك، والاكليل، واليانسون بعد طحنها؛ وتناول ملعقة ثلاث مرات في اليوم.

 

بثينة الشعراوي (46عاما) تعاني من مشاكل قلبية، وقد استفادت من ارتيادها لخبير أعشاب، حيث تقول: «كنت أعاني من خفقان في القلب، ولم تجد أدوية الصيدليات معي نفعاً،  فقصدت خبير الأعشاب الذي وصف لي القرنفل مع العسل والخل، ووجت الفرق منذ أول أسبوع بعد العلاج». وتنوه أن ابنتها أيضاً كانت تشكو من الغثيان المتكرر، فوصف لها الخبير الرمان المحلى بالعسل وشفيت أيضاً. وتعبر الشعراوي عن سعادتها بشفائها وشفاء ابنتها بالقول: «لطالما كانت الطبيعة ومازالت نعمة من الله أنعم بها علينا، فهي ذاتها عبارة عن صيدلية متكاملة، وهي مصدر الدواء الناجع لكل داء، وليس من وقت أحوج من وقتنا هذا للعودة إليها والتداوي بأعشابها«.

 

 هاديا منصور

 

 

 

 

 

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *