أخبار
إحدى جلسات النقاش حول أوضاع السوريين بتركيا (تصوير: محمد العاجوزي)

هموم السوريين في تركيا على طاولة نقاش

يبدأ الحضور بالتوافد الساعة السادسة مساءً. مكان الاجتماع المتفق عليه ضمن مقهى بأحد أحياء عنتاب جنوبي تركيا. لا فرق بالمكان حيث يتفق الحضور في كل مرة على الاجتماع بمكان ما. مرة بمقهى شعبي وأخرى بمكتب أحد الحضور، أما الهدف فهو الدردشة ومناقشة حال السوريين بتركيا.

في هذه الجلسة المعتادة كان الموضوع حول المنطقة الآمنة التي يتم الحديث عنها مؤخراً في وكالات الأنباء وتصريحات السياسيين بالإضافة لملف تجنيس السوريين وملفات أخرى، وقد دخل أطراف الحديث مباشرة بالموضوع وتشابكت الأصوات بين مشكك بنوايا تركيا من إنشاء المنطقة الآمنة ومؤيد لها.

يقول محمد علي، وهو لاجئ سوري يحمل وثيقة الحماية المؤقتة ومقيم في عنتاب: “في حال تأسست المنطقة الآمنة أنا أول المغادرين إليها، خاصة إن منحونا منازل مجانية وتم توفير البنى التحتية بالمنطقة، على الأقل نحن نعيش في سوريا ولسنا لاجئين لا نعرف مصيرنا”.

يرد عليه كامل الخلف، وهو أيضاً لاجئ سوري يقيم في عنتاب قائلاً: “أخالفك الرأي، لا أتوقع أن المنطقة الآمنة ستكون آمنة بالفعل خاصة إن لم يتم ضبط الفصائل العسكرية المسؤولة عن أمن المنطقة، أو بالأحرى لن تكون آمنة إلا بوجود قوات حفظ سلام أممية، أما إذا كانت قوات أمريكية ستعمل لمصالحها وذات الشيء بالنسبة للقوات التركية والروسية ومن الطبيعي أن تكون مصالح قوة أجنبية أولى من مصالحنا كسوريين”.

ويتابع كامل، تعقدت الأمور حالياً بعد تداخل مصالح القوى بشمال شرقي سوريا ويبدو أن تركيا توازن حالياً بين خسائرها الاقتصادية المحتملة بعد التهديدات الأمريكية الأخيرة وإكمال مشروعها بالمنطقة، ونحن كسوريين ننتظر مصيرنا المجهول.

احتدم النقاش بين الأطراف لينتهي بجملة من الشاب وائل حمد، وهو صديق الشبان ويحضر جلساتهم باستمرار، حيث حوّل النقاش لمسألة تجنيس السوريين في تركيا موجهاً سؤاله للجميع قائلاً: “اتركونا من المنطقة الآمنة، برأيكم هل سنأخذ الجنسية التركية مع مرور الوقت أم لا؟”.

اختلفت الآراء ولكلٍ قناعته بالمسألة لكن بدا أن كامل أقنعهم برأيه عندما قال: “السوريون أخذوا حيزاً من اقتصاد تركيا وإن تمت إعادتهم سيؤثرون لا محالة على البلاد، فقط على مستوى العقارات انتعشت بشكل ملحوظ لدرجة أن ولايات مثل كيليس والريحانية تشهد نشاطاً عمرانياً ملحوظاً الآن بسبب ازدحام السوريين وطلب الإيجارات المتزايد من قبلهم”.

واستند كامل برأيه أيضاً على نقطة أخرى وهي ورشات ومعامل رجال الأعمال السوريين الذين حولوا أموالهم بالعملة الصعبة إلى تركيا وباتت الأرقام تتجاوز المليارات، معتبراً أن تركيا لا يمكنها سلك أي طريق غير تجنيس السوريين القادرين على إعالة أنفسهم، وفق حديثه.

ويعزز حديث الشاب الإحصائيات التي تُنشر بشكل دوري عن اقتصاد السوريين في تركيا، حيث قدّرت جمعية رجال ورواد الأعمال السوريين سياد حجم استثمارات السوريين بتركيا بما يتجاوز 1.5 مليار دولار بشكل تقريبي، وفق ما ورد في تقرير نشرته وكالة الأناضول.

وأخذ موضوع تجنيس السوريين ومدى تأثيرهم في تركيا حيزاً من وقت نقاش الشبان حتى تحولوا للحديث عن ملف اللجوء إلى أوروبا عندما سأل محمد أصدقائه حول مدى احتمال تأثير التصريحات السياسية لمسؤولين أتراك على تسهيل طرق اللجوء إلى أوروبا عبر تركيا، وعاد النقاش مرة أخرى ليحتد بين الأطراف بين كامل الذي اعتبر أن “تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول فتح الحدود أمام اللاجئين السوريين  للوصول إلى أوروبا ليست إلا مجرد تهديدات لتنفيذ مطالب تركيا بما يخص المنطقة الآمنة والمساعدات المالية لإغاثة اللاجئين”، وبين وائل الذي أكد أن أصدقاء له عبروا الحدود مؤخراً نحو اليونان والطرق باتت أسهل من السابق.

استمر تبادل الأطراف النقاش لنحو ساعتين مع مزيد من القهوة والشاي والسجائر التي كادت تنتهي مع حالة من التشنج ودفاع كل شخص عن رأيه الذي يعتبره أقرب توقع لما قد يحصل مع السوريين مستقبلاً، فيما انتقل الحديث مرة أخرى للمشاكل التي يتعرض لها السوريون أثناء البحث عن فرصة عمل بالإضافة للتعقيدات القانونية التي تفرضها السلطات التركية عليهم مثل مسألة إذن السفر ونقل القيد من ولاية لأخرى والتسجيل للحصول على وثيقة حماية مؤقتة أو تحديث البيانات الشخصية.

لم يكتفِ الحضور بذلك ولم يملّوا من هذه النقاشات التي لا جدوى منها سوى مبادلة أطراف النقاش وإمضاء بعض الوقت الممتع حسب رأيهم، بل امتدت إلى مناقشة ما يحصل في مصر والعراق مؤخراً وهل ستتطور الظروف وتتسع رقعة المظاهرات أم لا وما تأثير الدول الأجنبية على ذلك؟.

توجهنا بسؤال لمحمد خلال النقاش المحتدم هل تتحدثون في اجتماعاتكم عن ملف اللاجئين والملفات السياسية الأخرى كما حصل منذ قليل؟، ليجيب: “إن الأحاديث التي نتبادلها مفيدة لنا ولا نشعر بمضي الوقت، أحياناً تكون عن اللاجئين وأحياناً عن الديانات وأخرى عن سياسات الدول وكل المواضيع التي تثار أمامنا ونملك من ثقافتنا بعض الخبرة للمشاركة بها”، وأضاف “كل سوري معنيّ بذلك لا تغيب المواضيع عن باله وله بالتأكيد خلفية ثقافية عنها، وبالنهاية نعيش نحن السوريون وكأننا نسير على طريق مجهول الأجل ولا نجد بهذه الأحاديث سوى مجالاً للتسلية وتمضية للوقت ومواساة لما نحمله من هموم لا تعد ولا تحصى”.

ويبدو أن عملية “نبع السلام” خلطت الأوراق من جديد، وباتت تشكل تهديداً مباشراً لتركيا بعد توعد الولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية على البلاد، وفق حديث كريم محمد وهو أحد اللاجئين السوريين المقيمين بتركيا، ويكمل أعتقد أن تلميح دونالد ترامب الأخير خلال الرسالة الموجهة لأردوغان حول ما حلّ بتركيا أثناء قضية احتجاز القس الأمريكي برونسون وانهيار الليرة التركية قد جعل تركيا تعيد النظر بسياستها تجاه أمريكا، وحول عملية “نبع السلام” يقول: إن “العملية توقفت نوعاً ما وهذا يدل على إعادة تركيا ترتيب أوراقها من جديد والعودة للمباحثات السياسية لإيجاد حلول مناسبة مع الروس والأمريكان في المنطقة”.

لم ينته النقاش فيما بينهم وباتت المواضيع المطروحة شائكة ومبعثرة إلى أن جاء عامل المقهى وأخبرهم بحلول موعد إغلاق الخدمة ليفتح جدال جديد بين الأطراف ولكن هذه المرة يتعلق بمن يدفع الحساب حتى أصر أحدهم على دفعه ومضى كل منهم بطريقه نحو المنزل بعد أن اتفقوا على اللقاء في موعد آخر.

 

فراس العلي

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *