أخبار

عماد الدمراني … وحكاية مجزرة اودت بحياة عائلته

المكتب الاعلامي لمعضمية الشام

خاص ” أنا قصة إنسان “

كان الجو بارداً.. استيقظ الأطفال آملين بيوم هادئ بعد أن اعتادوا أصوات القصف القريب والبعيد .. خرج أربعة منهم للبحث عن العيدان والأقمشة والقطع البلاستيكية اللازمة لإيقاد نار التدفئة للعائلة وأيضاً لتعد عليها الأم الطعام لهم, أما والدهم ” عماد الدمراني ” وهو من سكان معضمية الشام بريف دمشق

فقد صعد إلى السطح ليتفقد المدخنة , كل ذلك حصل في عشر دقائق ..وفجأة , وكأن حرب النظام تركزت على هذه العائلة الفقيرة المسالمة ,سُمع في الأجواء ذلك الصوت المرعب ..إنها طائرة ميغ. ارتبكت الأم وكأن إحساس حنان الأمومة أنبأها بأن شيئاً فظيعاً سيحصل لها ولعائلتها إن لم تتدبر الأمر سريعاً.

صرخت لزوجها بأعلى صوتها “أسرع بالنزول , لا نريد أن نتدفأ دع المدخنة” . فأجابها : “إذا كنت أنا نفسي أرتجف من البرد, فكيف هو حال الأطفال ؟ ” وصلت للباب, فتحته وصرخت.. لكنّ صوت الانفجار كان أعلى من صوتها .

امتلأ الحي كله بالدخان والغبار , وتهدمت جدران منازله.

أحد الأولاد الذي لم يصب سوى بخدوش بسيطة لأن الصواريخ الفراغية التي رمتها الطائرة التابعة لنظام الحكم في سورية قد سقطت في منتصف الشارع أمام منزله تماما ,نظر من فوق الركام باحثاً عن عائلته ..نادى كلاً باسمه ولكن لم يجبه أحد ,كما لو كانوا يلعبون الطميمة منتظرين والدهم ليبحث عنهم.

نزل الوالد بأعجوبة , والأفكار تتلاعب به ..أدرك أن أطفاله وزوجته كلهم باتوا تحت أنقاض منزله , وراح يبعد فكرة واحدة هي أنهم قد ماتوا.

بدأ أولاً بالبحث  عن طفلتيه اللتان لم تخرجا من  المنزل لصغر سنيهما, فرهام عمرها سنة, ومرام عمرها سنتين.

امتلك الأمل حواسه وقلبه وامتلأت عيناه بالدموع عندما سمع طفلته الصغيرة تبكي وقال في نفسه” لا يهم إن كنتي تتألمي يا حبيبتي .. لا يهم ,المهم أنك على قيد الحياة وأنا قادم لإنقاذك “.

ركض نحو الغرفة ,فوجدها مختبئة في أحد الزوايا والذعر بادٍ عليها ,مغطاة بالغبار كأن عاصفة من الرمال والخوف قد هبت عليها.

في هذه الأثناء ,كان كثير من الناس قد هرعوا إلى المكان لإنقاذ من يمكن  إنقاذه كما اعتادوا على مدى عامين من القصف الممنهج والعنيف .

صورة لاطفال عائلة محمد الدمراني بعد وفاتهم نتيجة القصف
صورة لاطفال عائلة محمد الدمراني بعد وفاتهم نتيجة القصف

أعطى الوالد طفلته لأحد المنقذين متابعاً بحثه عن باقي أفراد الأسرة , بحث في أنقاض الغرف المتبقية ,ولكن عبثاً ,فركض باتجاه باب المنزل ورأى آثاراً للدماء عليه.. صلى كثيراً كي لا تكون هذه الدماء لأحد أطفاله , ساعده الناس في رفعه وصعق من هول المنظر .. إنها زوجته حيث كانت ساقها معلقة بجسدها. عند هذا المشهد سقط أرضاً بجانبها وهو يصرخ ” خديجة , أفيقي , أرجوك لا تفعلي هذا بي , لماذا.. لماذا؟ ما الذي فعلناه كي نعاقب بهذا الشكل ؟ ” .

أبعده الجيران عنها, وضعوها على ذات الباب المدمر وأخذوها للمشفى الميداني.

بعد ذلك المشهد ,أيقن الوالد أن كل آماله قد آلت لأوهام, لكنه بات مصمماً أكثر على إيجاد أطفاله الخمسة عله يبصرهم أحياء.

قصف-5نفض الغبار عن نفسه ناظراً للشارع المليء بالركام وبقايا المنازل, وراح كمحارب متعب  يرفع الأحجار والأبواب باحثاً حتى تحت السيارات , لكن بلا جدوى.

سمع من خلفه صراخ أحدهم ” الله أكبر , هناك جثة تحت هذا الجدار “.

ركض باتجاهه وتساعد عشرات الرجال على رفع الجدار , وإذ بابنه محمد ممزق الجسد تكاد لا تظهر ملامحه.

ليست هنالك أي كلمات تصف حال الوالد في تلك اللحظات , ولا حتى حال الناس من حوله ,إذ هذي هي المأساة بحد ذاتها, فالوالد لم يعد مبالياً بأي شيء, وبحث طويلاً عن باقي أبناءه حتى وجدهم بنفس حال محمد واحد تلو الآخر.

وجد الجميع ما عدا مرام, صرخ عالياً “مازالت  طفلتي مرام مفقودة , لقد كانت هناك ” وهو يشير إلى غرفة مهدمة الجدران . صعد بضعة أشخاص إلى الغرفة , بحثوا طويلاً ووجدوها أخيراً ملتصقة بالجدار خلف منضدة خشبية والدم يملأ رأسها.

وبعد أن وُجد الجميع , ذهب الأب للمشفى الميداني ليطمئن على زوجته وباقي أطفاله إن كانوا لا يزالوا على قيد الحياة حيث كان قد تركهم بحال لا تبشر بالخير , وأُنبئ بالفاجعة حالما دخل باب المشفى . أطفاله قد فارقوا الحياة ,أما زوجته فقد بترت ساقها وهي في غيبوبة . أدرك حينها أنه لم يبقى له سوى زوجته وابنته الصغيرة رهام .

ودع أطفاله, وأمضى الساعات الباقية بجانب زوجته علها تستيقظ فتراه بقربها , وفعلاً أفاقت من كابوسها لكن دون أن تعر أحداً اهتمامها ولا حتى زوجها الجالس لجانبها ,كان كل همها الاطمئنان على أطفالها فصرخت بصوت مليء بالألم ” أين أطفالي ؟  أريدهم حالاً ” وما كان للزوج سوى أن يجيبها ” إنهم جميعهم بخير.. لا تقلقي ” , وصرخت مرة أخرى وكأنها لم تسمع ما قاله لها ” أريد أطفالي الآن ” .. وكانت صحوة الموت بالنسبة لها إذ فارقت الحياة  .

أما رهام فما زالت في كل يوم تبحث عن أمها وإخوتها التي اعتادت اللعب معهم, تنادي عليهم ضاحكة ً ظناً منها أنهم مازالوا مختبئين ليكملوا معها  لعبة الطميمة .

هذه القصة هي رواية الاب عماد الدمراني الذي كان شاهداً على المجزرة التي حدثت بحق عائلته وقد رواها وقدم الصور لاطفاله بعد وفاتهم نتيجة تعرضهم للقصف. 

ومرفق هذا الفيديو تم تصويره لمنزل عائلة عماد الدمراني بعض تعرضها للقصف يوضح فيه حجم الدمار وحجم المجرزة التي تعرضت لها هذه العائلة

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *