أخبار

عام على مجزرة الأربعاء الأسود.. فصل من كتاب الألم السوري

 

شاهدت موت والدتها وشقيقتيها بعينها، ودون كثير من التفكير؛ ألقت بجسدها الغض في بئر المنزل قبل أن يصل إليها صانعو الموت فجر الخامس والعشرين من تموز العام الماضي، فكان الأربعاء الأسود الذي حرمها من الحياة والفرح. قاومت حزنها، وحولته إلى حقيقة بعد أقل من سنة على الكارثة، ونالت الثانوية العامة بتقدير ممتاز في يوم الأربعاء العاشر من تموز 2019.

حنين سعيد الجباعي ابنة قرية الشبكي في الريف الشرقي لمحافظة السويداء، نجت بأعجوبة من الموت المحتوم، واكتوت بنار الفراق واليتم، كانت على موعد مع الفرح بعد سنة من مقاومة الحزن والانفصال عن العالم من أجل تحقيق حلمها في دراسة الطب، وقالت: «رغم كل الألم والتجربة القاسية التي مررت بها، لكن دافع تحقيق حلم والدتي في دراسة الطب كان هو الهاجس الأول والوحيد. الإرادة تغلبت على كل شيء، صبرت كثيراً، وتعذبت كثيراً، ولكنني وصلت».

بعد أن نجحت في الشهادة الثانوية؛ سافرت حنين نحو قريتها التي غادرتها قبل سنة، دخلت بيتها، ورأت البئر الذي احتضن جسدها، وتلمست جدران المنزل وهي تنادي أمها وأختيها. كان صدى الصوت مؤلماً، والدموع الغزيرة التي سقطت أكبر من أن تصفها الأقلام والكلمات: «كانت الصور المؤلمة تجتاح ذاكرتي، وتسيطر على بصري المنهك. هنا كانت طفولتي وملعب أحلامي التي كبرت مع فقدي لوالدي منذ الطفولة، وهنا سهرت مع شقيقتاي ووالدتي التي كانت توزع الفرح والمحبة على العالم، وهنا كانت جثثهم الطاهرة. لا شيء يمكن أن يداوي جراحي سوى أن أبقي ذكراهم حية في قلوب وعقول الناس، وسوف أحاول ما حييت تحقيق ذلك».

تفاعل آلاف المتابعين مع خبر نجاح حنين، وقاموا بحملة كبيرة من أجل حصولها على مقعد في كلية الطب البشري تقديراً لتضحياتها، لكن الحكومة العتيدة، والقيادة الرشيدة استعانت بجامعة خاصة لكي تحقق حلم حنين، حيث تصدت جامعة القلمون عن طريق كبير أمنائها الوزير السابق محمد إياد الشطي الذي تبرع لها بمنحة كاملة المصاريف والسكن من أجل ذلك.

عام على المجزرة التي أعقبها خطف 32 طفل وامرأة من قرية الشبكي، والمساومة عليهم لمدة فاقت المائة يوم، وهم محصنون مع السلطة التي خططت كي تذل أهل الجبل، وتقضي على حركة رجال الكرامة بضربة واحدة، لكنها فشلت وكشفت مخططاتها الهزيلة.

اليوم، تحاول السلطة وحزبها تلميع الصورة؛ والدخول من باب الاحتفالات التي يستعد لها المجتمع المحلي، بالتسويق للانتصار على داعش على يد جيش النظام، الذي بقي على الحياد طوال ساعات المجزرة، وتحرك عندما علم أن رجال السويداء قضوا على التنظيم، واستعادوا كل ما حاول احتلاله بساعات قليلة، مقدمين 262 شهيداً، وجرحى كثر ما زال غالبيتهم يروي تفاصيل المعارك مع التنظيم، والانتصار عليه بسواعدهم، وعنفوانهم، وإيمانهم المطلق بأن لا مكان لهم سوى في هذه الأرض.

معارض توثق للشهداء والجرحى، أفلام وثائقية، أمسيات ثقافية، وقصائد تخلد ملحمة دحر داعش، وكشف واحدة من فصول التآمر على أهل السويداء، غير أن الأهم أن أهالي المحافظة تصالحوا مع الحياة، وزرعوا أرضهم رغم حرق آلاف الدونمات.

 

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *