في السويداء … مدرس يجر عربة العرانيس لتأمين مصروف عائلته
واصلت أسعار المواد الغذائية بكل أصنافها الصعود، مصطحبة معها كل أنواع البضاعة وسط تخبط غير مسبوق في تاريخ سوريا التي أطلق عليها جزافاً (سوريا الحديثة). وباتت الأحاديث عن الانهيار الكامل للاقتصاد شبه حتمي في ظل جلوس النظام وحكومته متفرجين على المأساة اليومية للسوريين.
وجاء انهيار الليرة ليتزامن مع برد قارس وأمطار غزيرة كشفت ضعف البنية التحتية التي بدأت تعلن انهيارها متخلية عن شعار العام 2011 (سوريا الله حاميها). وتخلت آلاف العائلات عن حقهم الطبيعي بشراء 100 ليتر من المازوت، وباعوا حصتهم منه وجهزوا ما جادت به الطبيعة من حطب وألبسة رثة وأوان بلاستيكية غير مبالين بالصحة التي لم تعد مهمة. وفيما انشغلت وزارة التجارة الخارجية بإتمام صفقة موز مع الجانب اللبناني عائدة لأحد الحيتان السورية، -(مصدر صاحبة الجلالة بتاريخ 19 تشرين الثاني)- كانت أسعار المواد الغذائية والمنظفات ومستلزمات الشتاء تحلق عالياً دون أي ضابط أو تصريح رسمي سوى في نشرات حماية المستهلك في مديرية التجارة الداخلية التي لا يلتزم بها أحد.
وارتفعت كرتونة البيض بمقدار 150 ليرة سورية، لتصبح البيضة الواحدة بخمسين ليرة، فيما كانت الخضار والفاكهة تحلق متجاوزة مواسمها المعتادة لترافق الدولار الذي لا علاقة قربى بينهما سوى أنهما يعاندان السوريين بمعيشتهم اليومية، فيما حافظت ربطة الخبز المعد للاستهلاك البشري في السويداء على سعرها بخمسين ليرة للفقراء، ولكن الجيد منها يباع من قبل المعتمدين والباعة الجوالة بين 75 و100 ليرة لسبعة أرغفة مقبولة، وبدون الهدايا المعتادة من زجاج ومحارم ورقية وخيوط؟.
الموظف الحكومي والراتب
يجر مدرس اللغة العربية سعدو الحسين (اسم مستعار) عربة العرانيس والترمس بعد انتهاء دوامه بساعتين؛ متوجهاً إلى ساحة مدينة شهبا أو شارعها الرئيسي دون أن يلتفت إلى كل الانتقادات التي وجهها له زملاءه ومعارفه، رافضاً بالوقت نفسه اعتبار ما يقوم به عيب، وإهانة للعلم.
الرجل المولود في العام 1966 والحاصل على الماجستير في اللغة العربية من جامعة دمشق، والذي لم يستطع إكمال الدكتوراه بسبب الحرب، واحد من فئة كبيرة من المعلمين الموظفين في الدولة الذين راحوا يشتغلون كسائقي سيارات عامة، أو في المحلات أو في ورش البناء لكي يستطيعوا الصمود في وجه الغول وانهيار الليرة، دون أن تحرك حكومة النظام ساكناً، وكأنها تعيش في كوكب آخر.
يقول الحسين: «لم أستطع أن أشتري بيتاً براتبي الذي يصل الآن إلى 45300 ليرة، وأقل شقة على العظم بمساحة 70 متراً تتجاوز الثلاثة مليون ونصف، وتحتاج قدرهم للكسوة، وبعملية حسابية بسيطة سوف أحتاج إلى سبع سنوات متواصلة دون أن أمد يدي إلى ليرة سورية واحدة للمعيشة كي أوفر ثمن الشقة؟. ولذلك فقد استأجرت بيتاً بثمانية عشر ألفاً، وحاولت العمل بالدروس الخصوصية بأي ثمن، وبالحد الأدنى من الأسعار، لكن على ما يبدو أنني لم أقنع الأهالي بمؤهلاتي العلمية، ولم أستطع اكتساب إلا عدد قليل جداً من الطلبة، فاخترت عربة الترمس والعرانيس كي أستمر في الحياة مع عائلتي».
وحال هذا المدرس ينطبق على غالبية أهالي محافظة السويداء المحاصرة اقتصادياً منذ سنوات طويلة بفعل مواقف أهلها الذين اختاروا البعد عن المحرقة الطائفية السورية، وعدم الانجرار نحو أتون الحرب المستعرة التي جلبت الأجنبي للبلاد، حيث اعتمد أهلها على الزراعة والاغتراب، فلا ينكن أن تجد منزلاً واحداً بدون أن يكون أحد أفراده مغترباً، وهو ما جعل وطئ الغلاء الفاحش يخف، لكن الوضع في لبنان والخليج وفنزويلا كان سيئاً للغتية خلال السنوات الماضية، وهو ما انعكس على التحويلات المالية، وكثير من المغتربين عادوا، وأصبحوا بلا عمل.
الأسواق في السويداء بعد تخطي الدولار لحاجز 700
واشتعلت الأسواق بطريقة جنونية وعبثية خلال الأيام الماضية، خاصة عندما بدأت الليرة بالانهيار التدريجي لتتخطى حاجز 700 ليرة مقابل الدولار لأول مرة منذ بداية الحرب، ووصل الدولار يوم الثلاثاء 19 تشرين الثاني إلى 722 ليرة في السوق المحلية، التي ما زالت الحكومة تطلق عليه السوق السوداء، وبقي صامداً في بنكها المركزي على سعر تصريف 434 مقابل الدولار، في حالة انفصام لم تحصل في التاريخ.
والداخل إلى سوق الحسبة في مدينة السويداء، والذي يعتبر حتى اللحظة سوق الهال الوحيد في المدينة، يشعر بفروقات عجيبة، ويخرج دون أن يكتشف سر التفاوت في الأسعار، أو مصدر الخضار والفاكهة المعروضة، ورغم كل ذلك فهو السوق الذي يقصده آلاف المواطنين من كل المحافظة للتسوق كونه أرخص وطئاً من كل الأسواق الباقية.
بائع المفرق كميل جنود قال أنه يجلب البقدونس والخس والنعنع والسلق والسبانخ من الفلاحين في قرية برد، ولا يتعامل مع تجار الجملة، ولذلك أسعاره أقل من الأسعار في السوق بما يعادل 10 إلى 15 %، وينفق بضاعته باكراً، ويمضي.
وقد بلغت جرزة البقدونس بين الخمسين والخمسة وسبعين ليرة سورية، وهو ما يتطبق على باقي الحشائش مثل الطرخون والنعنع، والكزبرة، والبقلة، والزعتر، والفجل، والبصل الأخضر. فيما كانت أسعارها أقل في حال كانت من المزارع إلى البائع مباشرة، وهي حالات غير متوفرة كثيراً.
بينما كانت أسعار السلق والسبانخ والخبيزة متفاوتة، فمنهم من يبيعها بالكيلو، ومنهم من يبعها بالجرزة، كل 3 جرز بمائة ليرة، حيث تحتاج العائلة لصنع وجبة من السبانخ إلى 12 جرزة، ونصف كيلو ليمون حامض، ونصف كيلو أرز قصير، وجرزة كزبرة، وزيت أبيض في حال لم يتوفر زيت الزيتون، وهي من الأكلات الخفيفة غير المكلفة على العائلة، ولكنها تتجاوز الألفين ليرة من دون التفكير باللحمة.
وواصلت حبة البطاطا (لحمة الفقير) صعودها التدريجي على الرغم من أن غالبية الإنتاج من أراضي السويداء، إلا أن التجار يستغلون بشكل متعمد الانفلات الحكومي ويبيعونه كيفا يتفقون، فقد بيع في مدينة شهبا مثلاً بسعر 275 ليرة للبطاطا الحلوة بحجة الشتاء، ليعود وينخفض إلى 225 يوم الثلاثاء 19 نشرين الثاني.
وعلى الرغم من أن السويداء اكتفت بشكل كبير بإنتاج مادة البندورة، خاصة أن أهالي قرية قيصما التي تقع في الريف الجنوبي، وأهالي المزرعة وبرد وتعارة والدور في الريف الغربي وجدوا ضالتهم في الآبار السطحية والإرتوازية، وبدؤوا منذ سنوات في إنتاج الخضار، ومنها البندورة، إلا أن التجار استغلوا زيادة الإنتاج ويجبروا الفلاح على بيعه بخمسة وعشرين ليرة، وهك يبيعونه بمائة ليرة، ما جعل المزارعين يقعون بخسائر فادحة، ولا يستفيد المواطن من الإنتاج.
الحواجز والعصابات تساند الحكومة على حساب الناس
الشيء الغريب أن غالبية التجار تجلب بضاعتها من دمشق، وكأنها متفقة على إفقار المزارعين، وتحميل المواطنين الزيادة، حيث قال تاجر الجملة خلدون السلامي الذي يمتلك عدداً من السيارات أن بضاعة الشام أضمن وأرخص.
وعن سبب الزيادات الكبيرة في أسعار الخضار القادمة من دمشق قال «بدك تسأل الحواجز». حيث أوضح تاجر المفرق سامر العربيد (اسم مستعار) أن الزيادات اليومية التي نفرضها على الزبون، تفرض علينا من تجار الجملة بسبب الحواجز المتعددة التي تمر عليهم، حتى لا يضطرون لإنزال بضاعتهم على الأرض وتحميلها من جديد، وهي نفس الاسطوانة القديمة التي استعملت دائماً قبل الحرب وبعدها. ورفعت أسعار كل البضاعة القادمة إلى السويداء. فإذا (فلتت) سيارة ما محملة من أي صنف من يد الحواجز تقع بيد الجمارك أو حاجز ترفيق الفرقة الرابعة التي تتمادى كل يوم بفرض أتاوة على كل السيارات العابرة حتى لو كانت سيارة عمومية قادمة من لبنان.
كل ذلك جعل من المحافظة في حصار كبير، وزاد عليها ما قامت به عصابات الخطف التابعة لجهاز الأمن العسكري التي جعلت طريق دمشق السويداء جحيماً لكل القادمين إلى المدينة، وخاصة أصحاب المصالح، وخطفوا سيارات تابعة لتجار الأغذية الذين امتنع عدد منهم على ارسال بضاعته، حيث ساهم ذلك أيضاً بزيادة الأسعار، وأدخل السويداء في ركود اقتصادي خانق، حيث توقفت حركة البيع والشراء بشكل شبه كامل في سوق العقارات التي كانت المنفس الوحيد للعملة، وبات الخوف يسيطر على الناس من كل خطوة أو مشروع استثماري بسبب الخوف من الخطف والتعذيب، كل ذلك تحت مرمى وأنظار الأجهزة الأمنية التي تقاسم أفرادها حالة الرفاهية مع العصابات.
أسعار المواد الغذائية بوم 19 تشرين الثاني
راقب موقع أنا إنسان حركة الأسواق في كل من مدينتي السويداء وشهبا، حيث كان التفاوت كبيراً بين المدينتين، لصالح مدينة السويداء على الرغم من أن مدينة شهبا أقرب إلى العاصمة بعشرين كيلو متراً.
- كيلو البرتقال 200/175/150 ل.س ووصل في شهبا إلى 225 ليرة
- كيلو الكريفون 200 ل.س
- كيلو الموز 1300/1200 ل.س
- كيلو الرمان 225/200 ل.س وفي شهبا 250 ليرة
- كيلو التفاح 450/400/300 ل.س وهناك تفاح رخيص يباع في الطرقات لكن الإقبال عليه ضعيف
- كيلو الذرة 250/200 ل.س
- كيلو الجزر 200/150 ل.س
- كيلو الباذنجان 125/100 ل.س وفي شهبا 150 ليرة
- كيلو البطاطا 200/225 ل.س، وفي شهبا حسب مزاج الباعة
- كيلو البندورة 100/ 125 ل.س
- كيلو الخيار 200 ل.س وفي شهبا 225 ليرة.
- كيلو البصل 200 ل. س
- كيلو الثوم 1800/1500 ل.س
- كيلو القرنبيط 150 ل.س
- كيلو الملفوف 125 ل.س
- كيلو الليمون الحامض 450/300 ل.س
- كيلو الفاصولياء 400/ 350/300 ل.س
- كيلو البامياء 700/500 ل.س
- كيلو الخس 100 ل.س
- كيلو السلق 150 ل.س
- كيلو الهندباء 150 ل.س
- كيلو الفليفلة 150 ل.س
- كيلو الفليفلة الحارّة 150 ل.س
- كيلو الكوسا 200 ل.س
- جرزة الفجل 50 ل.س
- جرزة البقدونس 50 ل.س
- جرزة الكزبرة 50 ل.س
- جرزة النعنع 50 ل.س
- جرزة البقلة 50 ل.س
- جرزة الجرجير 50 ل.س
- السكر 350/ 400 ليرة
- زيت الزيتون تنكة 35 ألف ليرة
- ليتر الزيت الأبيض 650/ 700 ليرة
- وقية القهوة مع هيل حسب الشركة 900 / 950 ليرة
اللحوم ارتفاع مستمر الأسعار:
تابع الفروج واللحم الأحمر ارتفاعه التدريجي على الرغم من عدم الإقبال على شراءه، حيث قال الشاب مهند الشحف أكبر تاجر فروج في شهبا إن الطلب خف كثيراً على الفروج وقطعه منذ أشهر، وخلال الأسبوعين الماضيين كان محلنا يعاني من قلة الحركة؛ علماً أننا نبيع بسعر الجملة، وأسعارنا مدروسة، ولكن غلاء الفروج هو السبب وراء هذا الكساد.
- كيلو الفروج حي 800 ل.س
- كيلو الفروج المذبوح في المحلات 1150 ل.س
- كيلو السفاين 1800 ل.س
- كيلو السودا 1650 ل.س
- كيلو لحمة الغنم 6000 ل.س
- كيلو لحم العجل 4400 ل.س
الأدوية تحلق بلا رقيب والمشافي لا تقدم أي دواء
أكثر القضايا التي يعاني منها الجبليون في هذه الأيام تتمثل بغلاء الأدوية المرتبطة بالدولار، وباتت فاتورة الدواء وبالاً كبيراً على الأسر المتوسطة الحال، حيث تقوم نقابة الأطباء بزيادة دائمة على الدواء؛ تبعاً لحالة السوق الني يحكمها الدولار. وعلى الرغم من المبادرات المجتمعية التي يقوم لها الأطباء والصيادلة في عدد من القرى والمناطق لدعم صمود الناس، ومساهمة عدد من الجمعيات الخيرية بتحمل ثمن الدواء، إلا أن كل ذلك لا يجدي نفعاً مع وصول الشتاء وأمراضه العديدة المكلفة.
وفي مشفى شهبا الجديد قال أحد الأطباء المقيمين أن صيدلية المشفى لم يعد بها أي نوع من الدواء لأن ميزانية مديرية الصحة انتهت بانتظار العام القادم، ولذلك يقزم الأطباء بالفحص ووصف الأدوية على حساب المريض.
أما الطامة الكبرى فتتمثل بالدواء المفقود الذي يجلب عادة بسعر كبير من لبنان، لكن الأحداث الأخيرة منعت وصوله، أو تضاعف ثمنه بشكل كبير، وخاصة أدوية السرطانات والجلد والكلية.
مستلزمات الشتاء
ارتفعت كل أنواع المنظفات بما يعادل 20 % خلال الأيام القليلة الماضية، وخاصة منظفات الغسيل التي تعتمد على الحبيبات المستوردة، فيما وصل سعر بوري المدفأة العادي الذي كان يباع في السنة الماضي بـ 500 / 550 ليرة إلى رقم فلكي متجاوزاً 800 ليرة وسط حديث لأكثر من تاجر عن خسائر كبيرة وقعوا فيها بسبب الفارق في الدولار بين السويداء ودمشق يصل إلى 25 ليرة، وهو ما يوقعهم بحيرة كبيرة: خاصة بعد أن باعوا غالبية بضاعتهم على الأسعار القديمة، ولم يعد لديهم احتياط يذكر. يقول التاجر ساري العيسى أنه باع البوري المرت بـ 1400 ليرة يوم الأحد، والاثنين اشتراه بألف وخمسمائة ليرة، ولذلك ينتظر كل لحظة سعر الصرف الجديد لكي يبيع على أساسه، على الرغم من أن الحركة شبه معدومة في السوق. الذي يلجأ أغلب تجاره إلى البيع كيفما صعد الدولار.
خسائر غير مرئية في السويداء
يقول أحد المستثمرين في المنطقة الصناعية في السويداء إن من يزر هذا المكان يجد البؤس قد حل فيها، فالمحل الذي كان يؤجر بمائة وخمسين ألف في الشهر، أصبح يؤجر بنصف المبلغ، ولم تعد الحركة الاقتصادية جيدة. العصابات أدت دورها على أكمل وجه، فالمقيم والمهجر إلى السويداء كان يستأجر الشقة بـ ٦٠ الفاًـ ويصرف ٣٠٠ ألف في السوق هرب ولا يمكن أن يفكر بالعودة، والمستثمرين من دمشق وحلب، والذين باتوا من أهل السويداء، وضخوا فيها مئات الملايين من الليرات هربوا بسبب الضغط الذي مورس عليهم من عصابات الخطف والسرقة.
وأضاف أن قوة خفية تمنع استقرار السويداء وتسمح للزعران والمليشيات باللعب بمصير 500 ألف شخص يعيشون في هذه البقعة.
وإذا لم يؤخذ أي إجراء بحق هؤلاء، فهذا يعني أن الأزمة القادمة إلى السويداء ستكون بعنوانها العريض اتساع نطاق العصابات لتتحول إلى مقاطعات يحكمها فيها قطاع الطرق على الطريقة الفنزويلية.
فيما أوضح المحامي مرشد العلي إن غياب الرقابة المتعمد على الأسعار سيفضي إلى حدوث مشكلة اقتصادية تؤدي إلى المزيد من الفقر، لاسيما في ظل ثبات أجور الموظفين، والبطالة.
وأضاف أن أي أسرة تحتاج في الشهر لما يزيد عن 200 ألف ليرة كحد أدنى، ولولا المغتربين وبعض الجمعيات الخيرية والميسورين؛ لكان الموت جوعاً مصير غالبية الطبقة المتوسطة التي تعتمد على الراتب أو الأعمال الحرة التي تضرر غالبيتها.
منهياً حديثه بالقول: «ما تبقى من شجر واقف في السويداء التي كانت خضراء فيما مضى معرضة اليوم للموت بسبب الشتاء، فمن الذي سيموت بعدها».